معادلة القحطاني الوبائية... لماذا اختّلت؟
2021-06-13 - 1:25 م
مرآة البحرين (خاص): "المعادلة الوبائية هي أنه: كلما زاد انتشار الفيروس بين أفراد المجتمع مع اختلال سلوك الأفراد فإن أعداد المصابين تزيد... وكلما زادت أعداد المصابين خصوصا بين الفئة الضعيفة (كبار الناس وأصحاب الأمراض) فالنتيجة ستكون (زيادة عدد من يتم) إدخالهم المستشفيات وتردي حالتهم الصحية وصولا إلى إدخالهم العناية المركزة... يدخل (مرضى أكثر) العناية المركزة وبالتالي تزداد أعداد الوفيات".
هكذا فسّر المقدّم طبيب مناف القحطاني سبب زيادة أعداد الوفيّات خلال مؤتمر صحافي قبل حوالي 10 أيّام.
لكن المؤتمر الصحافي الأخير للفريق الحكومي المختص بفيروس كورونا اعتبر ما حدث خلال الأسبوعين الماضين (منذ قرار الإغلاق في 27 مايو/أيار) إنجازا ونجاحا كبيرا "منحنى الحالات القائمة شهد انخفاضًا ملحوظًا حيث بلغ عدد الحالات القائمة في تاريخ 29 مايو 28798 حالة قائمة في حين انخفضت هذه الأعداد حتى وصلت في 8 يونيو إلى 19238".
وفي جرأة غريبة، رد الفريق الاتّهامات التي وجّهت ضدّه بتضليل الرأي العام عبر خفض عدد الفحوصات اليومية بغرض خفض عدد الإصابات (كان عدد الفحوصات في 29 مايو يزيد عن 18 ألفا، بينما لم يزد في 9 يونيو عن 12 ألف فحص).
في الرد على هذه الاتّهامات نفى الفريق أي خفض متعمد لعدد الفحوصات، وقال إنّها قلّت بسبب تغير سلوك الناس وقرارات الإغلاق، بل أن القحطاني تشدّد في رفض اقتراح سابق لتطبيق هذه الفكرة (أسوة ببلدان أخرى) "نحن لا نجمل الصور بالأرقام... هذه الأرقام تشكل بالنسبة لنا أرواح بشر"!
جزئية عائمة وحيدة لم يشأ أي من أعضاء الفريق الطبي الخوض في تفاصيلها، واكتفوا بالإشارة إلى ما سمّوه أن الفحوصات تجري بناء على "الحاجة" بحسب البروتوكول المعلن في البحرين.
ما الّذي تغيّر في بروتوكول الفحوصات في البحرين وكيف أثّر على عددها؟
ليس في الأمر لغز ولا غموض لكنّ العيب كلّه هو في التذاكي واعتبار نتائج هذا التحديث في البروتوكول نجاحات وإنجازات. قبل أسبوعين أعلنت الحكومة تحديثا في بروتوكول الفحوصات، سببه بشكل مباشر عدم تحمل الضغط الكبير. ألغى البروتوكول الجديد تتبّع أثر جميع المخالطين للحالات القائمة واكتفى بالمخالطين الذين ظهرت عليهم الأعراض.
مع هذا الإجراء كان من الحتمي أن تهبط أعداد الفحوصات، وبغض النظر عن سلامة هذا الإجراء علميا، ومدى تأثيره على الوقاية من مضاعفات المرض وزيادة معدل الانتشار، لكن المفارقة أن وكيل وزارة الصحة وليد المانع ظل يتفاخر بهذا البروتوكول حتى وهو يعلن إلغاءه "لأننا نجري الفحوصات بشمولية.. استطعنا أن نصل للحالات ونكتشفها قبل أن تصل إلى حالات حرجة... عبر التقصي والترصّد"!
قلت الإصابات "المسجّلة" وزادت الوفيّات وحالات العناية القصوى
كان المانع يوضّح لماذا لا تعتبر الطفرة في عدد الوفيّات (خلال شهر مايو) أمرا صادما أو "مشكلة"، متعلّلا بأن "نسبة" الوفيات للحالات القائمة (المسجّلة) بقيت ذاتها 0.4% وهي من أدنى النسب عالميا ولم تزد مع زيادة أعداد الإصابات، على حد تعبيره.
أعداد الحالات القائمة التي تسجّل يوميا هبطت اليوم إلى ثلث ما كانت عليه في 26 مايو (من حوالي 3 آلاف في بعض الأيام إلى حوالي الألف هذه الأيام)، لكن في المقابل زاد معدّل الوفيّات! وزاد عدد الحالات في غرف العناية القصوى، فضلا عن الحالات التي تتلقّى العلاج، فما التفسير إذن؟!
"زيادة الوفيات لا تعني أن هناك إخلال أو تقصير في تقديم العلاج البروتوكولي" هكذا باختصار دافع المقدّم طبيب مناف القحطاني عما يجري. ولكن ما الذي نعرفه نحن عن بروتوكول العلاج، من يمثّلنا لمراقبة تنفيذ مستشفيات الدولة (التي يديرها الجيش) لهذا البروتوكول، كيف يمكن أن نسمع مسجات الاستغاثة الصوتية من المرضى من داخل غرف العناية (تماما قبل أن يموتوا) دون أن نشك ونخاف ونحس بالقهر؟!
ثم كيف نثق فيكم وأنتم تمارسون التضليل بهذا الشكل وبكل جرأة (دفاعا عن فريق البحرين وقيادته)؟ في الحد الأدنى لماذا لا نستطيع القول بأنكم أخطأتم وتخطئون!؟ (تخيّلوا أن الخطأ الظاهر وصل حتى إلى الأرقام، ففي إحصائية الأسبوع الأخير من مايو أخطأت وزارة الصحة في عرض مجموع الحالات الأسبوعي (الصحيح هو 19538 بينما ما نشرته كان 18184) ولا زال الرقم دون تعديل)
وأخيرا أين المنطق الرياضي للمعادلة الوبائية اليوم؟ لماذا قلّت الحالات ولكن زادت الوفيّات وزادت حالات العناية القصوى، لماذا اختلّت المعادلة فجأة!
مايو الأسود سيبقى شاهدا على الفشل والجريمة السياسية
ما يحدث منذ مايو/أيار الأسود سيبقى شاهدا على الإخفاق والفشل والجريمة السياسية. فقدت البحرين في مايو/أيار الأسود 334 نفسا بوباء كورونا، أكثر من 220 منهم مواطنون بحرينيون، و27 من هؤلاء كانوا شبّانا في الثلاثينات والأربعينات من العمر. أسئلة مايو المحيّرة لم يستطع القحطاني حلّها بل زاد من حيرتها، لا زلنا لا نعلم ما الذي يجري في غرف العناية المركّزة، ولا زلنا لا نعلم كيف تتخذ القرارات (الطبّية والإدارية والسياسية)، كل ما نعلمه بأنه ليس لنا دور ولا مشاركة في أي من ذلك!
شهر واحد حصد ثلث عدد الوفيات التي حدثت منذ تفشي الوباء حتى الآن... شهر من أصل 15 شهرا؟ و63 ألفا من أصل 240 ألف إصابة حدثت في شهر مايو/أيار وحده (أكثر من الربع)؟ ومن ثم جاءت ورقة علمية منشورة لتحذّر من وجود 150 سلالة جينية لكورونا في البحرين دون أن تعلّق عليها وزارة الصحّة بأي تعليقّ!
وبينما تحتفل الولايات المتحدة برفع الكمامة، لا يستطيع البحرينيون حتى رفع جنائز موتاهم الكثيرة! حلّت البحرين ثانية على مستوى العالم أجمع من حيث نسبة الإصابات لعدد السكّان خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو (بعد المالديف)! والخامسة من حيث نسبة الوفيّات لعدد السكّان! البحرين فاقت حتى الهند في هذه المعدّلات. يحدث ذلك بينما تسجّل بريطانيا صفر وفيّات وتسجّل دول الخليج حوالي ثلث عدد الإصابات في البحرين يوميا!
في السنوات الماضية كان معدّل الوفيّات السنوي في البحرين يصل إلى حوالي 3 آلاف حالة (بحسب إحصاء 2019) ما يعني 250 وفاة شهريا. وفاة 334 شخصا بكورونا وحدها في شهر واحد قد يعني وصول معدّل الوفيّات في البحرين إلى الضعف!
الأرقام بالنسبة للمقدّم طبيب مناف والدكتور وليد المانع ورفاقهم المحترمين، ليست أرواحا كما قالوا. عبر التضليل والتذاكي والاستعلاء وألاعيب النسب والبروتوكولات (التي لا تخضع لرقابة مؤسسات تمثلنا) أرادوا أن يقلّلوا من كارثة الجثامين، وبدلا من الحلول لم يقدّموا سوى اللوم للناس، والتأييد لأنصاف التدابير التي تتخذها الحكومة. كورونا، في نهاية المطاف، ليس إلا لعبة أرقام!