إميل نخلة: البحرين وسياسات فيروس الكورونا

عمال بنغاليون في البحرين
عمال بنغاليون في البحرين

إميل نخلة - موقع مركز Responsible Statecraft للأبحاث - 2020-05-30 - 4:56 ص

ترجمة مرآة البحرين

وفقًا لجامعة جونز هوبكينز، بحلول 22 مايو/أيار 2020، سجّلت البحرين ثمانية آلاف إصابة بالكورونا، مع 12 حالة وفاة. والأرقام المعلن عنها مشكوك بأمرها، خاصة أنّ  عدد الإصابات لدى جيران البحرين أعلى بكثير -المملكة العربية السعودية لديها أكثر من 67  ألف إصابة، وقطر أكثر من 40 ألف إصابة، والإمارات أكثر من 26 ألف إصابة، والكويت أكثر من 19 ألف إصابة. بعيدًا عن صحة أرقام البحرين، أثّرت الحالات المُبلغ عنها في المقام الأول على المجتمعات المعرضة للخطر، بما في ذلك العمال المهاجرين والقرى والبلدات الشيعية الفقيرة في جميع أنحاء البلاد.

مباشرة بعد بدء انتشار العدوى، باشر النظام البحريني بتسييس الجائحة من خلال اتهام إيران بتصدير الفيروس إلى البحرين كشكل من أشكال "العدوان البيولوجي". هدف تأطير الجائحة في السياق السياسي للتوترات بين إيران من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة أخرى إلى تسليط الضوء على العلاقات الوثيقة للبحرين بالرياض وواشنطن بدلًا من التركيز على مكافحة الفيروس التاجي.

بصفتها دولة صغيرة تدين مباشرة للمملكة العربية السعودية وبشكل غير مباشر للولايات المتحدة، نظرت البحرين إلى كل مشكلة وتهديد محلي وإقليمي وعالمي - بما في ذلك الوباء الحالي- من خلال عامل التشويش الإيراني السعودي الأمريكي. ردًا على ولاء أسرة آل خليفة الحاكمة لرعاتها السعوديين والأمريكيين، أُطلِق العنان للنظام  للتعامل مع الشعب البحريني كما يحلو له. لم يُغيّر فيروس الكورونا هذه الحقيقة.

سلّطت جائحة الكورونا الضوء على الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية والطائفية في البلاد، والتي فشلت الأسرة الحاكمة في معالجتها، وكثيرًا ما تفاقمت في السنوات الأخيرة. فبرز السجل المؤسف للنظام في مجال حقوق الإنسان، وسوء معاملة الأغلبية الشيعية في البلاد، والفساد المتفشي، والعدد الكبير من السجناء السياسيين - الذي يتجاوز بكثير نسبة السجناء في الدول العربية للفرد- وارتفاع الفقر والبطالة بين البحرينيين إلى الواجهة، بسبب فيروس الكورونا.

ولصدّ منتقديه الكثيرين بشأن هذه القضايا، اعتمد النظام بشكل كبير على ما يسمى بالتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وتمركز عدة آلاف من القوات الأمريكية على أراضيه، وتحديدًا في قاعدة الشيخ عيسى الجوية وفي ميناء سلمان. كما دعت البحرين وجودًا عسكريًا أمريكيًا إضافيًا في ظل تحالف الأمن البحري الدولي.

خلال الربيع العربي، لجأت عائلة آل خليفة إلى المملكة العربية السعودية للحصول على الدعم العسكري لقمع آلاف المتظاهرين - السنة والشيعة على حد سواء - الذين خرجوا إلى الشوارع. دخلت القوات السعودية البحرين في مارس/آذار 2011 وبقيت هناك منذ ذلك الحين.

العمال المهاجرون

يشكل العمال المهاجرون - معظمهم من الهند وبنغلاديش وباكستان والفلبين - حوالي 40 في المائة من إجمالي السكان. بخلاف شريحة من العمال الهنود المهرة وشبه المهرة، تؤدي الغالبية العظمى من العمال المهاجرين أدنى الوظائف وهم في الجزء السفلي من السلم الاقتصادي. ليس لديهم أمن وظيفي، ويعانون من عدم كفاية أو عدم وجود رعاية صحية، ويعيشون في مساكن مكتظة وغير صحية في كثير من الأحيان، وهم غير مؤهلين للحصول على الدعم المالي الحكومي.

منذ أن أمرت الحكومة بالإغلاق بسبب الكورونا، لم يتمكن عدد من العمال المهاجرين من تطبيق التباعد الاجتماعي في شققهم الضيقة واضطروا إلى الخروج بحثًا عن الطعام. نظرًا لعدم قدرتهم على الذهاب إلى متاجر البقالة أو طلب الطعام عبر الإنترنت، فقد عانى الكثير منهم من الجوع وأُجبِروا على التسول للحصول على الطعام.

بدون عمل وطعام، بدأ عدد من هؤلاء العمال يتوسلون بلدانهم لتسهيل عودتهم إلى الوطن. ستواجه البحرين، مثل الكثيرين من جيرانها، يومًا من الحساب في فترة ما بعد الكورونا مع غياب العمال الأجانب الذين عادة ما يقومون بالكثير من الأعمال الوضيعة في البلاد ، والتي لا يرغب البحرينيون بالقيام بها. كشف فيروس الكورونا وضع وسوء معاملة العمال الأجانب في البحرين ودول الخليج الأخرى. كما كشف عن سياسة الحكومة المتمثلة في استيراد العمال المهاجرين للعمل في ظل ظروف قاسية، مع الحد الأدنى للأجور وبدون حقوق العمل أو الأمن الوظيفي.

لقد استجاب نظام آل خليفة، كالأنظمة المجاورة، لهذه السياسات اللاإنسانية، التي لسوء الحظ تم التسامح معها أيضًا من قبل الدول المرسلة، المسلمة - بما في ذلك باكستان وبنغلاديش - وغير المسلمة - بما في ذلك الهند والفيلبين - على حد سواء. لقد غضّت هذه الدول الطرف عن معاملة مواطنيها في البحرين ودول نفطية أخرى بسبب ملايين الدولارات من التحويلات التي تتلقاها اقتصاداتهم من هؤلاء العمال. ومع ذلك، فإن التجربة المروعة لبعض هؤلاء العمال أثناء الإغلاق بسبب الكورونا ستجعلهم أقل ميلًا للبقاء في البحرين أو البلدان المجاورة أو العودة إليها للعمل.

الجائحة والتفاوتات الاجتماعية

المواطنون الشيعة لم يكونوا في وضع أفضل بكثير من العمال المهاجرين خلال فترة الإغلاق. كثيرون منهم فقراء، عاطلون عن العمل، ومحرومون. وكالعمال المهاجرين، اضطر القرويون الشيعة إلى مغادرة منازلهم بحثًا عن الطعام. عدد من الشيعة عالقون في قراهم التي تسيطر عليها دوريات أمنية شديدة، بما في ذلك سترة، وسماهيج، والدراز، والديه، وكرباباد، وعراد، والعكر، ولا يمكنهم المغادرة بدون تصريح من الشرطة. أصبح فيروس الكورونا أداة أخرى في أيدي النظام للسيطرة على السكان الشيعة.

وعلى النقيض من ذلك، عزل أفراد الأسرة الحاكمة والسنة الأثرياء أنفسهم في منازلهم الباهظة الثمن في المنامة والمحرق والرفاع أو في منازلهم ومزارعهم. بعض أفراد الأسرة الحاكمة والسُنّة ذوو العلاقات الجيدة عزلوا أنفسهم في الفنادق على نفقة الحكومة - وهي رفاهية لم يتم توفيرها للمجتمع الشيعي أو العمال المهاجرين.

استخدمت البحرين، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تكنولوجيا التتبع، التي تم شراؤها في الغالب من إسرائيل والدول الغربية. وقد استخدمت هذه التكنولوجيا ليس لتتبع انتشار الفيروس، كما فعلت كوريا الجنوبية ودول أخرى، ولكن لتتبع حركة ونشاط المواطنين البحرينيين. يستخدم نظام آل خليفة السني الوباء للمزيد من السيطرة على الأغلبية الشيعية والمعارضين السنة البحرينيين.

مثل الدول النفطية الأخرى، عانت البحرين من الضربة المزدوجة -فيروس الكورونا وانخفاض كبير في عائدات النفط. أدى انخفاض الطلب العالمي على النفط، وخاصة من الهند والصين، وما تبعه من خسارات في أسعار النفط إلى انكماش خطير للاقتصاد البحريني. ونتيجة لذلك، اضطرت البحرين، مثل الدول المجاورة التي تحكمها العائلات، إلى إجراء تخفيضات بنسبة 25 في المائة تقريبًا في الإعانات والمرتبات الحكومية. من المتوقع أن تقلل الضربة الاقتصادية من الإنفاق الحكومي على المشاريع الرأسمالية، ودعم أسعار المستهلك، والأجور. وبالتالي، لن يعود العمال المهاجرون على المدى القصير والمتوسط ​​بأعداد كبيرة، الأمر الذي سيجبر الحكومة على إعادة تصميم الاقتصاد على أساس قوة عاملة مؤممة. هل ستكون البحرين - المعتمدة على المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة - في هذا الوقت من الانكماش الاقتصادي وانخفاض الإنفاق الدفاعي، قادرة على الصمود في وجه ضربة الكورونا؟ إلى متى ستواصل المساعدة الاقتصادية والأمنية من المحسِنَيْن إليها الحفاظ على إقطاعية العائلة البريتورية؟

التحرك إلى الأمام

استند بقاء حكم أقلية آل خليفة في نصف القرن الماضي على الدعم المالي من جيرانها القبليين، وخاصة المملكة العربية السعودية، وعلى الحماية الأمنية من الولايات المتحدة. وكونه اضطرب بسبب الكورونا، فإن هذا الأساس غير مستدام.

هل سيواصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وإدارة ترامب تخصيص موارد كبيرة لإنقاذ نظام قبلي عفا عليه الزمن ولم يتمكن من عقد السلام مع شعبه؟ إذا كانت واشنطن تتجه نحو التقارب مع إيران، ومع تحرك محمد بن سلمان لإنهاء حربه في اليمن، هل سيكون النظام البحريني هو الخاسر البارز؟ هذه التحركات لا تحمل تباشير الخير لعائلة آل خليفة. 

النص الأصلي