افتتاحية حصاد البحرين 2020: العقد

الملك يلتقي السيد عبدالله الغريفي 13 ديسمبر 2020
الملك يلتقي السيد عبدالله الغريفي 13 ديسمبر 2020

2021-01-01 - 5:51 ص

مرآة البحرين (حصاد 2020): مع هذا الحصاد العاشر اكتمل العقد، وهذه مناسبة لإعادة النظر والتأمل في السنوات العشر القاسية، تفتح المعاني اللغوية للعقد زوايا نظر عميقة.

المعنى الأول للعقد، هو العقدة المحكمة الربط "عقَدَ الحبلَ ونحوَه: جعل فيه عقدة، جعل منه عُرْوة وأدخل أحد طرفيه فيها وشدّه، عكْس حلّه". لقد دخلنا جميعا في عقدة، ونعني بجميعنا، كل الأطراف: العائلة الحاكمة، الحكومة، الجمعيات السياسية، الجماعات العقائدية، مؤسسات المجتمع المدني، الطوائف، النشطاء، الفاعلين الاجتماعيين. لا أحد خارج هذه العقدة، الجميع يشعر بانسداد الأفق، حتى السلطة السياسية التي تمكنت من إسكات الكل وإخماد الأنفاس، تشعر بالاختناق، فحبل العقدة يحكم أنفاس الجميع.

 المعنى الثاني للعقد هو الاجتماع "عقَدوا اجتماعًا أو نحوَه: اجتمعوا في مكانٍ معيَّن وبحثوا موضوعًا ما". الأطراف التي علقت في العقدة، بحاجة إلى أن تجتمع، لتفكر كيف تخرج من المأزق الذي دخلت فيه، إن وجودها في العقدة، يجعل الأمر في وضع صفر حل. التحول يأتي من الأخذ بالمعنى الثاني للعقد، وهو الاجتماع بقصد التباحث والتفكير للخروج من العقدة التي دخلنا فيها وهذا هو المعنى الذي يشير له هذا الاستخدام اللغوي "عقَدوا عدّةَ مباحثات". 

المعنى الثالث لعقد هو العزم والقصد والنية "عقَد العَزْمَ أو النِّيَّةَ: عزَم ونوَى وقصَد". الفعل السياسي يحتاج إلى مشاريع صادقة النوايا والعزائم، هكذا تخرج المجتمعات المنقسمة من عقدها ومآزقها، هناك لحظات زمنية لا تنفع فيها المناورات السياسية، لأنها تقود إلى مزيد من الاحترابات والتدمير ومضاعفة العُقد.

المعنى الرابع للعقد هو الأمل "عقَد الأملَ أو الآمالَ على أمرٍ: رجاه وتمنَّاه". لا بد من الأمل، مهما كانت شدة العقدة ودرجات تركيبها، تظل  الآمال معقودة على الانفراج والحل، من تفقد قلوبهم القدرة على صياغة الأمل يموتون وتخنقهم عُقد الحبل الملتف على أعناقهم. الأمل ليس مجرد أمنية ساذجة، لكنه رؤية تصنعها شخصيات فاعلة ومؤثرة ولديها حس القيادة وصياغة المستقبل، نحن بحاجة لهذه الشخصيات خارج السجون وخارج الملاحقة، وخارج المراقبة. 

المعنى الخامس للعقد هو الخوف والتبكيت "عقَد الخوفُ لسانَه: أسكته، أفقده القدرةَ على النُّطق". أول خيوط العقدة هي صناعة الخوف، يبدأ هذا الخيط ينسج العوالم السرية، يفقد الإنسان قدرته على النطق، تتحول الأوطان إلى سجون تدفع أبناءها إلى المنافي والمهاجر والتيه. بفقد النطق، يخسر الإنسان ثقته وقدرته وهويته، يغدو شبحا معقود اللسان.

المعنى السادس للعقد هو إحكام العهد "عقَد العهدَ أو اليمينَ: أكَّده وأحكمه"، نحن بحاجة إلى عقد جديد وعهد جديد، ولاية العهد أمانة يفوضها الشعب لمن يختاره ويريده من خلال عقد اجتماعي يمثل إرادته ورؤيته ومصلحته. حين تتعقد الأزمات ويصير أصحاب العهد طرفا في الأزمة، فالحاجة تصبح ضرورية لإصلاح العهد واستئناف آخر جديد.

المعنى السابع للعقد هو الاتفاق "اتّفاق بين طرفين يلتزم بموجبه كلٌّ منهما تنفيذَ ما جاء فيه" تتجدد العقود حين يخل أحد الأطراف بالتزامه، أو حين يشعر أحد الأطراف بالظلم أو التعسف أو ضياع الحقوق، وتتجدد العقود حين تفقد قدرتها على حل المشكلات التي تواجهها، وهذا حال عقدنا الذي صرنا فيه.

المعنى الثامن للعقد هو التضام والانتظام، مثل عقد اللؤلؤ  "عقَد الزَّهرُ: تضامَّت أجزاؤُه فصار ثمرً". يحتاج البشر إلى نظام يتعامل معهم كسواسية، وهم كذلك بحاجة إلى أن يتضاموا مع بعضهم ليكونوا وحدة تجعل منهم أمة مواطنين، حين يتفاوتون حد التمييز والظلم والإجحاف، يفقدون عقدهم الاجتماعي والسياسي ويتحولون إلى الفوضى والاقتتال.

المعنى التاسع للعقد هو الأمر، وصاحب العقد هو صاحب الأمر، ومنها تعبير "أهل الحَلّ والعَقْد: الولاة وعِلْية القوم الذين بيدهم تصريف الأمور". لتكون من أهل العقد، لا يتطلب منك أن تكون من أهل البطش والقهر والعند، بل أن تكون من أهل الرشد والحكمة والقدرة على اتخاذ القرار الصائب، هكذا يمكنك أن تنهي مشاكل كل عَقد لتستأنف عقدا جديدا بلا أحمال تُثقل كاهلك.

المعنى العاشر للعقد هو الحبكة أو العقدة وهي أزمة الصراع أو قمة الأحداث لقصة  أو رواية، يأتي بعدها الحل. لكل عقدة حل، هكذا تقول لنا قصص شعوب الأرض كلها، طالت أم قصرت أزمة الصراع، لكن الحكمة تقتضي أن نُقصّر زمن الصراع ونتجه نحو الحل، على رأس العقد الجديد.

هكذا يكتنز العقد، معاني المشكلة والحل، وعلى أي معنى قلّبته، سترى فيه مشكلتنا وحلها، طوال هذه السنوات العشر، حرصنا على تقصي خيوط المشكلة  وعقدها، وثقناها بأمانة، لتكون شاهدا وتاريخا ومرآة لمن يريد أن يأتي بعدها الحل.