تطبيع العرب مع إسرائيل مهزلة سياسية دولية أخرى

نساء وأطفال فلسطينيون هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية خيامهم في 6 نوفمبر 2020
نساء وأطفال فلسطينيون هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية خيامهم في 6 نوفمبر 2020

ماجد أبو سلامة - موقع إنسايد آرابيا الأمريكي - 2020-11-17 - 11:06 م

ترجمة مرآة البحرين

 خلال الأشهر القليلة الماضية، ظهرت مهزلة سياسية دولية بين بعض الدول العربية -الإمارات والبحرين، ومؤخرًا السودان- التي أعلنت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. احتفل صناع القرار والحكومات الغربيون بهذا التطبيع العربي-الإسرائيلي. مع ذلك، دان الشعب العربي -في الحركات الشعبية والشوارع وعبر منصات التواصل الاجتماعي- هذه التّطورات السّياسية، ونزع الشرعية عنها هذه التطورات السياسية التي قال إنها أُملِيَت من قبل الأنظمة غير المنتخبة في هذه الدول ولا تعكس إرادة مواطنيهم. وتدل خيبة أمل الإماراتيين والبحرينيين والسودانيين وعدد من العرب الآخرين على أنّهم يعتبرون اتفاقيات السلام هذه والتطبيع بجميع أشكاله خيانة.

بالنسبة لغالبية الفلسطينيين والعرب، لم يكن تطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل مفاجئًا. عدة سنوات، رأوا أنّ حكومتي الإمارات والبحرين  تطبعان مع إسرائيل، بشكل سري وغير رسمي. الفارق الوحيد الآن هو أنهم لا يخجلون بوضوح من الجهر بذلك. قالت الإمارات إنها انتزعت وعدًا من إسرائيل، كجزء من اتفاق التطبيع، بوقف خططها لضم مساحات كبيرة من الضفة الغربية المحتلة في يوليو / تموز.

ومع ذلك، ضمّت إسرائيل الضفة الغربية كأمر واقع منذ فترة طويلة، وواصلت معاملة المنطقة كأرض إسرائيلية ذات سيادة منذ اتفاقات الدولة الخليجية. على مدى السنوات الـ 52 الماضية، بنت الحكومة الإسرائيلية أكثر من 200 مستوطنة وبؤرة استيطانية، ونقلت أكثر من 620 ألف مستوطن إسرائيلي يهودي إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، في انتهاك واضح للقانون الدولي. وشكّل تأثيرها المدمر حياة كل فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة.

ما زلنا لا نتحدث عن المجازر والجرائم المستمرة ضد الإنسانية في قطاع غزة المحاصر، الذي لا يُمكن العيش فيه. نكثت إسرائيل بالوعود التي قطعتها في اتفاقات أوسلو في العام 1993. وتجاهلت مقترحات مثل مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي طالبت إسرائيل بسحب مستوطناتها غير الشرعية من الضفة الغربية وجميع الأراضي العربية المحتلة منذ حزيران / يونيو 1967 وإتاحة حل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك اقتراح بنّاء مثل دولة علمانية واحدة لجميع الشعوب، حيث يتمتع كل إسرائيلي وفلسطيني بالمساواة والعدالة والكرامة.

هذه العزلة لفلسطين تغذي النار التي أشعلتها سياسات إدارة ترامب الكارثية وصمت القوى الغربية الأخرى وحيادها وتواطئها، ما يزيد الطين بلّة. على مدى عقود، بذلت الحكومات الغربية قُصارى جهدها لإضفاء الشرعية على نهجها التّنازلي في السلام، والذي لا علاقة له بالظروف على الأرض. إذ إنه، بدلاً من ذلك، يغذي الغضب المحلي إزاء فشل الغرب في الاعتراف بحق الفلسطينيين في العودة وحقهم في تقرير المصير، والافتقار الشديد للجهود المبذولة لمعالجة السياسات الاستعمارية الاستيطانية، والإجرام الإسرائيلي، والفصل العنصري الموجود في إسرائيل / فلسطين تحت السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية.

في غضون ذلك، يستمر أطول احتلال عسكري في العالم. يعيش ملايين اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي تعاني من نقص مزمن في التمويل في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان والأردن وسوريا، مع المزيد من المنفيين في أرجاء العالم منذ العام 1948. وجميعهم يشعرون الآن بأنّه تمّ التخلي عنهم بموجب أحدث التحركات المستهزئة للدول العربية، التي زعمت ذات يوم أنها مؤيدة لهم.

ترتبط معارضة أي نوع من التطبيع مع إسرائيل بالتاريخ الطويل للقمع الإسرائيلي للفلسطينيين والعرب، وبمسألة تحقيق سلام عادل للفلسطينيين. إنه موقف منذ عقود لأصحاب الضمير من أجل مواجهة قمع إسرائيل للفلسطينيين. لا ينظر العرب إلى إسرائيل كدولة مجاورة عادية، بل على أنها مستَعمِرة لفلسطين، ومعتَدِية لعقود طويلة، ومحتلة لأراضٍ عربية أخرى بما في ذلك مرتفعات الجولان السورية وجنوب لبنان.

إن معاملة إسرائيل كدولة "طبيعية" تعني تطبيع هيمنتها الاستعمارية على الفلسطينيين. وإهمال التحدث باستمرار باسم الفلسطينيين والمطالبة بحقوقهم الإنسانية، كما اختارت حكومات الإمارات والبحرين والسودان أن تفعل، هو أوضح انتهاك لدعوات مناهضة التطبيع. لن تجلب الصفقات الأخيرة مع إسرائيل الاستقرار الإقليمي، بل المزيد من عدم الثقة والغضب والفوضى. لا يتعلق الأمر بدفع السلام العادل في المنطقة، بل يتعلق بالتواطؤ بين إسرائيل والأنظمة الملكية والدكتاتوريات العربية القمعية. وترامب والأحزاب اليمينية المتطرفة وإسرائيل هم المستفيدون الوحيدون من صفقات التطبيع.

يرفض الفلسطينيون فكرة التعايش مع القمع الإسرائيلي والاحتلال والفصل العنصري كوسيلة لإرساء السلام الأخلاقي والثقة السياسية. يجب على كل من يؤمن بالسلام الحقيقي أن يعارض التطبيع الرسمي، كما في [الاتفاقيات] التي شهِدناها مؤخرًا. ومع ذلك، يجب أن نعمل على تحقيق "التطبيع" بين الشعوب، الذي يمكن أن يحقق سلامًا دائمًا، والذي بدونه سيستمر الفصل العنصري الإسرائيلي والاحتلال والضم وبناء المستوطنات والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان.

على مدى عقود، دعا الفلسطينيون كل من يؤمن بالعدالة، ورحّبوا به، بمن في ذلك اليهود والإسرائيليون الشجعان الذين يرفضون سياسات دولتهم، للانضمام إلى مقاومة الفصل العنصري والقمع الإسرائيليين، والمساهمة في إرساء أسس سلام حقيقي يستمر لقرون.

يمكن إنشاء مستقبل عادل وسلمي جذريًا إذا عالجنا جوهر القضية. يجب تفكيك أيديولوجية الصهيونية لأنها تضر في نهاية المطاف اليهود والفلسطينيين. قائمة التّغييرات التي يجب على إسرائيل إجراؤها من أجل تبرئتها والنظر إليها على أنها جزء من المنطقة بدلًا من مستوطنة غربية كبيرة وسط الدول العربية، طويلة، وإن لم تكن مستحيلة.

لكن من غير المعقول تخيل أي تطبيع من دون انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة، وإنهاء الفصل العنصري الإسرائيلي، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. إنه نهج عضوي تصاعدي يملكه الشعبان العربي والفلسطيني وسيحقق مصالحة وسلامًا عادلًا لبنات وأبناء فلسطين المُسْتَعمَرة.

 

النص الأصلي