وتبقى البحرين عالقة ...

2012-08-19 - 7:33 ص


جين كينينمونت، فورين بوليسي
ترجمة: مرآة البحرين

(أمس)، أجلت البحرين الأحكام في القضية المثيرة للجدل  لزعماء المعارضة الـ 13 البارزين حتى 4 أيلول/سبتمبر. قد تكون معركتهم القانونية  تتلقى القليل من اهتمام وسائل الإعلام، لكنها تكشف الكثير من المشهد السياسي غير المؤكد في البلد المهم استراتيجيا.   لم تتمكن حكومة البحرين من استخدام التحقيق الشهير الذي قامت به لجنة شريف بسيوني العام الماضي في لدراسة أحداث عام 2011. ونتيجة لذلك، لا يزال الجمهور مستقطبا، وعلى أسس سياسية أكثر منه على أسس طائفية، بينما حركة الاحتجاج قد سلمت من اعتقال قادة بارزين. وفي الوقت نفسه، لا تزال الأسباب الجذرية للانتفاضة  دون معالجة، في ظل عدم وجود حوار سياسي ومفاوضات.

وكانت البحرين قد كلفت ملكيا لجنة تحقيق في اضطرابات العام الماضي، والمعروفة باسم تقرير بسيوني، لتكون أساسا لتوافق وطني حول الأسباب والأحداث التي جرت خلال الانتفاضة، وكذلك تقديم توصيات حول الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان. المتفائلون - في الحكومة والمعارضة،  وحلفاء البحرين الغربيون -- أملوا في أن تساعد في إطلاق عملية الحوار والتفاوض بين الحكومة والفصائل السياسية – وكان التقرير قد أشيد به دوليا على أنه حجر أساس وتقدمي، وبأنه ينظر إلى الأمام أكثر مما كان متوقعا.

ولكن رغم  جهود العلاقات العامة  للحكومة البحرينية، فإن توصياتها لم تنفذ بالكامل. وكان التقرير قد انتقد الممارسات المختلفة - من الغارات الليلية للمنازل إلى السجن بسبب جرائم التعبير السياسي – وها هي تعود. والوعود بتحميل المعذبين المسؤولية أسفرت فقط عن إدانة ثلاثة من رجال الشرطة. وتقدر جماعات المعارضة  بأن هناك نحو 1400 سجين سياسي  في حين أن الحكومة تقول أن لا أحد هناك. ووفقا لتقديرات جمعية الوفاق، الجماعة المعارضة الرئيسية، فإنه تم اعتقال 240 شخصا وإصابة  100 برصاص الشوزن والرصاص المطاطي في تموز/يوليو. وأصيب الأمين العام للجمعية، الشيخ علي سلمان، برصاص الشوزن عندما كان يشارك في مظاهرة صغيرة أمام منزله في حزيران/ يونيو.

في هذه الأثناء، تظهر المعارضة المحبطة المزيد من علامات التطرف. فهناك أقلية صغيرة ولكن متزايدة من المحتجين الذين يقذفون قنابل المولوتوف والقضبان الحديدية على قوات الأمن ومراكز الشرطة، ويبحثون عن طرق جديدة لتحسين الأسلحة. وفي حين أن قادة المعارضة الرئيسيين يدينون العنف بصورة متكررة، فإن عددا متزايدا من الأصوات على الإنترنت تسعى إلى تبرير العنف بـ "الدفاع عن النفس" أو "المقاومة". وهذا بدوره يشجع أنصار  الحكومة على الإشادة  باعتقال النشطاء، والنظر إليهم  كمتواطئين، حتى عندما يتم القبض عليهم بسبب تغريداتهم أو بسبب الاحتجاج دون تصريح.

تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في البحرين لا يزال مرجعا حيويا، و مصدر قوة نادرة  بالنسبة لأولئك الذين هم ضمن البيروقراطية في البحرين والذين يحاولون دفع الإصلاحات. ولكن هذه الجهود لديها قوة جذب قليلة نظرا إلى أن أغلب صناع القرار البارزين الذين أشرفوا على حملة العام الماضي قد احتفظوا بمناصبهم. ولا يزال هناك خلافات داخل العائلة الملكية، آل خليفة، حول ما إذا كان يمكن تقديم تنازلات للمعارضة وكيفية التعامل مع أي عملية حوار. هذه الانقسامات تظهر في الرسائل المتباينة، كما رأينا في وقت سابق من هذا العام في حالة أحد قادة المعارضة المسجونين الـ 13، عبد الهادي الخواجة الذي يحمل الجنسيتين الدانماركية والبحرينية، والذي كان حينها مضربا عن الطعام. حيث قال مسؤولون دانماركيون في جلسة المراجعة الدورية الشاملة للبحرين في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أنهم توصلوا إلى اتفاق في منتصف شهر آذار/مارس بمغادرة الخواجة البحرين لتلقي العلاج الطبي في الدنمارك، ولكن لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق.

وقد تمت إدانة الرجال الـ 13 في المحكمة هذا الأسبوع أمام محكمة عسكرية العام الماضي لجرائم  شملت التآمر لقلب نظام الحكم بالقوة، والتحريض على كراهية النظام، وإهانة الجيش، والتحريض على الطائفية. وقد تلقى العديد منهم، بما في ذلك الخواجة، عقوبة السجن مدى الحياة. جميع المتهمين يصرون على براءتهم  وقد قدموا وصفا للتعذيب الواسع النطاق في الحجز. وكانت لجنة بسيوني قد انتقدت بشدة سلوك قوات الأمن، بما في ذلك استخدام التعذيب "النظامي" و "الممنهج". وقد أوصت بأن تقوم المحاكم المدنية بمراجعة جميع الإدانات من قبل المحاكم العسكرية التي لم تحترم مباديء المحاكمة العادلة، مثل عدم جواز انتزاع "الاعترافات" عن طريق التعذيب. وبعد ستة أشهر من تقرير التحقيق، وبعد تركيز الاهتمام الدولي المتزايد في إضراب الخواجة عن الطعام، تم الأعلان في النهاية  إلى أن زعماء المعارضة سيكون لهم هذا الحق. إلا أن محاميهم يقولون إن المحكمة لا تزال تستخدم التعذيب لانتزاع "الاعترافات" كأدلة.

 الخواجة ليس وحده فقط. فهناك إبراهيم شريف  من أبرز المعتقلين، ومن البحرينيين السنة القلائل الذين سجنوا لدورهم في حركة الاحتجاج. قبل سجنه، فقد كان الأمين العام لحركة وعد، الجمعية العلمانية الليبرالية المعارضة المعترف بها قانونيا وبقيادة خليط من السنة والشيعة البحرينيين. وهي تستمد الإلهام من الحركات القومية العربية في 1950 و 1960، عندما كان للمعارضة في البحرين قيادة غير طائفية ولكنها تتمتع في المقام الأول بدعم من المسلمين السنة المتمدنين. وعد هي حركة صغيرة نسبيا، في عصر يهيمن عليه الإسلاميون، لكنها تمثل نخبة فكرية هامة. إبراهيم شريف، مصرفي استثماري سابق وصاحب شركة اتصالات،  وأحد الاقتصاديين المعارضين الأكثر مهارة وناقد حقيقي للفساد. وقد أثار في مقابلة له في 2008 في تلفزيون البحرين، أسئلة مفصلة حول ميزانية الديوان الملكي. والتي لم تؤدِ فقط إلى عدم دعوته مجددا فحسب، بل وبعد أسبوع واحد، تمت إقالة وزير الإعلام بشكل مفاجئ - وهو المسؤول عن التلفزيون الحكومي.

دور إبراهيم شريف في الاحتجاجات -- حيث كان يظهر في كثير من الأحيان جنبا إلى جنب مع الشيخ سلمان من الوفاق، رجل الدين الشيعي، في إجراء مكالمات مشتركة للانتقال السلمي إلى ملكية دستورية حقيقية -- يعقد السرد الرسمي المستخدم على نطاق واسع بان الاحتجاجات كانت طائفية في طبيعتها. وعلى الرغم من أن غالبية المحتجين كانوا من الشيعة، فان المجموعات الشبابية التي نظمت احتجاجات 14 فبراير شملت السنة والشيعة، العلمانيين والإسلاميين، والمستوحاة جزئيا من  الحركات الجماهيرية السلمية  في مصر وتونس. وبشكل عام، عومل السنة البحرينيون برأفة اكثر خلال القمع، ولكنهم كانوا أيضا أكثر عرضة لمواجهة الضغوط العائلية للحفاظ على الهدوء. شريف، الذي حكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة إهانة الجيش، هو استثناء.

ومن بين المتهمين أيضا قادة من "التحالف من أجل الجمهورية"،المجموعات الثلاث التي قررت الدعوة إلى الإطاحة بالملكية في آذار/مارس 2011: حسن مشيمع وعبد الجليل السنكيس من حركة حق وعبد الوهاب حسين من حركة الوفا (بينما أدين سعيد الشهابي، زعيم المجموعة الثالثة حركة أحرار البحرين ومقرها بريطانيا، غيابيا). على العكس من الوعد والوفاق، الجماعات المعارضة الأكثر ثورية أو رفضا  التي كانت ترفض دائما المشاركة في البرلمان النصف منتخب، نظرا لسلطته المحدودة، وقد ركزت بدلا من ذلك على العمل المباشر والاحتجاجات في الشوارع. وكانت دعوتهم لإقامة الجمهورية واحدة من نقاط التحول في انتفاضة العام الماضي، وهو ما يمثل خطا أحمر بالنسبة للسعودية وغيرها من دول الخليج، التي أرسلت قواتها إلى البحرين في وقت لاحق بعد أسبوع واحد فقط.

بعد عقد من الزمن، تمت محاكمة هؤلاء النشطاء أيضا لحشد الدعم لنظام ملكي دستوري. وقد تم سجنهم  مرارا وتكرارا في الماضي، بما في ذلك عام 1990، لدورهم في الانتفاضة حينئذ. وعندما جاء  الملك حمد بن عيسى آل خليفة الحالي، إلى السلطة، كان عبد الوهاب حسين والمشيمع من بين زعماء المعارضة الذين أيدوا ميثاق العمل الوطني، الميثاق الملكي الذي وعد بإعادة برلمان البلاد، إلا أن تعديل دستور عام 1973 أعطى المجلس الأعلى صلاحيات استشارية بحتة. والتقى الملك مع عبد الوهاب حسين،  وآخرين، لكسب تأييدهم. وقد ساعد تأييدهم في ضمان الموافقة الساحقة للميثاق في استفتاء شعبي عام 2001. إلا انه، في عام 2002، أصدر الملك دستورا جديدا جعل المجلس الأعلى في البرلمان على قدم المساواة مع المجلس المنتخب. البرلمان الناجم عن ذلك  كان قد تم ترسيمه أيضا لاضعاف صوت الشيعة. هذه التجربة تساعد على تفسير شكوك المعارضة الحالية حول الوعود  بالحوار والإصلاح.

أنصار الحكومة أيضا يشككون في تعامل السلطات مع هذه الشخصيات، ولكن لأسباب مختلفة جدا. فقد تم تقديم العديد من المتهمين للمحاكمة في عام 2009، ومرة أخرى في عام 2010، بتهمة الإرهاب (تحت القانون الذي يعرف الإرهاب على نطاق واسع جدا). وفي كلتا الحالتين، شهدوا شذوذا قانونية: فقد تم "العفو" عنهم من دون إدانتهم. وقد ساهم هذا الاستخدام الغامض للعفو الملكي إلى استقطاب وجهات النظر في البحرين. فبالنسبة للمعارضة، فأن القادة السياسيين والشخصيات الوطنية التي لها تاريخ طويل من النضال من أجل الكرامة والعدالة؛ يرون الاعفاءات السابقة كوسيلة لحفظ ماء وجه السلطات في التراجع عن الاتهامات التي لم تمتلك الدليل. وبالنسبة لمؤيدي الحكومة، فهم متطرفون خطيرون سبق أن سمح لهم بالخروج من السجن عدة مرات، وترى العفو كمظهر من مظاهر التساهل الملكي. وبالتالي، فإن كل من أهالي المعتقلين وأكثر الأصوات المناهضة للمعارضة توافق الرأي القائل بأن المعتقلين لا يجب العفو عنهم - ولو لأسباب مختلفة جدا. ويعتقد الكثير من المجموعتين  بأن الحكم سيكون في النهاية قرارا سياسيا، كما كان العفو السابق.

تم تأجيل الإعلان عن الحكم النهائي، الذي كان متوقعا أمس،  في اللحظة الأخيرة لثلاثة أسابيع أخرى. وقال القاضي إنه تم تأجيل الجلسة  بسبب  ترديد بعض أهالي المتهمين شعارات سياسية في المحكمة. داخليا، لا يزال هناك الكثير من التكهنات التي يمكن أن تستخدم هذه القضية كورقة مساومة سياسية في أية جهود لتمهيد الطريق لحوار سياسي جديد والتي يضغط حلفاء البحرين الغربيون من أجله. وفي كلمة ألقاها في وقت لاحق من اليوم نفسه، تحدث الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبعبارات عامة حول قيمة الحوار. جماعات المعارضة يقولون إنه لا يوجد حتى الآن أي عرض ملموس على الطاولة.

على افتراض أن عرضا ما قد تم تقديمه في نهاية المطاف، فسوف يكون لجمعية الوفاق مهمة صعبة في إقناع  الشارع الشيعي الذي يتطرف على نحو متزايد بأن تفضيلها الحوار -- ودعمها المعلن للنظام الملكي، ولو كان ذلك مع حكومة منتخبة ووجود حدود دستورية اكثر على سلطة الحاكم -- سوف يؤتي أكله. الاحتجاجات شبه اليومية، والتي غالبا ما تنطوي على مناوشات بين الشرطة والمتظاهرين، ما زالت، على الرغم من فرض حظر فعلي (بمعنى عدم إصدار تصاريح) خلال الأسابيع القليلة الماضية. ضمن المعارضة، ارتفعت شعبية المعتقلين الناشطين الـ 13  فقط منذ سجنهم، فأولئك الذين يعانون شخصيا غالبا ما يكسبون المصداقية  بهذه الطريقة، وهو الشيء الذي يفقده أحيانا الطرف الاكثر قوة في صراع غير متكافئ.

مستجدات:  المأزق السياسي المستمر في البحرين، ترسخ  أكثر بقرار المحكمة اليوم التي حكمت على نبيل رجب،  ناشط بارز، بثلاث سنوات في السجن لمشاركته في احتجاجات غير قانونية.

وقد أصبح السيد رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان المحظور،  رمزا كبيرا وبشكل متزايد لحركة الاحتجاج، فضلا عن أنه الضيف المتكرر في وسائل الإعلام الدولية. وهو يحظى باحترام المجتمع الدولي لحقوق الإنسان بسبب سجله الطويل في العمل في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك المشاركة في تأسيس جمعية حماية العمال المهاجرين (منظمة غير حكومية محلية ونادرة تركز على حقوق المغتربين)، وهو يقوم بالحملة نيابة عن البحرينيين في غوانتانامو وضد استخدام البحرين لعقوبة الإعدام (وهو أمر نادر، ولكن دائما تقريبا يستخدم ضد المهاجرين). لكن تصريحاته السياسية المتزايدة شوكة في خاصرة السلطات، وهدف لتهديدات الإعدام، فضلا عن حملات التشهير التي تتهمه بالعنصرية، والعنف، والطائفية، والعمالة لإيران، والزندقة، وعدد كبير من أشياء أخرى متناقضة في كثير من الأحيان. المتظاهرون الشباب معجبون بصراحته ورغبته في انتقاد الملك مباشرة بسبب أعمال الحكومة، على العكس من الجمعيات السياسية المعارضة الأكثر حذرا، في حين أن الفصائل غير المؤيدة للمعارضة، بما في ذلك جزء كبير من المجتمع السني، يرونه شخصا غوغائيا. ويرى نشطاء المعارضة الحكم عليه بثلاث سنوات بسبب احتجاجات مؤشرا على أنه بدلا من تمهيد الطريق للحوار والمفاوضات، فإن السلطات ما زالت تنظر إلى الاحتجاجات إلى حد كبير على أنها جريمة وقضية أمنية. ومع ذلك، فان المؤسسة الحاكمة ليست متجانسة، وهناك مجموعة متنوعة من وجهات النظر حول كيفية إخراج البحرين من الجمود السياسي.

*جين كينينمونت  باحثة كبيرة في تشاتام هاوس ومؤلفة كتاب البحرين: ما وراء المأزق.

15 آب/أغسطس 2012
رابط النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus