علي الأسود: إسرائيل تواجه إيران على حدودها مع دول الخليج
2021-10-04 - 4:25 م
مرآة البحرين (صحيفة المستقل):
في الوقت الذي يفتتح رئيس وزراء "إسرائيل" سفارة بلاده في العاصمة المنامة، كانت تجوب شوارعها تظاهرات حاشدة تندد بموقف الحكومة البحرينية تجاه القضية الفلسطينية والتطبيع مع الكيان الغاصب، وتحرق العلم الإسرائيلي وترفع شعار "البحرين ترفض الصهاينة" في مناطق ومدن وقرى عديدة. لم يتأخر الجانب الرسمي لعقد اجتماع للترويج المبكر للعلاقة مع دولة الكيان في المنامة في يونيو/حزيران ٢٠١٩ سمي حينها (ورشة عمل السلام من أجل الازدهار) قيل إنه لغرض التشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية - وهو ما قاطعته السلطة الفلسطينية حينها - ولكن حقيقته ترتبط تماماً بالتطبيع الكامل والشامل مع إسرائيل وبإيعاز أمريكي حينها من إدارة الرئيس السابق ترامب وبطلب من رئيس الوزراء السابق نتنياهو الذي التقى وزير خارجية البحرين في واشنطن ووقع معه ما سمي باتفاقية أبراهام في ١٥ سبتمبر/أيلول ٢٠٢٠، قيل إن أبرز شروطه وقف أو تعليق ضم إسرائيل لأراض فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وهو ما لم يحدث فعلياً. اليوم نشهد عملية اندماج وهي أكبر من التطبيع الذي حدث في بعض الدول العربية فحكومة البحرين تسمح لاسرائيل بعقد اتفاقيات عديدة مع كافة الوزرات ويطلب من الوزراء التعاون التام مع نظرائهم في تل أبيب ولا خيار أمام الجميع إلا التنفيذ أو مغادرة المنصب.
وهنا لابد من طرح سؤال في غاية الأهمية:
من يملك السيادة على أرضه ويسمح بوجود بيانات أو معلومات تخص مواطنيه لدى دولة أخرى؟
وكيف انتقل الاتفاق المزعوم إلى إعطاء حق السيادة لإسرائيل على معلومات الدولة والشركات والبنوك والمستشفيات والمواطنين؟
هل يكفي هذا لفهم المشهد العام بعد قرار الإدارة الأمريكية الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط وإعطاء عدد من الدول ومنها البحرين حرية عقد الصفقات والتحالفات مع إسرائيل لمواجهة المستقبل، وهو ما شهدناه أيضاً من حضور لوزير خارجية الكيان في الأسطول الأمريكي الخامس بمنطقة الجفير ومناقشة التعاون الأمني البحريني الإقليمي. وهل يعطي قرار السلطات في البحرين الحق لإسرائيل بالتجسس على مواطنيها فقط لأن غالبيتهم معارضين لسياسات الدولة؟ ولو كان هناك برلمان حقيقي يمثل الإرادة الشعبية لما استطاعت الحكومة أن تمرر كل تلك الاتفاقات وتسمح لوزير خارجية الكيان بافتتاح سفارة لتل أبيب لمجرد عقد صفقات تجارية أو ربط الأخيرة بجسر جوي للشرق. على العكس تماماً يتضح الغرض من كل هذا الاهتمام الإسرائيلي بمركز البحرين الجغرافي حيث تقع جزيرة البحرين على الضفة الجنوبية الغربية لإيران وتحتل مكانة جيوسياسية مهمة للغاية في رسم معالم الصراع في المرحلة المقبلة، وقد بدأت بالفعل عمليات التجسس الاستخباراتية بنشر صوراً لقواعد سرية تابعة للحرس الثوري الإيراني من مناطق قريبة لإيران. وأعلن كذلك عن تعاون إسرائيلي بحريني لما سمي بمواجهة خطر الطائرات الإيرانية المسيرة، هذا ولا تزال إسرائيل تحاول محاصرة إيران أكثر وأكثر، والانتقال لاتفاقات أمنية وعسكرية في المستقبل المنظور بحيث لا تكون هناك خيارات عسكرية واسعة لإيران. إن هدف إسرائيل من التطبيع مواجهة ايران على حدودها وقد بات من الواضح أن خيار طهران الاستراتيجي هو عدم ترك تل أبيب تتحرك بالقرب من حدودها بما يشكل خطراً على أمنها القومي، ويستفزها بالقرب من حدودها التي كانت دائما بعيدة عنها، وربما تكون هذه الخطوات بداية اختبار جدي ومواجهة حقيقية جادة لحكومة السيد رئيسي في كيفية التعامل مع الوجود الإسرائيلي في المنطقة.
إن قيام لجنة الشؤون الخارجية في النواب الأمريكي بالتصويت على مشروع قانون لدعم ما سمي بالاتفاقيات الأبراهيمية بين إسرائيل والدول العربية بحيث يوجب على الإدارة أن تقدم تقارير لتقييم الوضع والجهود في إقناع دول عربية أخرى بالانضمام إلى هذه الاتفاقيات وكذلك إطلاع الكونجرس على أي اضطهاد قد يقع على أي عربي ينفتح على الإسرائيليين يعطي دلالة واضحة على دعم الولايات المتحدة المطلق لهذه الاتفاقات ولتشكيل جبهة حماية إسرائيلية خارجية في مواجهة إيران وتشكل ورقة ضغط للمفاوضات الجارية الخاصة بالعودة للاتفاق النووي، وقد تريح هذه الخطوة واشنطن من الشكاوى المتكررة من حلفاءها الاستراتيجيين في المنطقة لما يطلق عليه بعض الحكام العرب "بالتوسع أو المد الإيراني الخطير!"
إن فكرة الاتفاقيات الأبراهيمية أبعد من مصالح تحققها الدول العربية -الخليجية المطبعة لنفسها، فما يقدم لها من خدمات أو أدوات قد انتهت الحاجة إليها فعلياً لدى إسرائيل، وما يطلب منها هو التسهيلات لمواجهة محتملة بين طهران وتل أبيب تحصل بموجبها الأخيرة على فرصة كبيرة لتحقيق مكاسب أوسع من الدفاع عن نفسها بداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة فقط. إن أحد أهم الخيارات الواقعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تتمثل في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها بالرغم من التحدي مع وجود سفارات لإسرائيل في بعض دول الخليج، وربما تتوسع هذه العلاقات أكثر في الأعوام المقبلة، بحيث يتم احتواء هذا التوسع الإسرائيلي او إبقاء حجمه ضمن دائرة الاحتواء الممكنة، وهو ما تسعى اليه طهران وربما يتحقق من خلال الحوار (الإيراني - السعودي) الذي ترعاه بغداد في الوقت الحالي ويأمل أن يحقق نتائج إيجابية. لن تكتفي تل أبيب بما هو معلن من اتفاقيات أو تواصل دبلوماسي أو فتح للمجال الجوي بينها وبين دول الخليج بل ستكون أطماعها التوسعية أبعد من ذلك، وستحط قواعدها في المنطقة كخيار استراتيجي يصعب التخلي عنه، عمل طويل سري مع عدد من الدول العربية استمر لعقدين من الزمن، كان ولا يزال يهدف لتثبيت قواعد اشتباك جديدة في المنطقة في موازاة الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع جنوب لبنان، المنطقة الأكثر خطورة هناك.