الإصلاحات في القطاع الأمني البحريني

2012-08-22 - 7:48 ص


كينيث كاتزمان، أوبن سكيوريتي
ترجمة : مرآة البحرين


على الرغم من أن حكومة البحرين قد نفذت العديد من توصيات لجنة البحرين المستقلة المتعلقة في إصلاح القطاع الأمني، فإن الإنتهاكلت قد تواصلت خلال عام 2012، مما يشير إلى أن محاولات الإصلاح قد فشلت بشكل أساسي  في تغيير نهج الحكومة في التعامل مع معارضيها.

إن مسألة إصلاح القطاع الأمني في البحرين كان مركزيا بالنسبة  للدبلوماسية الأميركية والدولية الرامية إلى ايجاد حل للانتفاضة في البحرين من قبل الأغلبية الشيعية التي بدأت في شباط/فبراير 2011. وقد عملت الانتهاكات الواسعة النطاق التي ارتكبتها قوات الأمن البحرينية أثناء محاولة قمع الانتفاضة، وبأكثر المقاييس، على إطالة أمد الانتفاضة المستمرة، وإلى تشديد مواقف المعارضة الشيعية، وجلب مملكة البحرين إلى سيل مستمر من الانتقادات الدولية.

لم يكن مفاجئا بالنسبة  للخبراء المهتمن بالشأن البحريني أن يكون القطاع الأمني عاملًا رئيسيا في اختلافات المعارضة والحكومة. فالعديد من الذين يراقبون البحرين عن كثب  قد لاحظوا منذ فترة طويلة أن قوات الأمن، من ناحية التصميم، يهيمن عليها وبشكل كبير السنة الموالون لنظام آل خليفة. وكدولة صغيرة، حكومة البحرين  تفتقر كثيرا إلى القوى العاملة الكافية، وقد زودت قوات أمنها بالمغتربين من الدول التي يغلب عليها السنة، مثل باكستان والأردن. ومنذ زمن طويل كان أمنيون بريطانيون مغتربون، مثل أيان هندرسون، يقدمون النصيحة للأجهزة الأمنية في البحرين باتباع أساليب عنيفة. وكانت احتجاجات شيعية سابقة  – والتي أجبرته على التقاعد في عام 1998  - قد نظمت بسبب اتكال نظام آل خليفة على هندرسون لتدريب وتنظيم قوات الأمن. وعلى الرغم من أنه استقال بسبب الانتقاد الشيعي (في البحرين) والدولي لسياساته - التي قادت بعض المعارضين  بتسميته بـ "جزار البحرين" – ولكن هندرسون ظل على مقربة من الحاكم السابق، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، الذي توفي في عام 1999 والذي خلفه ابنه الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة.

جاء الملك حمد إلى الحكم وتعهد بالإصلاح والتوصل إلى اعتماد ميثاق وطني جديد في عام 2002. ذلك الميثاق أعاد بناء الجمعية الوطنية، بمجلس نواب منتخب بالكامل ومجلس أعلى معين بنفس حجم مجلس النواب. وعلى الرغم من محاولات حمد تحقيق الإصلاح السياسي الذي دمج الشيعة بشكل أفضل في البنية السياسية، فإن إصلاحات أمنية قليلة قد جرت خلال حكم الملك حمد.  فالشيعة القليلون الذين تجندوا في الأجهزة الأمنية قد حصروا إلى حد كبير بالمهام الإدارية (1). وواصل قادة أمنيون ممارسة سلطتهم الكبيرة وبإفلات من العقاب، مع رقابة إدارية أو قانونية تكاد تنعدم. وحتى قبل انتفاضة 2011، كانت تقارير تعذيب وسوء معاملة المعارضين الشيعة قد لوحظت وعلى نطاق واسع، بما في ذلك تقرير هيومن رايتس ووتش في عام 2010.

لم يكن من غير المتوقع، عند اندلاع الانتفاضة، ألا ترد أجهزة الأمن بالأساليب العنيفة، وباستخدام الذخيرة الحية والرصاص المطاطي، والغاز المسيل للدموع، واعتقال واسع للمتظاهرين الشيعة. هذه الانتهاكات قد نوقشت بتفاصيلها الدقيقة في تقرير اللجنة التي عينها الملك في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 وهي لجنة تحقيق مستقلة تحظى بالاحترام، برئاسة المبجل شريف بسيوني. وبصرف النظر عن المحاكمات الموصى بها للعناصر والقيادة الأمنية المسؤولة عن الانتهاكات، أو تعويض ضحايا الانتهاكات الماضية، التوصيات كانت تهدف إلى تصحيح الاختلالات والعيوب طويلة الأمد في القطاع الأمني  ومن بين هذه التوصيات ما يلي:

- إدماج الشيعة في الأجهزة الأمنية  بدرجة أكبر.

- إبعاد اجهزة الأمن الوطني (المخابرات) من سلطات إنفاذ القانون.

 - تقديم قدر أكبر من الشفافية في عملية الاعتقال والاستجواب.

- انشاء "مدونة قواعد السلوك"، تعتمد على أفضل الممارسات الدولية، بحيث تلتزم الأجهزة الأمنية  بالمعايير الدولية لممارسات حقوق الإنسان.

- إلغاء نظام المحاكم العسكرية ونقل جميع الحالات إلى المحاكم العادية.

بعد صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق، أنشأ الملك لجنة وطنية للإشراف على تنفيذ توصياتها. ووفقا لتقرير لجنة آذار/مارس 2012، وتلك المتعلقة بلجنة المتابعة التي تواصل عملها،  نفذت الحكومة معظم التوصيات أعلاه. (2) وكمثال بارز، تم توظيف قائد شرطة ميامي السابق جون تيموني  وقائد شرطة بريطاني سابق جون ييتس من قبل الحكومة لإرشادها بشأن الأساليب التي تتفق مع المعايير الدولية. إحدى التوصيات الرئيسية التي لم يتم تنفيذها بدرجة كبيرة، حتى الآن، هو دمج الشيعة بشكل أكبر في قوات الأمن، وفي مستويات أعلى من المسؤولية.

وعلى الرغم من أن الحكومة، وباعتبارات عديدة - بما في ذلك تلك الموجودة في المعارضة – قد نفذت العديد من توصيات اللجنة المتعلقة بإصلاح القطاع الأمني، فإن الانتهاكات تواصلت خلال عام 2012. وهذا يشير إلى أن الإشراف على تقرير لجنة تقصي الحقائق واللجنة الوطنية ولجنة المتابعة قد فشل في إحداث تغيير جوهري في الحكومة من ناحية التعامل مع المتظاهرين والمعارضين البارزين. وكانت الاحتجاجات الكبيرة التي نظمت في ربيع وصيف 2012  قد تمت مواجهتها بالعديد من الأساليب نفسها التي استخدمت في عام 2011. وكما لاحظ ممثل منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في جلسة 1 آب/أغسطس 2012  حول الوضع في البحرين، أن قوات الأمن تواصل استخدام الغاز المسيل للدموع ضد المعارضين، وليس فقط لتفريق الاحتجاجات ولكن أيضا لتخويف ومضايقة المعارضة الشيعية. وقد تسببت هذه الأساليب بمقتل محتجين إضافيين عام 2012، و إصابة  بعض المعارضين البارزين أيضا بجروح.

قضية مبيعات الأسلحة الأمريكية

الأمر الذي يكمن وراء موقف الولايات المتحدة من الاضطرابات في البحرين هو العلاقة الأمنية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والبحرين، والناشئة من التهديد المشترك المتصور من جمهورية إيران الإسلامية. علاقة الولايات المتحدة مع حكومة البحرين قد خلقت مأزقا للولايات المتحدة وهو أن التحالف الأمني قد أنتج علاقة وثيقة ومكثفة ليس فقط بين الحكومات ولكن أيضا بين الجيش الأمريكي وقوة دفاع البحرين.فالتصدي للتهديد المستمر من إيران يتطلب من الولايات المتحدة بناء قوات حقيقية في البحرين - القطاع الأمني - الذي التزم قمع حركة الاحتجاج الشيعية. وينبغي عدم الاستغراب من تصلب مواقف المعارضة الشيعية على مدى الشهور الثمانية عشر الماضية،  فمراقبون يشيرون إلى أن الاحتجاجات الشيعية تنتقد الولايات المتحدة بشكل متزايد وتصفها  بأنها "المخول" والمؤيد للنظام بقمع المعارضة.

على الرغم من أن قوة دفاع البحرين لم تتورط بشكل مباشر في قمع المعارضة الداخلية [قوة الدفاع مسؤولة عن قتل الشهيد عبد الرضا بوحميد، وفي الهجوم الثاني على الدوار ما نتج عنه من جرحى وشهداء، وهي مسؤولة عن قتل الشهيدة بهية العرادي، وعن قتل الشهيد عياد ...] -  الدور الذي لعبته  الشرطة البحرينية وجهاز الأمن الوطني – فإن التصور الشائع عند المعارضة الشيعية وجماعات حقوق الإنسان هو أن أي أسلحة منقولة إلى قوة دفاع البحرين يحتمل ان يتم استخدامها لأغراض القمع الداخلي. وقد تسبب هذا الطلب الأمريكي للتعاون في مسائل الدفاع المشترك  مع الولايات المتحدة إلى التركيز على الحلول السياسية بدلا من إصلاح القطاع الأمني في تعامله مع الأزمة البحرينية.

المأزق بالنسبة للولايات المتحدة يتضح على أحسن وجه بصفقة مقترحة من الأسلحة المضادة للدبابات والعربات المدرعة (الهمفي) إلى قوة دفاع البحرين. هذه الصفقة - التي أعلنت في منتصف عام 2011 - قد انتقدتها المعارضة البحرينية  – وبعض النواب في الكونغرس – بشكل صاخب باعتبارها إلغاءً لمسؤولية الولايات المتحدة بعدم تقوية جهاز أمن البحرين، لا سيما  بمعدات مثل الهمفي التي يمكن استخدامها ضد المعارضة في البحرين. المعارضة البحرينية تعتبر البيع المقترح  - ولو كان بسيطا نسبيا من حيث قيمته (53 مليون دولار) - دليلا على دعم الولايات المتحدة لموقف الحكومة من الاضطرابات. وحتى الآن، وبسبب الانتقادات الواسعة  للبيع، علقت إدارة أوباما البيع في انتظار إجراء تحليل لتنفيذ الحكومة لتوصيات اللجنة. وعلى الرغم من أن الحكومة قد نفذت العديد من التوصيات،  فإن البيع يبقى مؤجلا مع عدم وجود إشارات لإكماله في المستقبل القريب.

المسألة ليست ببساطة وضع إحدى عمليات البيع في الانتظار. قادة في الولايات المتحدة، لا سيما مسؤولين عسكريين أمريكيين، لا يزالون بحاجة إلى التعاون الأمني البحريني. ومن أجل الحفاظ على هذا التعاون، أعلنت الولايات المتحدة  في أيار/مايو 2012  انها ستستأنف بعض مبيعات الأسلحة إلى البحرين، على الرغم من أنها لا تتضمن أسلحة الهمفي أو مضادات الدبابات. وأعلنت الإدارة أنها ستزودها ببعض زوارق الدورية البحرية وصواريخ جو- جو  -  وأشارت بوضوح إلى أن هذه المعدات لا يمكن أن تستخدم  ضد الحشود أو مكافحة الشغب، أو في أي سياق داخلي، وأن المتلقي الرئيسي للمعدات هو قوة دفاع البحرين وخفر السواحل – وكلا الجهتين غير  متورطة بشكل كبير في قمع الاحتجاجات. ومع ذلك،  ترى المعارضة البحرينية  استئناف المبيعات كدليل على أنها لا تستطيع الاعتماد على دعم الولايات المتحدة السياسي لقضيتها، وأن الولايات المتحدة لا تلتزم  بالضغط على نظام آل خليفة لإجراء تسوية مع المعارضة أو إجراء إصلاحات شاملة في القطاع الأمني.

ومن المرجح أن تقاوم حكومة آل خليفة الإصلاح الجوهري في القطاع الأمني، ومن غير المحتمل أن تنهي الإصلاحات التي تم اعتمادها قمع الحكومة للمعارضة والاحتجاج. والشيء الذي سينجح في هذه الأهداف هو تسوية سياسية شاملة بين الحكومة والمعارضة.  وهكذا حل سياسي، ليس مستحيلا، ولكن سوف يكون من الصعب تحقيقه.  المقترحات العديدة والمختلفة التي تم طرحها من قبل الجانبين -- مثل المبادئ السبعة لولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، والتوصيات المجمع عليها في الحوار الوطني في تموز\ يوليو 2011، ووثيقة المنامة للمعارضة -- لديها درجة كبيرة من التداخل. العديد من الروايات تقول إن المتشددين في العائلة المالكة  وشخصيات معارضة قد اقتربت في أوائل عام 2012  من الاتفاق على تسوية سياسية شاملة تجمع بين هذه الأفكار، ولكن هذا الاتفاق المبدئي قد أحبط من قبل متشددين آخرين في كلا المعسكرين (3). ومع ذلك، فإنّ حلًا - أو حتى منتدى أو آلية متفقًا عليها للتوصل إلى حل - لا يزال بعيد المنال والاتفاق لا يبدو وشيكا وذلك حتى آب/أغسطس 2012.

هذا المقال قد كتب بالصفة الشخصية للمؤلف، وليس بما يتعلق  بمسؤولياته بصفته خبير شؤون الشرق الأوسط في دائرة الأبحاث في الكونغرس.

(1)  حديث الكاتب مع ممثلين عن حكومة مملكة البحرين. 2011.

(2) تقارير لجنة المتابعة المقدمة للمؤلف من قبل سفارة البحرين في واشنطن في تموز/يوليو 2011.

(3) حديث الكاتب مع مسؤولين أميركيين، وممثلي حكومة البحرين حزيران/يونيو 2012.

17 آب/أغسطس 2012
رابط النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus