«البحرين» الثورة المحجوبة التي ستشعل الشرق الأوسط

2012-09-21 - 9:20 ص


جين مارلو*، هفينغتن بوست

ترجمة:مرآة البحرين ـ حسين الغسرة.

مررت و "جيهان كازيروني" (ناشطة حقوقية) بعشراتٍ من رجال الشرط المسلحين الذين كانوا ممتدين على شارع البديع السريع، لم يتوقف ضجيج هاتف كازيروني عن (المكالمات الهاتفية، ومكالمات السكايب، والتغريدات المتواصلة بموقع التواصل الاجتماعي تويتر). كنت أتساءل عن المعنى الذي تحمله هذه العبارة "ثورة (تويتر)"؟ وذلك عندما علمت أنها[ثورة تويتر] ارتبطت بالأحداث التي جرت في إيران 2009، وفي مصر2011. هنا، في مملكة البحرين الصغيرة، كانت بداية استيعابي للمعنى الذي تحمله تلك العبارة.

كنت في تلك المملكة لمدة 3 أسابيع، وذلك لكوني جزءاً من "Witness Bahrain" وهي عبارة عن مجموعة من المراقبين الدوليين الذين يسعون إلى توثيق وفضح الانتهاكات التي يرتكبها النظام البحريني ضد المتظاهرين والناشطين. بصرف النظر عن تغطيات وسائل الإعلام الأمريكية القصيرة والمفاجئة، فإن هنالك تجاهلًا كبيرًا من قبلها تجاه الأزمة في البحرين.

ربما بالإمكان تفسير عدم وجود تغطية للانتفاضة التي تقودها الغالبية الشيعية ضد النظام الملكي السني والقمعي بشكل متزايد بالأسباب التالية: واشنطن تعتبر البحرين حليفاً وثيقاً، والبحرين هي مقر الأسطول الأمريكي الخامس، كما أن الولايات المتحدة تستفيد من بيع الأسلحة للبحرين. وربما بسبب الصداقة بين الولايات المتحدة والسعودية، وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. تم تصوير البحرين كساحة حرب بين نفوذ جارتها السعودية والمتمثل في (أنصار النظام الملكي البحريني)، وبين نفوذ إيران المتمثل في (الغالبية الشيعية).

مع كل الذرائع التي تم ذكرها، فإن تجاهل الثورة التي لا زالت مستمرة في البحرين، وتجاهل مطالبها من أجل الحرية والديمقراطية محفوفٌ بالمخاطر. فلو افترضنا انتقال تلك الاحتجاجات الضخمة من طابعها السلمي إلى استخدام العنف، فإن البحرين يمكن أن تكون برميل البارود الذي يشعل الخليج. النشطاء السلميون مثل "جيهان كازيروني" يحافظون على ذلك الانضباط، ولكن بالنظر للوحشية التي عاينتها بنفسي، فإنه من غير الممكن معرفة المدة ستظل فيها الثورة البحرينية سلمية وبعيدة عن العنف.

أخذتني جيهان بجناحيها، وأطلعتني على عشرات الضحايا من البحرينيين الذين تأثروا بشكل مباشر من الحملة القمعية التي أطلقها النظام ضد الإنتفاضة المطالبة بالديمقراطية. لم يكن من الصعب العثور على أولئك الضحايا. في كل عائلة شيعية في البحرين يوجد متضرر، وجيهان من ضمن أولئك المتضررين الذين فصلوا من وظائفهم، أو اعتُقِلوا، أو جرحوا، أو قتلوا. كذلك تم استهداف نشطاء المعارضة السنّة بقسوة (على الرغم من قلة عددهم).

الوصول للطريق

جيهان التي بدا شعرها مخبوءًا تحت وشاحٍ بني حريري، وبنظارة شمسية أنيقة، كانت تستخدم برنامجًا على هاتفها. حينها كنا نحاول الوصول إلى المظاهرة التي دعا إليها ائتلاف أحزاب المعارضة [ائتلاف 14 فبراير].

جيهان : سأغرد بهذه الكلمات " أنا هنا في شارع البُدَيِّع، لا وجود لنقاط التفتيش في المنطقة، ولكن رجال الشرطة يتواجدون بكثافة". جاءت تغريدة جديدة قبل أن تكمل جيهان كتابة تغريدتها، قرأتها سريعًا، في الوقت الذي كانت تقود سيارتها بمهارة حول دوار في الطريق. جيهان: " حسناً، لقد بدأ الهجوم" "إنه في الدوّار القادم، يمكننا مشاهدته من السيارة ". أنزلت جيهان نافذة السيّارة، و سألتني "هل تستطيعين أن تشمي رائحة الغاز المسيل للدموع؟" وابتدأت بالسعال، وفورًا أغلقت نافذة السيارة مرة أخرى.

كانت سحب الغازات المسيلة للدموع تتصاعد كلما انتقلنا من قرية إلى أخرى. في الوقت الذي كانت جيهان تقرأ (تويتر) بشكل مستمر وتذكر أسماء المناطق التي تتعرض للقمع. "تم استهداف مظاهرة احتجاجية في مناطق الدير، وطشان وعالي". " إنهم يهاجمون النساء الآن في شمال بلدة البلاد".

تغريدة جديدة: "هناك العديد من الإصابات، و أُصيبت امرأة تحديدًا، سأريك الصورة"، قامت بتقريب هاتفها إليَّ، لكي أشاهد صورة طرفها الدامي. جيهان: "إنه ذراعها" ومن المتوقع أن يكون سبب تلك الإصابة هي (قنبلة صوتية أو أسطوانة غاز مسيل للدموع)."

تحوُّل الناشطة

لم تبدأ جيهان كناشطة حقوقية. بل كانت تعمل كمصرفية استثمارية، وتتسوق في مجمعات البحرين الراقية وتلتقي بأصدقائها. اندلعت الاحتجاجات في دوّار اللؤلؤة الذي يقع بالعاصمة المنامة في 14 شباط/فبراير 2011، وبمرور الأيام ازدادت المصائب وارتفع عدد القتلى. حتى ذلك الوقت لم تسهم جيهان في الثورة، وذلك بالرغم من تصاعد الأحداث. 

لقد كانت تتجاهل مطالب المحتجين التي تشتكي من استمرار حكم رئيس الوزراء لمدة 42 عاما، ومن معاناة الغالبية الشيعية من التمييز من قبل العائلة السنية الحاكمة، ومن عدم تمكن الشيعة من الانضمام إلى الجيش أو الشرطة. في المقابل تقوم الحكومة باستجلاب أجانب من باكستان، واليمن، والأردن، وسوريا، ومن بلدان أخرى لملء صفوف الأجهزة الأمنية، وفي كثير من الأحيان يتم منحهم الجنسية البحرينية (الأمر الذي يهدد بتغيير التركيبة السكانية بين الشيعة والسنة). وتقوم العائلة الملكية باستقطاع مساحات واسعة من الأراضي العامة لأغراضها الخاصة.

جيهان كانت تصدق الروايات التي روَّجها التلفزيون الرسمي للدولة. ومن قبيل تلك الروايات "إنّ المحتجين لم يكونوا سلميين، بل كانوا خطرين ومسلّحين. وادّعت الحكومة كذلك بأنهم قاموا بسرقة أكياس الدم من المستشفيات، ولطّخوا أنفسهم بتلك الدماء لاختلاق الإصابات وبثها بوسائل الإعلام. وادعوا كذلك بأنه لم يتم استخدام القوة إلّا عندما تقتضي الضرورة القصوى تفريق تلك التظاهرات. المتحدثون باسم الحكومة تحدثوا عن قيام الأطباء الشيعة في مستشفى السلمانية باحتجاز المرضى وزملاء عملهم كرهائن.

في يوم 13 آذار/مارس صباحاً، استلمت جيهان عددًا من الرسائل النصيّة عندما كانت في طريقها للعمل. تلك الرسائل كانت تحث الناس للتوجه نحو دوّار اللؤلؤة لأن القوات الحكومية كانت تهاجم الدوّار. قررت الذهاب لمعاينة مايجري بنفسها.

اهتزت لما شاهدته حتى النخاع ! "متظاهرون عزل - بينهم نساء وأطفال - كانوا يهتفون بتحقيق الديمقراطية والحرية والمساواة"، وردت قوات الشرطة باستهداف تلك الحشود من خلال استخدامها للرصاص، والشوزن، والغازات المسيلة للدموع بشكلٍ مباشر. تنحت جيهان جانبًا تبكي، بينما كانت النسوة ينتحبن ويقرأن القرآن بصوت عالٍ.

ثمّ لاحظت تعبئة السيارات بالأجساد عن بعد مسافة. لم تستطع معرفة حقيقة تلك الأجساد، وإن كانوا قتلى أم جرحى، ولم تستطع عيناها أن تفارقا النظر إلى السيارات الملئية بالأجساد وهي تتجه نحو مستشفى السلمانية.

قادت سيارتها إلى هناك، ووجدت بأنّ عدد الجرحى يفوق عدد الأَسِرّةِ المتوفرة، وأن هؤلاء الذين كانوا يكذبون يرتمون على شراشف بيضاء في مواقف السيارات بسبب إصابتهم برصاص الشوزن، أو اختناقهم بالغازات المسيلة للدموع، وينتظرون العلاج من الأطباء والممرضين المنهكين للغاية.

في اليوم التالي، تم استقدام 1000 جندي سعودي للبحرين بناءً على طلب من النظام البحريني، وتم دعمهم بـ500 شرطي من دولة الإمارات. قامت تلك القوات بإخلاء دوّار اللؤلؤة من المتظاهرين، ودمرت نصب اللؤلؤ، وأعلن ملك البحرين عن تطبيق حالة الطوارئ.

بعد فترة وجيزة، بدأت الغارات على البيوت، وزُجَّ بأغلب قيادات المعارضة والمتظاهرين إلى السجن، واستُهدِف الصحفيون، والمعلمون، والكوادر الطبية، ونجوم الرياضة البحرينية. تم توثيق المئات من حالات التعذيب (بعضهم عُذِّب حتى الموت)، وتم فصل الآلاف من الوظائف الحكومية بسبب المشاركة في الاحتجاجات، وفي أكثر الحالات لأنهم كانوا من الشيعة.

أدركت جيهان حينها بأن من غير الممكن استمرار حياتها بشكل طبيعي كالسابق. قررت جيهان المساهمة في الثورة، فزارت رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان "نبيل رجب" من أجل الاستفسار عن كيفية المساعدة. وعندما وصلت اليه أخبرته : لقد كان من الصعب الوصول إليك، ولكن لم يعد بالإمكان السكوت عن كل مايجري والبقاء على الهامش.

تدربت جيهان على كيفية القيام بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان على يد زميل نبيل رجب. وبشكلٍ سريع، أتقنت جيهان تلك المهمة وبدأت في العمل، وشمل ذلك توثيق حالات التعذيب التي مورست بحق الأطباء الذين عالجوا جرحى الاحتجاجات، وبسبب حديثهم عن الإصابات التي شاهدوها.

وفي الوقت الذي التقيت بها كانت جيهات ناشطة من ذوي الخبرة في مركز البحرين لحقوق الإنسان، ونائبة مؤسس ورئيس منظمة (براڤو)  "المنظمة البحرينية للتأهيل ومناهضة العنف".


الكفاح من أجل مستقبل البحرين

في ليلة من الليالي غادرنا عيادة سرية، حينها كانت جيهان المخضرمة ترتعش تماماً. لقد كان الممرضون يخيطون رأس شخص يبلغ من العمر 13 عاماً (حسين) " وقد أصيب رأسه بأسطوانة غاز مسيلٍ للدموع، بعد مشاركته في إحدى المسيرات الاحتجاجية. وبشكلٍ مثيرٍ للسخرية تم استجوابه بسبب مشاركته في مسيرة قُمِعَت بالاستخدام المفرط للغازات المسيلة للدموع".

كنت قد التحقت وجيهان بالمسيرة في النهاية، وتحدثنا لشباب كانوا يحملون الزجاجات الحارقة، بصدور عارية ويلفون وجوههم بالتيشيرتات. أحدهم كان يقول "هذه المولوتوفات لا تدخل في إطار العنف" " العنف هو الرصاص الحي الذي يستخدم ضدنا. نحن ندافع عن أنفسنا فقط، ولسنا بصدد الاعتداء. عندما يعتدون علينا نقوم بالرد".

بالكاد كانت تلك الكلمات تخرج من فمه، عندما جاء هتافٌ يفيد بأن الشرطة كانوا قادمين. نفذت بجلدي ومعي جيهان إلى سيارة أحد الأصدقاء، وكنّا ننظر من النافذة الخلفية إلى أقواس الضوء المنبعثة من قنابل الغازات المسيلة للدموع، و للمولوتوفات الملتهبة التي تتطاير في سماء الليل.

ظننا بأن طفلاً كان قد أُصيب بأسطوانة غاز مسيل للدموع في رأسه عندما فر من الشرطة. عندها تلقت جيهان اتصالًا هاتفيًا عن تلك الإصابة، فأسرعنا حينها بالذهاب إلى العيادة السرية. أخبرتني جيهان في الصباح بأنها: "لم تستطع النوم في تلك الليلة "، " لقد شاهدنا إصابة ذلك الطفل بأم أعيننا".

بعد عدة محاولات، استطاعت العثور على أخ "حسين" الأكبر عن طريق الهاتف. وأخبرهم بأن "حسين" كان يتقيأ، ولا يأكل، ويعاني من الصداع. وتدخلت جيهان بطريقة نموذجية، فقامت بالاتصال بالعديد من الأطباء والاستشاريين الطبيين للمشاورة. طبيب متخصص أبلغ جيهان " بأن خطورة كبيرة قد تحدث، وليس هنالك من وسيلة للكشف غير الأشعة المقطعية " فازداد قلقها. " أطباء العيادات الخاصة لا يمتلكون أجهزة الأشعة السينية أو المقطعية، لذلك نحن بأمس الحاجة للتنسيق مع المستشفى من أجله، وهذا خطير جداً." لم تقبل أسرة " حسين" نقله إلى المستشفى خشية اعتقاله. سألتني جيهان " ما العمل ؟ أنا لا أعرف ! "، "إن اتخاذ قرار أخذه إلى المستشفى ليس بالقرار السهل".

لكن كانوا محقين في خشيتهم من اعتقاله. لاحقًا وبعد مرور عدة أيام، قمنا بزيارة صبي يبلغ من العمر 11 عامًا (علي)، والذي كان قد أطلق سراحه بعد مكوثه شهرًا في سجن الأحداث. أخبرنا بأنه كان يلعب كرة القدم في الخارج عندما اقتربت الشرطة منه. استطاع صديقه الفرار، ولكنه لم يستطع التحرك بسبب الخوف، فأعتُقل بتهمة سد الطريق أثناء إحدى المظاهرات. وسألناه عن الأشخاص الذين افتقدهم عندما كان في السجن، فأجاب من دون تردد (أُختيَ وأخي الصغير).

شاهدنا علي وهو يمرح مع أشقائه الصغار، لقد كان يمازحهم ويتعارك معهم، ويوثبون على صدره وهو يصرخ من الضحك. ليس من السهل عدم ملاحظة الأثر الذي ارتسم على وجهه عندما كان يتحدث عن الخوف الذي انتابه عندما كان بعيدًا عن أمه في الحبس.

دليل المعاناة لا ينحصر في هذا الصبي

لقد شاهدت ذلك الموقف. حينها كان أحد العاملين في مجمع السلمانية الطبي يذرف دموعه وهو منكسر عندما كان يصف ما رآه خلال حملة القمع التي شُنَّت في دوّار اللؤلؤة.

لقد سمعت ذلك في صوت الدكتور نبيل حميد (أحد الأطباء الذين تم تعذيبهم واعتقالهم من قبل النظام). كان يتحدث عن صراعه مع الاكتئاب والغضب والارتباك منذ إطلاق سراحه. كما اكتشفت ذلك في امتناع  الدكتورة زهراء السماك القاطع عن وصف التعذيب الذي مورس ضد زوجها (د. غسّان ضيف) وما مرّ به.

لقد تعرفت على تلك الكارثة من خلال اللوحات التي كان يرسمها أبناء السجناء والشهداء الذين شاركوا في الاحتجاجات. لقد كانت تلك اللوحات مملوءة برجال الشرطة المسلحين والدبابات وقضبان السجون والأجساد المحمولة على ناقلات الأجساد.

لقد شعرت بتلك الكارثة من خلال أم الشهيد (جواد الشيخ) عندما كانت تمرغ وجهها في كومة من قمصانه وتشم رائحته فيهم، لقد اعتادت على فعل ذلك ليليًا ومنذ أن قُتِل ابنها ذو الـ 14 ربيعًا.

قالت لي جيهان: "حدث كثير من الضرر والأذى، لن ينسى الناس ذلك فورًا، حتى لو نلنا حريتنا غدًا، فالناس تحتاج وقتًا كي تتعافي".

تقول جيهان: "إن لم يُجرِ النظام إصلاحات حقيقية وبشكل سريع (والتي لا أرى أيّ مؤشر لها)، فإنني أتوقع أن تواجه الحكومة جيلًا أكثر عدائية. نحن لا نريد ذلك (قالتها بقوة). لقد بدأنا بشكل سلمي ونريد أن نظل سلميين. إننا نبذل قصارى جهدنا في نصيحة الشباب بعدم استخدام المولوتوف. ولكن في النهاية، أعتقد أن ازدياد العنف ضدهم، سيصعب من السيطرة عليهم".

لم يوفر تأثير الصدمة حتى  النشطاء. تحدثت جيهان عن توثيق مقتل الشهيد أحمد إسماعيل (22عاما)، وقالت إنه كان مصورًا، وقد أصيب في أسفل البطن عندما كان يلتقط صورًا للاحتجاجات. لم يسبق لجيهان أن رأت نزيفًا كنزيفه. لقد منعتها رائحة الدم في أنفها عن الأكل لمدة يومين، ولم يغمض لها جفن لمدة ليلتين.

"إننا نرى الإنتهاكات ونوثقها في كل يوم، ولذلك نحن نشعر بالمزيد من الضغوط. في النهاية نحن بشر( فنتأثر ونتألم).  لا يستطيع القادة ونشطاء حقوق الإنسان إظهار تأثرهم وانكسارهم من الداخل للناس. إذا رأى الناس انهيارًا داخليًا من جانبنا، فما هي القوة التي سيستمدونها منّا؟ في بعض الأحيان أصاب بانهيار من الداخل، فأقوم بإخفاء نفسي لبضعة أيام، ولكن أبذل قصارى جهدي لمحاربة ذلك الانهيار. إنني أحاول إبقاء نفسي مشغولة من دون أن أفكر في ذلك."

البلد على مفترق طرق

سألت جيهان عن احتمال اعتقالها فأجابت: "أعتقد بأنم سيتهدفوني قريباً. من المكن أن يقوموا بمداهمة منزلي لإعتقالي في أي وقت". إن أكثر ما تخشاه، هو إمكانية تعذيبها. لقد قامت بتوثيق الكثير من الحالات، لمعرفة ما ستجبر على تحمله وملاقاته. ولكنها تقول: "إنني أؤمن بأن تحقيق الحرية والديمقراطية للأجيال القادمة مهمٌ جداً، وأن توثيق الانتهاكات التي ترتكب في البلاد مهم جداً. الحرية ليست أمراً يسهل تحقيقه، يجب أن ندفع الثمن ونضحي من أجل ذلك. الخوف من الاعتقال لن يمنعني من القيام بواجبي الإنساني. لن أستسلم".

زملاء جيهان من النشطاء البحرينيين لا يستسلمون أيضًا. لازالوا يخرجون إلى الشوارع في كل ليلة، بالرغم من القمع الشرس الذي يواجهونه من قبل النظام، وبالرغم من من تواطئ معظم دول العالم. ولكن هناك ما يدعو للقلق بالنسبة لاتجاه الثورة البحرينية. إنه كما يصف الدكتور نبيل حميد "الوضع لم يتغير،  لقد أصبح راكدًا. لا يستطيع أحد رؤية أية حلول، وهذا مخيب للآمال. إن أحد أشد المواقف خطورة، هو أن تضع الإنسان في حالة يفقد فيها الأمل. عندما يفقد الإنسان الأمل، فإنه يكون قادرًا على فعل أي شيء".

إلى جانب اليأس هناك (صمود). بالإمكان رؤيته في كل مكان. لقد كان الصمود في لوحات الأطفال الذين كانوا يرسمون (علامة النصر) بين صور الدماء. لقد كان الصمود يتجسد على جدران جميع المناطق في البحرين من خلال هذه العبارة (سوف نعود). لقد كان ذلك الصمود في الشباب الذين قمنا بتصويرهم سرًا في قراهم بعد منتصف الليل وهم يرسمون علم البحرين بالرش على مواقف الحافلات وأعمدة الإنارة.

ولقد انعكس ذلك الصمود على "حسين" ذي الـ 13 ربيعاً، و الذي قام بالاتصال بجيهان كي يخبرها ، بعد يومين من خياطة رأسه من دون تخدير، وبعد أن توقف عن التقيؤ وعادت شهيته. حاول "حسين" شكر جيهان على مساعدتها له، ولكنها لم تسمح بذلك، وقالت له "لا حاجة للشكر (حبيبي)، فأنا أقوم بواجبي فقط"



* جين مارلو: مؤلفة، وصانعة أفلام وثائقية وناشطة حقوقية. آخر كتاب لها بالاشتراك مع سامي الجندي وقت ضوء الشمس: رحلة فلسطيني من من السجن إلى صانع سلام. وآخر فيلم لها عائلة في غزة.


18 أيلول/سبتمبر 2012

رابط النص الأصلي




التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus