علي الغرير وتمثيل اللهجة البحرانية... دراما بلا سوء نية
2020-01-28 - 2:07 ص
مرآة البحرين (خاص): لسنوات أضحك الناس. لسنوات رسم البسمة في شفاه الأطفال. جالس المرضى في المستشفيات. ثم فجأة أطفأ النور ورحل. بلا سابق إنذار، بلا تحضير أو أيّ كلمة وداع. هكذا، مثلما هي الحقائق الجميلة في الحياة، أسدل "طفاش" قاطع الختام على مسيرة ناصعة غنية تكاد تظنّها برقاً خاطفاً أو ومضة عين. كما لو أنّ موته كان المشهد الأخير في فيلم. ليس متوقعاً ولا منتظراً على الإطلاق. خاتمة ظلّت توارب وتداور على مخيّلة المتفرّجين؛ وحين وقَعَت لم يصدّق أحد. نهاية سينمائيّة مباغتة لبطل من الناس.
مضى في درب الأبديّة تاركاً ابتسامة هادرة لا تُنسَى؛ لكنها هي هي اليوم مصدر ألم كثيرين وحزنهم. "طفاش" مات "من سُكات". الفنان الباسم الذي أنعش القلوب وضخّ فيها الفرح والمحبّة العفوية راح بـ"السكتة القلبية".
يصعب الحصول على ممثل بحريني يحظى بكلّ هذا الإجماع. لقد صاغ علي الغرير نموذجاً للبحرينيّ المترفع على الضغائن. فنّان بلا أعداء تقريباً. لم يركب موجة التحريض حين كان التحريض وإثارة النعرات شغل من لا شغل له. وحين مثّل البحرين وتركيبتها المتنوّعة بأطيافها ولهجاتها في "دراماه" كان خير من يفعل ذلك. غالباً كان تمثيل اللهجة البحرانية في الشاشة الرّسمية محاطاً بسوء نيّة وسوء تلقّي. لكنّ علي الغرير كان مختلفاً. هذه اللهجة التي لا يتمّ استحضارها "تلفزيونياً" إلا من قبيل الاستحضار التبخيسي لإعادة إنتاج الصور النمطيّة عن البحارنة ولأغراض استضعافهم أخذها الغرير إلى مكان آخر. إلى فناء الأخوّة والذاكرة الوطنيّة المشتركة.
أكسبته المعايشة الحقيقيّة للناس وهواجسهم حساسيّة رهيفة عرف من خلالها كيف يصل إلى القلوب ويطوّع المخاوف.
في رسالته المصوّرة إلى أهالي "فريج الحطب" بالمنامة يكشف الغرير من أيّ معدن كان ومن هو البحرينيّ الذي مثله في أعماله. "نحن لسنا مجرّد جيران بل أهل". لقد رسم الغرير صورة بالغة البهاء لـ"من هو البحريني". البحريني المحبّ والذي لا يعيش مع الناس فقط بل يحيا مثلهم أيضاً. مثلهم حتّى في رحلة العناء في البحث عن منزل العمر مثلما كشفت عن ذلك الرسالة الصوتية التي نشرها نائب دائرته.
فنّان بهذا الحجم والعطاء كان يكابد مثل كل الناس باحثاً عن بيت مستحَق يضمّه وعائلته لم يحصل عليه إلا بعد موته. وداعاً "طفاش". "طفاش" ومهدي!