د.قاسم عمران: موتى الكورونا يجب أن يدفنوا كباقي الموتى مع بعض الاحترازات

صورة بثها نشطاء لمراسم دفن مواطنة توفيت إثر إصابتها بفيروس كورونا (مقبرة الأمام بجدحفص) 16 مارس 2020
صورة بثها نشطاء لمراسم دفن مواطنة توفيت إثر إصابتها بفيروس كورونا (مقبرة الأمام بجدحفص) 16 مارس 2020

قاسم عمران - 2020-09-24 - 9:44 م

نعم إن تشييع ودفن موتى الكورونا يستوجب اتخاذ احتياطات احترازية معينة، ولكن لا يستدعي مقابر معزولة ولا قبور خاصة ولا طريقة دفن مختلفة. ليس هناك دواع وقائية أو صحية توجب دفن هؤلاء الموتى بطريقة مختلفة. 

يغادر متوفى الكورونا هذه الدنيا وهو غريب وحيد في غرفة المشفى بعيدا عن أحبته دون أن يحظى بقبلة وداع أو احتضان عزيز. والأمر عند أهل المتوفى صعب من جهة أخرى بعد دخول مستجدات على إجراء طقوس الجنازة المعهودة في التغسيل والتكفين والتشيع والدفن، حين تُرجمت التوصيات والإرشادات الاحترازية على أرض الواقع بشكل متعسف وفيه من الغلظة والجفاء ما يزيد الألم واللوعة. 

إن الأصل في هذه الإجراءات الاحترازية هو حماية المشيعين من العدوى. حيث هناك احتمالين لانتشار الفيروس في مثل هذا الظرف:

الأول هو احتمال انتقال الفيروس من المتوفى للمشيعين، والاحتمال الثاني هو انتقال الفيروس من المشيعين فيما بينهم. ولتبيان تفاصيل الاحتمال الأول، فإنه لدينا توفى بسبب مرض الكورونا ينبغي التأكد من عدم انتقال الفيروس منه لحشد المشيعين وهو ليس بالعملية المعقدة أو صعبة التحقيق عمليا.

 علينا ان نتذكر بأن الفيروس ينتقل للآخرين عبر الرذاذ المتطاير من المصاب به في محيط لا يتجاوز مسافة المترين، وذلك أثناء عملية التنفس أو العطس أو الكلام بصوت عال وهذه وظائف لا يستطيع المتوفى القيام بها واقعا حيث لا تنفس ولا حراك لديه. والحقيقة أن جثة الميت ليست أكثر وبائية منها عندما كان المريض تحت العلاج وتتناوله أيدي الفريق الطبي الذي يقوم على رعايته. ولكن وإمعانا في اتخاذ الاحتياطات الاحترازية فإن تناول جثة المتوفى ينبغي أن تكون بطريقة خاصة ومهنية تضمن مراعاة كافة الجوانب الوقائية من قبل فريق مختص مماثل في إجراءاته الوقائية للفريق الطبي، وتُمكّن ذوي المتوفي أن يلقوا نظرة الوداع الأخير من مسافة آمنة دون اقتراب أو ملامسة جسده أو احتضانه أو تقبيله، واتخاذ ما يلزم لمنع انتقال الفيروس من جثته إلى الآخرين. بطبيعة الحال فإن السماح بمثل هذا الإجراء سيخفف كثيرا من لوعة الفقد لدى أرحام المتوفي، وتساهم في التخفيف من حرمانهم عيادته أثناء مرضه. 

الثاني وهو التخوف من انتقال العدوى بالفيروس من أحد المشيعين إلى الآخرين وهو احتمال وارد في كل التجمعات صغرت أو كبرت وليست محصورة في تجمعات التشييع فقط. القلق هنا مشروع ولكنه بطبيعة الحال لا يبرر الطريقة الفجة المجافية للعادات والتقاليد المرعية في التشييع والدفن التي تحفظ للمتوفي كرامته وتراعي مشاعر الأهل وأحاسيسهم وهم يوارون جثة فقيدهم في آخر ساعات وجوده بينهم. 

ولنتذكر أيضا أن الفيروس الذي يصيب المتوفين هو ذات الفيروس الذي يصيب الأحياء بيننا ممن لا نعرف، فالفيروس هو نفسه إن أصيب به شخص وتوفي أو أصيب به آخر بقي على قيد الحياة، وعليه فلا فرق في إجراءات الاحتراز والوقاية تجاه كل حالة منهم. ولربما كان الخطر الوبائي من جثة ميت لا يتطاير منه الرذاذ هو أقل خطرا من فرد حي مصاب ينشر الفيروس مع الرذاذ المتطاير منه.

وكأي تجمع جماهيري في عصر الكوڤيد-19 ينبغي أن يكون التشييع بالحد الأدنى من المشيعين مع ضرورة التزامهم بالإرشادات الاحترازية المعروفة لاتقاء نقل العدوى فيما بينهم. كما انً الحس الإنساني والالتزام الأخلاقي يفرض على الفرد الانعزال فيما لو شكّ أن لديه أعراض مثل ارتفاع الحرارة واحتقان البلعوم والكحة الخ. 

منظمة الصحة العالمية في تقريرها المُحدّث حول تناول جثث موتى الكورونا في سبتمبر 2020 (اضغط الوصلة)، دعت إلى ضرورة احترام التقاليد والأعراف المعمول بها محليا عند إجراء طقوس الجنازات من تغسيل وتشييع ودفن جثث المتوفين بسبب فيروس الكوفيد مع وجوب مراعاة الاحتياطات الاحترازية عند تناول جثة المتوفي منذ لحظة وفاته على سرير المرض حتى دفنها، وهي إجراءات واحترازات ممكنة التحقيق، كما كانت ممكنة للفريق الطبي أثناء رعايته وهو يتقلب على سرير المرض قبل وفاته. 

لم توص المنظمة ضمن لائحة الإرشادات تلك بدفن المتوفى في مقابر مختلفة أو مخصصة لموتى الكورونا، أو في مناطق معزولة من المقبرة أو في قبور خاصة بهم أو دفنهم بطريقة مختلفة عن الأصول والأعراف المتبعة محليا، أو استخدام الرافعة لوضع الجثمان داخل القبر. وهذا هو الحد الأدنى الذي يستطيع المجتمع ومؤسساته الفاعلة تقديمه إلى ذوي المتوفي، وعدم تحويل طقوس دفن ميت الكورونا إلى ممارسة مرعبة تمقتها الفطرة و تشمئز منها النفوس ولا تنسى الذاكرة مرارتها. 

لعل الطريق الأقصر لإيجاد آلية مضمونة للتعامل مع موتى فيروس الكوفيد هو أن تقوم إدارة الأوقاف بتبني عملية التغسيل والتكفين في مغتسل مؤقت يقام خصيصا لهذا الظرف الاستثنائي عبر تشكيل فريق موحد من المغسلين يخدم جميع مناطق البحرين وتناط به مهمة تغسيل هؤلاء الموتى ضمن الاحترازات الطبية ومن ثم ايصاله الى المقبرة، والتنسيق مع وزارة الصحة للإشراف على تدريب طاقم التغسيل ومناولة موتى الكوفيد طبقا لإرشادات وقواعد السيطرة على العدوى والتأكد من التزام الفريق بإرشادات الحماية والوقاية الشخصية أثناء التغسيل وتهيئة الجثة وتكفينها بحيث لا تكون معدية -إجراء في غاية الإمكان وضمن الضوابط الوقائية- ومن ثم نقلها الى المقبرة وتسليمها للأهل ليقوموا بتشييعه في جنازة رمزية وإنزاله في لحده الذي يختارونه له وبما يتسق مع الأعراف والتقاليد والطقوس الدينية المتبعة. وبهذه الآلية يمكن حفظ كرامة المتوفى ومراعاة مشاعر الأهل المكلومين.

إن التعامل العلمي وغير الانفعالي مع إرشادات السيطرة على العدوى وانتقالها هو الأجدى للسيطرة على العدوى والتعايش مع الجائحة وبأقل التداعيات الاجتماعية أو الارتدادات الاقتصادية.