«الشاهد الأخير» في قضية الشهيد هاني عبد العزيز « 2»

2012-09-16 - 5:25 م


مرآة البحرين (خاص): أجرت وزارة الداخلية تحقيقا في مقتل الشهيد هاني عبد العزيز، واستجوبت أكثر من 40 شاهدا فيه، وقد تم تحديد الضابط الذي أطلق النار على هاني وأوقف عن العمل، بحسب ما يؤكد تقرير لجنة تقصي الحقائق.

إلا أن تقرير بسيوني ذكر أن الادعاءات التي وردت في تحقيق "الداخلية" جاء فيها أن هاني كان يقود المتظاهرين، وأن أحد ضباط الشرطة اعترف أنه أطلق النار عليه مرتين لإيقافه حسبما ادعى، فيما ذكر ضابط آخر أن طلقة تحذيرية أطلقت قبل ذلك.

ورغم أن تاريخ هذا التحقيق مجهول، إلا أن هناك مصادر تؤكد أنه أجري بعد نهاية فترة قانون الطوارئ، وأفادت المصادر ذاتها بأن الضابط المتهم قد أطلق أكثر من 100 عيار ناري من رصاص "الشوزن" الانشطاري في فترة قانون الطوارئ (15 مارس/آذار – 31 مايو/أيار)

بعد التحقيق المزعوم، أحيل الضابط البحريني المتهم بقتل هاني، وهو برتبة "ملازم أول" في قوات الأمن الخاصة، إلى المحاكمة في 28 سبتمبر/أيلول.

محاكمة سرية

في الفترة من 28 سبتمبر/أيلول إلى 28 ديسمبر/كانون الأول، كانت قضية قاتل الشهيد تتداول في أروقة المحاكم العسكرية دون علم أحد. لم تسمح أي جهة ذات صلة بالتصريح عن ذلك، لا الجهات القضائية ولا وزارة الداخلية، كل شيء كان يتم سرا!

كانت التهمة الموجهة إلى الضابط هي "الاعتداء على المجني عليه بأن أطلق عليه 3 أعيرة نارية دفاعا عن نفسه، أدت إلى وفاته دون قصد القتل، متجاوزا بذلك حدود الدفاع الشرعي، وأنه لم يؤد العمل المنوط به بدقة وأمانة وإخلاص".

حكمت المحكمة العسكرية بعدم اختصاصها بالنظر في الدعوى، وأحالتها للمحاكم الجنائية، بعد أن أصدر وزير الداخلية قرارا في 8 ديسمبر/كانون الأول بإحالة جميع القضايا العسكرية المتعلقة باتهامات الوفاة والتعذيب والمعاملة اللا إنسانية إلى النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية مستقلة.

نزاهة النيابة

النيابة العامة بدورها أجرت تحقيقاتها، ثم صاغت لائحة اتهام أخرى، وهي أن المتهم بصفته موظفاً عامّاً (شرطي) بوزارة الداخلية وأثناء تأديته وظيفته اعتدى على سلامة جسم المجني عليه هاني عبدالعزيز بأن أطلق عليه 3 أعيرة نارية (شوزن) مسبباً الإصابات الموصوفة بتقرير الطبيب الشرعي والذي لم يقصد منها قتله لكن ذلك أفضى إلى موته.

هي إذن تهمة "الضرب المفضي إلى الموت" أو "القتل بغير قصد"، هكذا أحالت النيابة القضية إلى المحكمة الجنائية، وكالعادة جرت الأمور سرا دون علم أحد، ولم يخرج أي تصريح إعلامي من النيابة العامة حول القضية.

المحامية ريم خلف، المدعية بالحق المدني نيابة عن عائلة الشهيد، علمت بشكل شخصي عن طريق الصحافة بموعد الجلسة، كان ذلك قبل يوم واحد.

كانت معركتها الأولى، هي ذات المعركة في كل قضايا الشهداء المرفوعة أمام القضاء، كالشهيد علي المؤمن، والشهيد عبد الحسن عيسى، وهي تغيير التهمة!

شهود ولكن

حضرت المحامية، وحضر والد الشهيد، وبدأ تداول القضية. صممت خلف على طلب تعديل وصف وقيد التهمة الموجهة للمتهم. كان الضابط المتهم قد اعترف أمام النيابة العسكرية بأنه من أطلق النار على الشهيد، لكنه أنكر التهمة الموجهة إليه أمام المحكمة رغم إقراره بها في إفادته خلال التحقيقات.

استدعي عناصر الشرطة الذين رافقوا الضابط كشهود إثبات أمام المحكمة. المعروف أن شهود الإثبات هم من يستدعون لإثبات التهمة على الجاني، لكن ما حدث هو العكس، كان الشرطة يحاولون تبرئة قائدهم!

ما حصل أن الشهود حرفوا تفاصيل الحادثة بشهادات متضاربة بشدة، حيث ادعى أحدهم أن المنطقة كانت تشهد مناوشات أمنية، ومظاهرة، وأن الجميع تفرق حين تدخلت قوات الأمن إلا واحدا وهو الشهيد هاني.

وزعم الشاهد أن هاني كان يرمي عليهم الحجارة وأسياخ الحديد من داخل مبنى تحت الإنشاء كان قد لجأ إليه، ما أدى إلى إصابة بعض رجال الشرطة حسب زعمه، رغم أن أي مصدر لم يقم بينة على هذا الزعم من قبل، بل لم يكن هناك حديث عن أي إصابات، وفشل الشاهد كذلك في تحديد مصدر هذه الأسياخ رغم أن عناصر الشرطة كانت تلاحق هاني من داخل القرية حتى وصل البناية التي لم يكن فيها أية أسياخ حديد!

وقال الشاهد إنه بعد إطلاق النار على هاني ذهب اثنان من الشرطة لجلبه من الطابق الأعلى في البناية، وتبين خلالها أنه أصيب، ثم وبحسب ما ادعى، وصلت إخبارية بوجود مجموعة تتجمهر خارج المبنى، فذهبوا لتفريقها، واستغل "هاني" انشغالهم وهرب!

ولم يستطع أحد الشهود الذي قال إن عدد الطلقات كان اثنتين، إحداهما تحذيرية، من أن يرد على سؤال القاضي عن تعارض ذلك مع ما ذكره تقرير الطبيب الشرعي الذي أكد وجود أكثر من 3 طلقات بجثة هاني.

كذلك تعارضت أقوال الشهود مع تقرير الطبيب الشرعي في تحديد المسافة بين هاني والضابط، فقد قالوا إنها كانت بين 5 إلى 8 أمتار، وإن هاني احتمى بحاجز في مكان ضيق في البناية، بينما كان الضابط أسفل الدرج، في حين قال تقرير الطبيب إن المسافة لا تتعدى المتر الواحد.

والمفارقة أن القاضي عرض على أحد الشهود صوراً لجثة هاني، وطلب منه التعرف عليه، ونفى الشاهد أن تكون هذه صور الشخص الذي أطلق النار عليه،  كما أن شاهدا آخر قال إنه شاهد هاني يخرج من المبنى ولم يشاهد به أي إصابة، مؤكدا أنه كان يمشي! شاهد آخر قال إنه لا يعلم من من المجموعة كان يحمل سلاح الشوزن!!

شهود الحقيقة

المحامية بدورها كانت قد طالبت المحكمة بالاستماع لشهود الإثبات الحقيقيين، وهم والد الشهيد، وأحد من نقلوه إلى المستشفى، والشخص الذي كان مع الشهيد في المبنى وتظاهر بأنه سقط بعد أن اعتدت عليه قوات الأمن، وكذلك الطبيب الشرعي.

قبلت المحكمة، وحضر والد الشهيد هاني شاهدا، وقال بألم إنه شاهد دماء ابنه في في ذلك المبنى، وآثار لحمه متناثرة على الجدران، وإنه لم يكن في الطابق العلوي، بل في الطابق السفلي الذي لا زال يحمل آثاره، وأكد أن رجل الشهيد كانت مفصولة من أثر الطلقات.

ناقل الشهيد قال أمام المحكمة إن المصاب الآخر مع هاني والذي لجأ إلى بيته أبلغه أن هناك إصابة خطيرة لرجل آخر داخل تلك البناية، وعلى الفور هرع الشاهد ووجد هاني في آخر غرفة في المبنى، وكان مصاباً في يده ورجله، وهو يئن ولا يستطيع الكلام، وأكد الشاهد أن وضع المنطقة كان طبيعيا ولم تكن هناك أية مظاهرات أو مناوشات في ذلك الوقت.

الطبيب الشرعي شهد أمام المحكمة هو الآخر، وأكد أن أكثر من 3 أعيرة نارية أطلقت على هاني، وأنها من سلاح واحد، وقال إن الإصابات كانت جسيمة وإنها من مسافة تقل عن المتر، كما أن الإصابة التي كانت في أسنانه حديثة ومعاصرة للوفاة. كانت شهادة الطبيب الشرعي تصب في أن الضابط قتل هاني عمدا! 

الشاهد الأخير

وفي الأخير، حضر الشاهد الذي غير مجرى القضية بأكملها، وهو الشخص الذي شهد الجريمة كلها وكان مع هاني في المبنى نفسه، وقال الشاهد إنه أصيب أيضا جراء ضربه إلا أنه تظاهر بالسقوط، وروى أحداث الجريمة كاملة أمام المحكمة، مؤكدا أنه سمع ما لا يقل عن 5 أعيرة نارية، غادر بعدها قوات الأمن تاركين هاني يسبح في دمائه. 

ورفضت النيابة العامة وكذلك المحكمة أن تنتقل إلى مسرح الجريمة بطلب من المحامية ريم خلف، لتنظر بعينها أن المكان لا زال فيه آثار الدماء حتى اللحظة التي كانت تترافع فيها، وأكدت خلف للمحكمة أنها رأت ذلك بنفسها.

وبعد الاستماع لكل الشهود، حجزت المحكمة الدعوى للمرافعة، وكررت المحامية خلال المرافعة طلب تعديل الوصف والقيد في الاتهام.

وفي يوم الحكم 25 يونيو/حزيران تفاجأ الجميع بالمحكمة تقضي بتعديل الوصف والقيد في الاتهام الموجه للضابط بناء على الظاهر من التحقيقات التي أجرتها بنفسها، وما للمحكمة من سلطة في تغيير الوصف والقيد، حيث تغير الاتهام إلى القتل العمد!

ما فتح باب المرافعة مجددا.

هامش:

·   جزء من تفصيل الشهادات أمام المحكمة مقتبس من صحيفة الوسط

·    الجزء الأول من التقرير



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus