ليلة بحرينية: بين صرخة أم عبّاس وفرحة المنتخب

والدة الشهيد عباس السميع تستقبل ابنها الثاني محمد
والدة الشهيد عباس السميع تستقبل ابنها الثاني محمد

2019-12-06 - 8:02 م

مرآة البحرين (خاص): مساء يوم أمس الخميس 6 ديسمبر 2019، بينما البحرينيون يعيشون فرحة كسرت شيء من ركود أوضاعهم البائسة، فرحة تأهل منتخبهم الوطني إلى نهائيات كأس خليجي 24، وفيما الناس تعبّر عن سعادتها وفخرها بتألّق منتخب البحرين الذي أبلى بما يستأهل الفوز، ووسائل التواصل الاجتماعي تتزين ببهجة الأحمر والامنيات بكأس الخليج، كان هناك مشهد آخر في قرية صغيرة من قرى البحرين، لا تبلغه العيون بغير الغصّة والحسرة.  

إنها قرية السنابس، والدة الشهيد عبّاس السميع، تستقبل فلذة كبدها الآخر محمد، وقد أفرج عنه للتو بعد أن قضى في السجن 4 سنوات على خلفية سياسية، تتقدّم نحو قطعة قلبها بقلادة الورد، تقلّدها رقبته، ثم تتقلّده بكلتا يديها، تضمّه إلى قلبها الفارغ إلا من حزن الفراق، تلّمه بعد 4 سنوات من حرمانها من لمسه وتقبيله، تشمّه في نحره، فتأتيها ريح أخيه عباس، فتصرخ آآآآآآآآآه آآآآه يا عبّااااااااس، تعصر ابنها إلى حضنها أكثر وكأنها تريد أن تدخله في جوف قلبها المفجوع، فترتفع صرخاتها أكثر آآآآه ويلي يما يا عبااااس.. يضجّ المكان بصياح الأم والإبن والحضور، وكأن دم عبّاس لم يبرد بعد، وكأن الرصاصات الأربع اللاتي اخترقن قلبه ما زلن ينزفن بحرارة، إنها الصرخة التي أبقتها أم عبّاس مكتومة في جوفها طيلة عامين كاملين منذ إعدام ولدها الجائر، ها هي تنفلت الآن منها بغير إرادتها.

في ذلك اليوم الأسود في 15 يناير 2017، لم تُظهر أم عبّاس انكسارها، بل أظهرت جبلها الأشمّ، وقفت مثل قامة لا يُقدر على ليّ طرفها، في يوم عزّ ولدها الشهيد رفعت كف دعائها على من قتله ظلماً وقابلت السماء بإصبعها وأشارت. كانت يوم ذاك تنطق من خلال حرارة قوّة ابنها الأستاذ عبّاس، هكذا كما تحبّ أن تستحضر اسم ولدها بكل فخر الأمهات برقيّ أبنائهن: ولدي الأستاذ عبّاس. وقفت يومها مرفوعة الرأس وإن سقط قلبها، أعطت البحرينيين درساً في القوّة والصلابة والصمود، فكانوا يتقوّون بها، لكنها اليوم تهاوت، هزمها الشوق إلى حضن ولدها الذي شمّت فيه ريح عباس، وطوله وتقاسيمه الذي رأت فيها هيئة عباس، كسرها الحنين الطويل الذي خبأته في لياليها الحزينة. أفجعت قلوب الجميع. دوّت صرختها: "تمنيته يما وياااااك.. تمنيته يزفّك.. لكن قتلوووووه".