النائب السابق علي الأسود: وحدة البحرين لا تخل بوحدة العائلة ورؤية الإصلاح لا تقتصر على الشعارات فقط

النائب السابق علي الأسود (أرشيف)
النائب السابق علي الأسود (أرشيف)

علي الأسود - مدونة LSE لشؤون الشرق الأوسط - 2020-12-18 - 4:43 ص

ترجمة مرآة البحرين

هذا ما جاء به الراحل البروفيسور شريف بسيوني حينما قال إنه على الملك أن يختار بين وحدة بلاده أو وحدة عائلته، وإنّ المطلوب هو إصلاحات اقتصادية واسعة بالإضافة الى تغييرات سياسية ملحوظة تبقي حالة من الاستقرار للبلاد ولا يتحقق ذلك بدون تعديلات دستورية مهمة.

تعيش البحرين أيامًا بدون رئيس الوزراء الراحل الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الذي حكم البلاد فعليًا من بعد الاستقلال في العام 1971، حكمها بالقوة وبعقلية الأمن وجلب لذلك شخصيات ممقوتة ولها تاريخ قمعي كالضابط البريطاني إيان هندرسون الذي أسس وترأس جهاز الأمن لعقود قبل مغادرته البحرين في تسعينيات القرن الماضي، خليفة هو الشخص الذي تحدث الى السيد روبرت الوزير البريطاني المفوض بمناقشة انسحاب القوات البريطانية من شرق السويس ومنطقة الخليج، قال له في اجتماع الرفاع: "هل ستتركون البحرين الى قوى إقليمية كبيرة كالكويت والسعودية وإيران؟" بالطبع كان جواب الإنجليز:  "لا مكان للعودة إلى الوراء" بعد تصويت مجلس العموم البريطاني بزعامة حزب العمال آنذاك، ولكن عادت بريطانيا وأسست أسطولًا بحريًا وقاعدة في أكتوبر / تشرين الأول  2015 افتتحها وزير الخارجية السيد فيليب هاموند أثناء رئاسة السيد ديفيد كاميرون للحكومة، قال حينها إنهم أي حكومة البحرين " يطلبون منا المساعدة في اصلاح النظام القضائي وتدريب الشرطة ومصلحة السجون"، ولكن الواقع بعد خمسة أعوام يقول إن المؤسسات التي ذكرها السيد هاموند لا تزال بعيدة عن الإصلاح بمئات الأميال، وهو ما يتطلب إجابات من الحكومة البريطانية.

حدّثني حينها وزير الشرق الأوسط السيد أليستر بيرت أن مخاوف حكومة البحرين من التدخل الإيراني يجب أن تتبدد بعد هذا الإجراء وهو ما لم يحصل للأسف. العلاقة البينية بين البحرين وبريطانيا لم تكن في أحسن حالاتها إبان الربيع العربي، ولم توافق السلطات على الرأي البريطاني المتمثل في ضرورة الإصلاح السياسي وتطوير حالة حقوق الإنسان هناك، إلا أن حكومة البحرين استعانت بحلفائها في دول الخليج للمساعدة في التغطية على الانتهاكات وإبعاد الصورة النمطية للمعارضة في لندن للنظام أو التخفيف من حدتها على الأقل، هذا التوجه لا يخدم المسار للإصلاح السياسي وليس مرجوًا أو منتظرًا بعد استلام ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة لمنصب رئيس الوزراء الذي بات في حكم المسؤول عن الحكومة منذ إصدار الملك أمرًا ملكيًا  في 11 نوفمبر / تشرين الثاني  2020 بتعيين ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة رئيسًا للوزراء بالإضافة للاحتفاظ بمنصبه الذي شغله في 9 مارس / آذار بعد استلام والده السلطة حينها. شغل ولي العهد منصب النائب الأول لرئيس الوزراء منذ مارس / آذار 2013 في خطوة حُسِبَت أنها موازية لمنصب رئيس الوزراء خليفة بن سلمان وهو ما عُدّ حينها مشروع تهيئة لولي العهد لمعرفة مفاصل الدولة وأسرار العمل في الحكومة.

بحسب موقعه الرسمي، فقد تقلد ولي العهد عددًا من المناصب، ويضطلع بدور نشط فيما يتعلق بتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين مملكة البحرين وبقية الدول الصديقة، كما ويسهم في تنمية المبادرات الرامية إلى تعزيز أمن الخليج والسلام والتنمية المستدامة في الشرق الأوسط وهو ما يعزز فرضية أن يقوم بإصلاحات سياسية تتناسب ومرحلة ما بعد رئيس الوزراء السابق.

التقى ولي العهد الامير سلمان آل خليفة بزعيم المعارضة الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية يوم الأربعاء الموافق 15 يناير / كانون الثاني 2014 لإحياء محادثات المصالحة وجاء ذلك اللقاء بمبادرة من الملك، إلا أنّه سرعان ما تبدد الحلم بتطور المحادثات إلى سراب بعد إقرار الحكومة بعدم إمكانية تحقيق نتائج تؤدي الى الإصلاح السياسي، وانتهى الأمر باعتقال الشيخ علي سلمان في ديسمبر / كانون الأول من العام نفسه بعد خطاب ألقاه في تجمع وفاقي، واتُّهِم بعده بتقويض نظام الحكم، كتب الشيخ مرافعته في السجن ونُشِرت وحازت على إعجاب المتابعين لما احتوته من أفكار إصلاحية تنموية أكثر من كونها دفاعًا عن النفس. وقبل انتهاء محكوميته الأولى (4 سنوات)، حُكِم عليه بالسجن المؤبد بسبب تهمة العمالة للنظام القطري  وهو ما نفاه شخصيًا وفشلت النيابة في تقديم أي دليل ضده، حيث كان يقوم بأداء مهماته لإيجاد مخرج عبر وساطة طلبتها حكومة البحرين من القطريين آنذاك ورعتها الإدارة الامريكية، اعتبر الشيخ علي أنه اعتُقِل تعسفيًا بسبب ممارسته للعمل السياسي السلمي وطالبت عدد من المنظمات الحقوقية الدولية بالإفراج عنه لكيدية التهم.

وجاء في بيان المتحدث الحكومي أن المحادثات التي ستجري في المستقبل بين الحكومة والمعارضة ستركز على قضايا منها القطاع التشريعي والقضائي والدوائر الانتخابية إلا أنّ شيئًا من ذلك لم يحصل وقدمت السلطة وثيقة سميت بوثيقة الأعيان تدعم قرارات السلطة بديلًا عن الحوار الوطني، كما كان بعيدًا أيضًا عن المطالب التي عبّرت عنها المعارضة بوضوح في وثيقة المنامة التي شاركت فيها جمعية الوفاق وجمعيات وطنية معارضة وطالبت بإصلاحات انتخابية وسياسية وقضائية لم تتعامل معها السلطات البحرينية منذ العام 2011.

إن فكرة الأيام الجميلة التي لم نعشها بعد تدور دائمًا في خلد البحرينيين شيعة وسنة، بمختلف التوجهات، ويأملون أن ترجح النظرة العقلانية للتعاطي مع التحديات المستقبلية على نظرة التشدد التي يقودها صقور الديوان الملكي، لم يعد الوضع القائم يحتمل أن يتحكم أعضاء الديوان بمفاصل الدولة بعيدًا عن إدماج المعارضة وتحقيق خيار الشراكة السياسية. طرحت الوفاق هذه المبادئ في إعلان البحرين ولكنها لم تتلقَ أي ردود أفعال رسمية في محاولة لصم الآذان والابتعاد عن جوهر الخلاف، والسؤال هنا، ما الذي يتوجب على السلطات في البحرين إنجازه حالًا كي تعود الحياة السياسية وينمو الاقتصاد المحلي وتزداد ثقة المستثمرين في الداخل والخارج كي ينهض البلد؟

النموذجان السويسري والسنغافوري حاضران دائمًا في الذهن، لا تحتاج البحرين لزيادة النفقات العسكرية فعلاً لعدم وجود تهديدات حقيقية من دول الجوار، حينما تحافظ السلطة على العلاقات الدبلوماسية وترفع من مستوى التمثيل في الدول القريبة (قطر وايران)، لو افترضنا عودة العلاقات، فإنها تحافظ بذلك على مكانتها وتقوم بإبعاد أي خطر محتمل خصوصًا مع وجود الأسطول الخامس والقاعدة البريطانية، الواضح لدينا أن الدخول في صراعات إقليمية يكلف كثيراً ولا يفتح آفاق للتنمية بل يشغل البلد بقضايا معقدة لا طاقة لنا بها. إن الاعتماد على دول الخليج في إعطاء المساعدات لا يشكل استقرارًا  ولا يمكن اعتباره مخرجاً من الأزمات، يمكن للبحرين أن تفتح آفاق مع دول عربية أخرى كالعراق وسوريا والسودان وتحقق من ذلك غايات اقتصادية هامة تشكل بديلًا عن النفط الذي لا تزال موازنتها تعتمد عليه بنسب عالية تفوق الـ 80%  بحسب آخر إعلان رسمي للموازنة القادمة 2021-2022 وهو أحد المؤشرات السلبية.

إن خطوات العمل اللازمة، الواجب على السلطة إنجازها وبشكل عاجل، تتمثل في إطلاق مبادرة سياسية لحلحلة الأوضاع والإفراج عن معتقلي الرأي والضمير وعودة الجمعيات السياسية وإلغاء حالة العسكرة كما يتوجب عليها إصلاح المؤسسات القائمة في الدولة ومحاربة الفساد المالي والإداري ومنح الصحافة مساحة للنقد الحر، وسيؤدي ذلك إلى مصالحة وطنية شاملة تعيد الأمل للبحرين وترجع ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسات التي فقدتها البحرين خلال عقد من الزمان. كما أن هناك برامج قد تستغرق زمنًا أطول لتحقيقها، ولكن أهمها الدستور العقدي التوافقي الذي يضمن استقرار البلاد.

 

النص الأصلي