سميرة رجب: مُسوّقة الأكاذيب الحكوميّة

2012-08-27 - 4:37 م


مرآة البحرين (خاص): جزءٌ من مهمّة وزير الدّولة لشؤون الإعلام، سميرة رجب، هو إغراق المشهد البحريني بالالتباسات المُكرَّرة. يؤدي ذلك – كما هو مأمول - إلى إسباغ القتامة على الأوضاع القائمة، وابتزاز الأطراف المعنيّة. من حُسن حظّها، أبدى النّظام البحريني مرونةً فائقة في استقبال رجب، واعتبارها ممثّلاً صالحاً لتسويق الهراءات الرّسميّة. من ميزات رجب أنّها تقوم بدورها بإخلاصٍ كبير، وأعمى، لصندوق الأكاذيب، ولا تجد صعوبةً ذهنيّة في تصديق التقارير الحكوميّة والتيقّن من سلامتها، وبالتالي استقبالها وإعادة تصديرها للإعلام بروحٍ مليئة بالبلاهة. تلك، ولا شك، صفة مطلوبة عند النّظام الفاشي الذي يريد من المسؤولين أن يكونوا فقط أبواقاً وآلات تفريخ لا تكلّ ولا تملّ، وتعمل بحسب الطّلب.

في الجهة الأخرى، ترتاحُ المعارضة حين يكون خصومها على هذه الشّاكلة، وحريّ بها أن تسْعد وتسند ظهرها وترتاح، لأنّها في هذه الحال لا تضطر لتقديم كلّ أوراقها في السجال الإعلامي، وتعوِّل بدرجةٍ كبيرة على إظهار عمليات التلبيس والمغالطة وإخفاء الحقائق التي يقوم بها الإعلام الحكومي، والذي أضحى مصبوغاً بكلّ المواصفات "الرّجبيّة"، حيث الزّفير بكذبةٍ والشّهيقُ بأخرى.

في اختبارها "العملي" الأوّل، قدّمت رجب نتيجة متوقّعة للجميع. كان من المفترض أن يقتصر مؤتمرها الصّحافي على حيثيّات الحكم على الناشط الدّولي نبيل رجب، والجهد المتيسّر حينها هو إظهار الأمر باعتباره "شأنا" قضائياً، ويخصّ آليات عمل المحكمة التي أثبتت "نزاهتها"، مع محاولة – جدّ فاضحة – لتلميع إجراءات القضاء "المستقل". عند هذه "التهويمة" كانت الحدود المرسوم للكذبة الرجبيّة، وليكون ظهورها شخصياً - وهو ابنة عمّ النّاشط المعروف - دليلاً على أنّ "ادّعاءات" المعارضة بشأن البنية الطائفيّة للنظام لا أساس لها من الصّحة! فها هي إحدى أقرباء أشهر الناشطين المحكومين؛ تقف ضدّهم، ومن منصبٍ رسميّ "كبير".

عند هذا الحدّ، وتنتهي الكذبة. ولكن، وقبل ساعات من المؤتمر، استجدّ حدث مقتل حسام الحدّاد في المحرّق، فحُمِّلت رجب مهمة أخرى، وإذاعة رواية وزارة الدّاخليّة حول جريمة قتل الفتى اليافع. عندها، بدتْ رجب – إضافة إلى رائحة الكذب – متسخةً بالدّماء المحرّمة. كان حَنكها يقطرُ دماً مخلوطاً بالاستخفاف وببذاءةٍ مكشوفة في خداع الرأي العام.

ماذا كانت النتيجة؟ كالعادة، الفشل تلو الفشل، والخيبة تلحقها أخرى. كذبت رجب وهي في منصبٍ مرموق، فجاءتها الردود من أعلى المستويات. خبراء الأمم المتحدة صفعوا رجب ونظامها البذيء بكلامٍ واضح لا لُبس فيه. مسؤولون أوربيون وأمريكيون أعادوا تكرار المطالبة بإطلاق نبيل رجب والكفّ عن تضييق حريات الاحتجاج وعمل المدافعين عن حقوق الإنسان. لهذا السّبب، يستبشر البحرينيون بإطلالات رجب في الإعلام، وهم يتأمّلون خيراً حين يُناط بها مهمّة تسويق الأكاذيب الحكوميّة.

يمكن للمعارضة – وخصوصاً القطاعات الشّبابيّة الثّوريّة - اعتبار التصريحات الأمميّة والمسؤولين الغربيين غير جادة بتاتاً، وأنّ غرضها هو ذرّ الرّماد في العيون، ولأجل أغراض داخلية تتعلّق بتهدئة المجتمع المدني في الغرب. ذلك ممكن، والانتفاض الشّعبي في البحرين عبّر بوضوح عن عدم تصديقه للمشاعر الغربيّة التي "تقْلق" موسمياً، ولا تفعل شيئاً آخر على الأرض، لاسيما حينما تكون آلة البطش الخليفيّة على أشدِّها. ولكن العمل الاحتجاجي الثّوري في البحرين ليس عملاً عشوائيّاً، وهو استطاع أن يُبرز سماته التنظيميّة على مستوى الأهداف وآليات العمل، وهذا مدخلٌ لتفهُّم أنّ تحصيل النتائج الإيجابيّة – ومهما صغُرت وتناثرت – مفيدٌ لإنضاج الثمرة الكبرى. يعني ذلك، أنّ التقدُّم الإعلامي للمعارضة – بأطيافها المتعدّدة – والإخفاقات المتتالية لإعلام النّظام، جزءٌ لا يتجزأ من العمل الثّوري اليومي، وهو محسوبٌ بعدد النّقاط، وقيمته في التأثير تكون بتجميع هذه النّقاط سويّةً واستثمارها في الضّربة القاضية.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus