علي الأسود: الديمقراطية المنقوصة في البحرين: بين حلم سيادة الشعب وسياسة القرار الأوحد‎

النائب السابق المهندس علي الأسود (فبراير 2019)
النائب السابق المهندس علي الأسود (فبراير 2019)

2021-03-28 - 7:54 م

مرآة البحرين (صحيفة المستقل):

تكمن الحاجة للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط لاعتبارات عديدة وهامة، فالتجربة السّياسية في العديد من دول الشرق الأوسط ومنها دول الخليج لا تزال تحت النضج أو بعيدة عن الفكرة التي بنيت عليها الديمقراطية في الدول المتقدمة، حيث حكم الفرد أو العائلة هو السائد ولا مكان للشراكة السياسية في إدارة الدولة أو في القرارات المصيرية للأمة، سواءً على المستوى السياسي أو الاقتصادي لا يتم إعطاء المجال الكافي للشعوب للتحكم في مصيرها وإن كانت هناك عناوين عديدة يقصد منها التمثيل الشكلي لا الفعلي.

 فالديمقراطية وكما نعرف جميعًا تعني "حكم الشعب" وهي شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين والعمل على تقديم الأفضل للفرد وبالتالي للمجتمع، ومن هنا نعرف أهمية النظام الديمقراطي السليم لا المستحدث عند بعض الحكومات أو كما يقال الحكم بمقاس القبيلة الحاكمة.

 سأذكر هنا حادثة مهمة في تاريخ البحرين السياسي، حينما أرادت العائلة الحاكمة في البحرين أن تستحدث دستورًا جديدًا بعد دستور 1973، والذي كان يحظى بتوافق مجتمعي شعبي قوي، بُنِي عليه العمل السياسي ولكنه توقف بعد سن قوانين أمن الدولة حينها، جيء بخبير دستوري عربي، لم يتأخر في توجيه السؤال للعائلة، "ماذا تريدون من الدستور، ديمقراطية أم قرار العائلة؟"، والنتيجة تمت كتابة دستور العام 2002 بشكل يكرس الصلاحيات لدى بيت الحكم. وعلى الرغم من نص الدستور على مواد تتحدث عن المبادئ الديمقراطية "حسب رؤية الحكم" إلا أنّه لا تطبيق فعلي يلمسه شعب البحرين. وهو ما يُفَنّد نظرية "حكم الشعب" الأساسية، وبالتالي حدث ما كان متوقعًا من رفض المجتمع للقرارات بعيدًا عن إشراكهم فيها وجاءت أحداث متتالية بعد تسعة أعوام لم يصمد فيها الدستور المنحة، والذي شكّل عقبة أمام المعارضة للمساهمة في الإصلاح. إن القضايا السياسية المهمة مرتبطة بشكل وثيق بالدستور، وحينما يتم التوافق على تفعيل حكم الشعب، لا بد من أن ينعكس ذلك في وثيقة يصوت عليها البحرينيون لتعطي شرعية متوافق على مبادئها من دون إخلال بها من أي طرف، عدا ذلك ستبقى المشكلة السياسية لأمد طويل، وربما تفكر العائلة الحاكمة أن خيار السلطة الأمني سيجنبها الاهتزازات السياسية مستقبلًا أو قد تعتقد أن المتغيرات في المنطقة تصب لصالح الحكم وهو فهم خاطئ لطبيعة حركة الشعوب وحاجتها للتقدم والتطور، حيث أن التحديث في التشريعات والأنظمة والابتعاد عن قضايا التهميش والإقصاء يقع ضمن هذه العملية. وهو ما لا يحصل في البحرين. 

كذلك يهمنا أن نشير إلى أن تثبيت منهجية معينة للحكم دون التفكير في استيعاب الشعب بمكوناته كافة لا يعني نجاحها مع المتغيرات الحالية. لقد غيّرت جائحة "كورونا" الكثير، فهذه الأزمة الصحية العالمية ليست بعيدةً عن أن تكون أحد أسباب الإطاحة بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو مثال واضح للسلطوية وانتهاج القرار الأوحد.

هناك العديد من القضايا العالقة في البحرين والتي تحتاج فعلًا إلى تمثيل سياسي حقيقي يضمن الاستقرار بوجود المعارضة. بعض هذه الأمثلة تكمن في معالجة الاقتصاد وتطوير التعليم والصحة ومشاريع التنمية. إن التركيبة الحالية في البحرين تشكل نسبة كبيرة جدًا من تمثيل الحكم فيها، إذ يعود القرار بعد أي مداولات إن حدثت في البرلمان (غير ممثل فيه المعارضة) إلى مجلس الشورى المعين الذي بدوره يرى المصلحة كما يريد بيت الحكم وهنا يكون التصويت النهائي الغالب. هذا النموذج يُقَدّم تصورًا حقيقيًا لبعد المحاسبة الفاعلة للأجهزة التنفيذية التي باتت أعلى من السلطة التشريعية، بل وبدأت تهدد وتتوعد كلما تحدث برلمانيون بكشف ملف هنا أو طرح موضوع هناك. 

ولا بد أن نقول كذلك أن الحاجة عند الحكام للتواصل مع الشعوب لا يجب أن تتوقف على الموالاة فقط، فالنماذج السيئة كثيرة وهي تطيح بالأنظمة الحاكمة أكثر من أن تشرعنها وتتخلى عنها مع أي تحول قد يمس مصالحها لأن أساس البناء في العلاقة البينية يعتمد على المصلحة الخاصة لا مصلحة الدولة كما هو متعارف عليه.

عشرة أعوام مضت والبلد يمر بأزمات متعاقبة وصعبة وعلى كافة المستويات. نحتاج في البحرين إلى الرشد من قبل السلطة التي تمسك بمفاصل الدولة، وعودة المعارضة إلى واجهة العمل السياسي - بعد رفع قانون العزل السياسي والتوافق على الحل- والاستفادة من أطروحتها لعنوان الشراكة السياسية كما جاء في إعلان البحرين، وعلى السلطة أن تنتبه لكافة المتغيرات نتيجة التحولات الإقليمية في المنطقة العربية أو في كل العالم.