البحرين: موت الشيخ خليفة هو نهاية حكاية الحمائم والصقور... لكن ماذا عن جناحه وامتداداته؟
2020-11-12 - 11:30 ص
مرآة البحرين (خاص): منذ قرار الملك تعيين نجله ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء (11 مارس/ آذار 2013) بحجة "تطوير أداء الأجهزة التنفيذية" كان واضحاً أن عهد رئيس الحكومة الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، الطويل، قد انتهى. لكنّ لأن الأخير ما يزال وقتئذ على قيد الحياة فقد بدت هذه النهاية غير مكتملة. وبوفاته الأربعاء 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 فقد اكتملت آخر حلقة متبقية في هذه النهاية المتمنعة.
لقد قاوم ونجح في صد كل محاولات إزاحته من مكانه. سواء تلك التي قامت بها المعارضة أو مناوئوه في البيت الملكي على السواء. وكان الموت العضوي وحده كفيلاً بكتابة سطر الختام في رواية طويلة طويلة لرجل قاسِ فاسد صوّر نفسه باستمرار، كما صوّره أتباعه، على أنه رجل الضرورة الذي لا يمكن الاستغناء عن خدماته. وبذلك ينضمّ الشيخ خليفة بن سلمان إلى أولئك الذين حدثنا عنهم شارل ديغول ذات مرة "المقابر مليئة بأولئك الذين لم يكن ممكناً الاستغناء عن خدماتهم".
لكن إذا كانت الحكمة الأخلاقية التقليدية تعلمنا بأنه "لا شماتة في الميت"، وهي كذلك، فماذا عن الأحياء؟ أولئك الذين طوّبوه "أباً" لهم أو "جناحاً" يستظلّون به أو صاحب "مدرسة" يستفيئون تحت ظلها كما يواظبون على تملقه بمعلقات المديح المطنب؟ الله يساعدهم! حقاً، الله يساعدهم! لقد حُسم نهائياً وبشكل لا يقبل المزيد من الجدل ما عرف في البحرين على مدى عقدين من الزمان بصراع الأجنحة. كان مجرّد وجود الرجل، برمزيته داخل العائلة المالكة وخبرته الطويلة، يوحي بأن جناحه المهيض المتآكل قابلٌ للعمل. أما وقد راح فقد راحت على "يتاماه".
لقد شاهدنا خلال السنتين الماضيتين "بروفة" صغيرة لما يمكن أن يؤول له حالهم. تشكل حالة الوكيل السابق في مجلس الوزراء إبراهيم الدوسري المعتقل منذ يونيو/ حزيران الماضي نموذجاً تطبيقياً وعمليّاً لما يمكن أن يؤول له اليوم حال جندي منضبط في مدرسة الشيخ خليفة بن سلمان. بل شاهدنا كيف تمّت شرشحة الرّجل نفسه في حياته على منصات "السوشيال ميديا" وتمريغ وجهه في التراب من قبل صبية أغرار لم يكن خافياً على أحد من يقف خلفهم. ثم شاهدنا جميعاً كيف ضُبضبت ملفات مشرشحيه، أولئك الذين أسماهم الشيخ خليفة نفسه في حديث بمجلسه "قمامة تويتر"، وتبرئتهم.
كان واضحاً أن الزمان لم يعد زمان الرجل. وكان الجناح الآخر يقترب من وضع آخر تكتكاته على هيكل رجل لم تتبق منه غير جثة. ومع نبأ رحيله في "مايو كلينك" بأمريكا التي كرهها طيلة حياته قبل أن تصبح محطته الأخيرة، فقد حان وقت إهالة التراب على هذه الجثة والقول لها: وداعاً.
بالنسبة لعائلته وأحفاده فإن هناك نموذجاً آخر ـــ غير إبراهيم الدوسري ـــ يمكن أن يساعدنا على فهم المصير الذي ينتظرهم. إنه نموذج الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة، الأخ الشقيق للشيخ خليفة وعم الملك. لقد منح الشيخ محمد لقب "صاحب السمو الملكي الأمير" تماماً كما منح اللقب نفسه لأخيه الشيخ خليفة وفي وقت واحد (2009). وتُرك المجال لأحفاده كي يتمتعوا بتركته بما اشتملت عليه من مكاسب وثروة. لكن ليس أبعد من ذلك. فقد أبعدوا من السلطة تماماً ومن أي مناصب حقيقية. وهو الأمر الذي يمكن توقع حصول أمر مشابه له بالنسبة إلى ورثة الشيخ خليفة أولاداً وأحفاداً.
بموت الشيخ خليفة بن سلمان تموت معه حكاية مليئة بالحقائق والأوهام رافقتنا مدة عقدين حول حمائم العائلة وصقورها. مات صقر صقورها ليس كي ننعم بعهد الحمائم المناوئة والجناح القادم المنافس إنما كي نكابد مع عهد صقور أشدّ صقرية.
لقد مرّ انتقال سلطة رئاسة الوزراء إلى ولي العهد ونجل الملك الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة بأمر ملكي بشكل سلس. لا يبدو أن هناك عقبات في طريقه خصوصاً أنه تمّ تحضيره لهذا المنصب بشكل مبكّر. لكن هذه ليست سوى البداية. فعلى محوره وسلطاته يمكن توقع نشأة الاستقطاب الجديد وقتال الأجنحة المتنافسة داخل بيت الحكم. وتلك الأيام نداولها بين الناس.