بانوراما 2021: تطبيع بلا شعب (افتتاحية)

محتج يجلس على الأرض ويرفع علم فلسطين في وجه قوات الأمن البحرينية خلال احتجاجات في سترة على افتتاح سفارة للكيان الإسرائيلي في البحرين
محتج يجلس على الأرض ويرفع علم فلسطين في وجه قوات الأمن البحرينية خلال احتجاجات في سترة على افتتاح سفارة للكيان الإسرائيلي في البحرين

2021-12-30 - 7:16 ص

مرآة البحرين (خاص): في 27 كانون الأول/ ديسمبر 1947م، يكتب المقيم السياسي في الخليج، روبيرت هاي (Rupert Hay) تحت عنوان (الاضطرابات المناهضة للأحداث في فلسطين) الرسالة السرية رقم 2234 - S، يقول فيها "قام المعتمد السياسي بزيارة إلى الشيخ [سلمان بن حمد آل خليفة] بصحبة المستشار، وعبر عن أسفه لحصول أعمال الشغب...عبّر الشيخ عن أسفه أيضًا، وقارن بين الأحداث التي حصلت في البحرين وقلة الأحداث التي حصلت في كلٍّ من الكويت والمملكة العربية السعودية. لقد كان مزاجه حادًّا، وميالًا إلى الشعور بالكآبة والاستياء بسبب طرح الموضوع أساسًا، وقد وجّه اللوم كله في هذه الأحداث إلى العنصر الفارسي الموجود في المدينة... لا يعتبر الوضع في البحرين مرضيًّا جدًّا. فالشيخ لا يمتلك أي علاقات وثيقة مع رعاياه، كما أنه لا يمتلك أي تأثير شخصي... يسرني الانتقال في الحديث من البحرين إلى الكويت، فعلى الرغم من أن الشيخ هناك لديه بعض الأخطاء، إلا أنه رجل قويّ، ويمتلك صلات وثيقة مع شعبه. لم تحصل أي إضرابات أو تظاهرات من أي نوع في الكويت... لم نشهد أي ردود فعل على قرار منظمة الأمم المتحدة بشأن فلسطين في قطر أو الساحل المتصالح سوى خطبة في أحد الجوامع"[1].

تبدو هناك ثوابت تاريخية لم تتغير منذ 1947 حتى هذا العام، فما زال الشيخ يوجه اللوم كله للعنصر الفارسي، وما زال لا يمتلك أي علاقات وثيقة مع رعاياه، ومازال لا يمتلك أي تأثير شخصي.
مع ذلك، من غير حاضنة شعبية ذهبت سلطة هذه الجزيرة الصغيرة بعيدا في موضوع التطبيع مع هذا الكيان الملفوظ من شعبها: وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل في 15سبتمبر 2020 بالبيت الأبيض، واستقبلت رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين في المنامة 30 سبتمبر 2020، في زيارة علنية هي الأولى، ووقعت مذكرة (استخباراتية) أسمتها مذكرة تفاهم بحرينية إسرائيلية لـ "مكافحة إيران في حرب الأفكار"، وقدمت لإسرائيل أشهر وأهم شركة صرافة مالية بحرينية (شركة البحرين المالية للصرافة)، ومكّنت برنامج بيجاسوس الإسرائيلي للتجسس من اختراق أجهزة النشطاء والمعارضين. وبعد عام من كتب الكتاب كما يفعل العشاق، تمت الدخلة بافتتاح السفارة الإسرائيلية بالبحرين في 30 سبتمبر 2021.
كنا قبل سبعين عامًا نحتج على قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، واليوم رأس إرادتنا التمثيلية ورأس سيادة الدولة (الملك) يُوقّع على قرار إلغاء فلسطين، إنه كما قالت الوثائق البريطانية، لا يملك علاقة وثيقة مع شعبه، أي أنه لا يملك علاقة طبيعية، فمن لا يملكون العلاقة الطبيعية مع شعوبهم، لا يمثلونها ويذهبون عكس إرادتها.
مضى ثلاثة أرباع قرن، وما زالت هذه الجزيرة لا تملك إرادتها، اجتزنا العقد الماضي (عقد المكاره) ودخلنا العقد الجديد من غير عقد توافقي يوثق العلاقة الطبيعية بين الحاكم وشعبه، السيادة في أي دولة طبيعية مصدر عقدتها وربطتها ووثاقتها هو الشعب، وما دون ذلك، مُلك مغتصب عضوض.
الأسطورة التي غطّى بها الكيان حقيقة اغتصابه هي "أرض بلا شعب". هكذا يهرول المطبعون نحو هذا الكيان غير الطبيعي، بلا شعوبهم، سلام بلا شعب، هو سلام مغتصب لإرادة الشعب، وسلام من غير شرعية، أي سلام غير طبيعي، أو قل سلام مُغتَصَب.
ولعل هذا يفسر مزاج الحكم تجاه مظاهر اعتراض الشعب واحتجاجه، منذ العام 1947 وحتى الآن، وفق وصف الوثائق البريطانية: مزاجه حادًّا، وميالًا إلى الشعور بالكآبة والاستياء.


[1] أرشيف البحرين في الوثائق البريطانية الأصلية، 1820 - 1971م، مركز أوال للدراسات والتوثيق، المجلد السابع، الفصل الثالث عشر حول الاضطرابات المناهضة للأحداث في فلسطين، وهي وثائق لمكتب الخارجية البريطاني تحت رقم الاستدعاء FO 371/68330.