اتفاقيات التطبيع الإسرائيلية لن تؤدي إلى السلام، بل فقط إلى المزيد من مبيعات الأسلحة الأمريكية

امرأة فلسطينية في تظاهرة ضد اتفاقية التطبيع في 22 أغسطس
امرأة فلسطينية في تظاهرة ضد اتفاقية التطبيع في 22 أغسطس

ياسر الأشقر - موقع ميدل إيست آي - 2020-09-25 - 5:32 م

ترجمة مرآة البحرين

تمثل اتفاقيات السلام الأخيرة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، بوساطة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تغييرًا كبيرًا في سياسات الشرق الأوسط.

تتم إعادة تشكيل التحالفات والمصالح الجيوسياسية في المنطقة وإعادة تعريفها من قبل قوىً داخلية وخارجية. على الرغم من أن هذا النظام الجيوسياسي كان قيد الإنشاء لسنوات مضت، إلا أن التغييرات الإقليمية الأخيرة أضفت الطابع الرسمي عليه، ودفعته إلى الأمام.

تشمل هذه التغيرات الإقليمية انتفاضات "الربيع العربي"، عودة ظهور الحركات الإسلامية والتنافس اللاحق على شرعية الأنظمة السياسية القائمة في الشرق الأوسط ؛ والقوة المتصاعدة للفاعلين القدامى والجدد مثل إيران وتركيا؛ والتراجع الأمريكي الملحوظ من قبل الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، وتوقيع الولايات المتحدة على معاهدة نووية مع إيران في العام 2015- ومن ثم الانسحاب منها.

هذه التطورات الحاسمة دفعت باتجاه الاتفاقيات الحالية للتّطبيع مع إسرائيل.

نظام إقليمي جديد

في العقد الماضي، أنتجت هذه الأحداث مستوىً كبيرًا من انعدام الأمن بين الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط، ما حفزها على السعي وراء تحالفات غير مسبوقة لضمان استقرار النظام.

وبصرف النظر عن التعاون الأمني ​​والعسكري، تستند التحالفات الجديدة بين إسرائيل ودول الخليج الكبرى إلى مصلحة مشتركة في الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة، وتحدي القوة الإيرانية الصاعدة في عدد من البلدان الرئيسية، بما في ذلك سوريا واليمن والعراق ولبنان.

وتكمن جذور أهداف النظام الإقليمي الناشئ في استقرار النظام وزيادة مستوى التواجد العسكري في منطقة هي أساسًا شديدة العسكرة، وتشكل بحد ذاتها سوقًا رئيسًا للصناعات العسكرية والأمنية الخارجية.

في العام 2019، بلغ الإنفاق العسكري للمنطقة 100 مليار دولار. في أعقاب الانتفاضات العربية في العام 2011، زادت دول مثل المملكة العربية السعودية إنفاقها العسكري من 53 مليار دولار في العام 2011 إلى 85 مليار دولار في العام 2015. وعلى الرغم من انخفاض الإنفاق العسكري بنسبة 6.5 في المائة بين العامين 2017 و 2018، ظلّت المملكة العربية السعودية ثالث أكبر دولة من حيث الإنفاق الدفاعي في العالم، بإجمالي يقدر بـ 67.6 مليار دولار في العام 2018. وفي العام 2019، زادت الإمارات نسبة إنفاقها الدفاعي بنحو 41 في المائة.

بخلاف الماضي، عندما كانت هذه الدول راضية إلى حد كبير عن الحماية التي قدمتها الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية السابقة مثل فرنسا وبريطانيا، تعتقد النخب الحاكمة في عدد من الدول العربية الآن، بما في ذلك الإمارات والبحرين، اعتقادًا راسخًا أنّ بقاء أنظمتها، في خضم التغييرات الكاسحة، مُستَمَد بشكل متزايد من التطبيع والتحالف العسكري القوي مع إسرائيل.

وقد حثّت إدارة ترامب على مزيد من الانفتاح والاصطفاف بين قادة الخليج وإسرائيل بموجب ما يسمى بـ "صفقة القرن" لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ومواجهة القوة الإيرانية في المنطقة.

استغلت إدارة ترامب مخاوف ومصالح اللاعبين الرئيسيين في الطبقة الحاكمة العربية من خلال تقديم وعود بتوفير قدرات عسكرية متطورة وأسلحة غير مسبوقة في حال المضي في عملية التطبيع مع إسرائيل.

وللتفصيل حول هذا الواقع، كتب دينيس روس، الدبلوماسي الأمريكي السابق ومفاوض الشرق الأوسط، أنّ الإمارات العربية المتحدة "فهمت من المحادثات مع الإدارة أن السلام الرسمي [مع إسرائيل] سيمنحها حق الوصول إلى أسلحة أمريكية كانت محظورة في السابق، مثل طائرات بدون طيار. وحتى الآن، تم رفض تقديم هذه الأسلحة لها بسبب التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل".

"السلام مقابل التسلح"

ليس الدور النشط للولايات المتحدة في عسكرة الشرق الأوسط مفاجئًا. وثّق الأكاديمي الأمريكي، ستيفن زونس، جيدًا، في كتابه "Tinderbox"، عسكرة الولايات المتحدة للشرق الأوسط.

إحدى استنتاجاته المدروسة جيدًا هي أن الصادرات الأمريكية الأساسية إلى منطقة الشرق الأوسط قائمة على الأسلحة وأنظمة تسليمها.

ومع استعداد الولايات المتحدة للسماح للدول الخليجية ببناء قوتها العسكرية والانخراط في عمل عسكري مباشر، أو غير مباشر من خلال وكلاء، في أماكن مثل اليمن وليبيا وسوريا سابقًا، تبقى [الولايات المتحدة] المصدر الرئيسي للإمدادات العسكرية والتدريب. ولذلك، تواصل السيطرة على مستوى التسلح والاشتباك المسلح وفقًا للمصالح الأمريكية.

وبالتالي، فإن مثل هذه الاتفاقيات بين إسرائيل ودول الخليج لم تُبنَ فقط على مبدأ سياسة "السلام مقابل التسلح"، ولكن الولايات المتحدة تواصل العمل بموجب سجلها الطويل في الحفاظ على الهيمنة الإقليمية لإسرائيل والمساهمة في حالة تزايد العسكرة والصراع في الشرق الأوسط باسم السلام.

وهي لا تزال مسؤولة عن الحصة المتنامية والأكبر في تجارة الأسلحة في العام 2020، مع تسليم أكثر من نصف أسلحتها إلى الشرق الأوسط.

تستفيد إسرائيل أيضًا من النظام الإقليمي الناشئ وتلاقي مصالح الدولة. وبصرف النظر عن تشتيت الانتباه عن المعارضة الداخلية واتهامات الفساد، فإن الهدف النهائي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو إلحاق الهزيمة الكاملة بالفلسطينيين وقضيتهم الوطنية من خلال السعي إلى قطع الصلة الإقليمية مع القضية الفلسطينية وتطبيع العلاقات مع قوى الشرق الأوسط.

في غضون ذلك، تتقدم عملية إضفاء الطابع المؤسساتي على الاحتلال الدائم في الأراضي الفلسطينية، والإبقاء على الحصار المفروض على غزة، وإزالة احتمالات قيام الدولة الفلسطينية، بسرعة.

هناك أيضا نهج من الاستمرارية التاريخية في سياسة إسرائيل.

التخلي عن الفلسطينيين

ليس نتنياهو الزعيم الإسرائيلي الوحيد الذي سعى إلى التطبيع واتفاقيات السلام مع الدول العربية، مع رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية باستمرار. في عهد مناحيم بيغن، أي في أواخر السبعينيات، أصرّت إسرائيل على اتفاقية سلام منفصلة مع مصر، التي تحققت في العام 1978، وأصبحت تعرف باسم اتفاقيات كامب ديفيد.

اهتمت هذه السياسة، آنذاك والآن، بعزل الفلسطينيين عن المعادلة الإقليمية وإجبارهم على الانصياع لقوة إسرائيل وشروط "السلام".

في النّهاية، وبدلًا من تشجيع التغيير السلمي، سيكون لـ "اتفاقيات السلام" هذه تأثير معاكس. سوف تضمن إلى حد كبير المواجهة، وتؤجج السباقات إلى التسلح، وتمنع احتمال نزع السلاح في الشرق الأوسط.

تحمل اتفاقيات السلام هذه أيضًا رسالة تخلٍ للشعب الفلسطيني، وتقويض للقرارات القائمة للأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية التي تصر على الصلة التاريخية بين تحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط وتحصيل الحقوق الفلسطينية.

 

النص الأصلي