عبدالرحمن جاسم: عن حكايا المناضلين: عن علي سلمان جميلاً

زعيم جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان (أرشيف)
زعيم جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان (أرشيف)

عبدالرحمن جاسم - 2022-01-20 - 5:36 م

مرآة البحرين (خاص):

"يا أبتي؛ هؤلاء راحلون.

سأبقى كما حجارة هذا الوادي،

هنا بقي أجدادي، وهنا سيبقى أحفادي.

هذا الوادي لنا.

كل نجمٍ هنا يعرفنا،

كل نهرٍ، كل نبعٍ.

يا أبتي سيأتي هؤلاء، ويرحلون. وسنبقى"

كالي بولاكو (ثائر فيليبيني ويُعرَف أيضاً بإسم لابو لابو)

 

تشبه حكاية الشيخ علي سلمان حكايا المناضلين الأوائل، مذ بدأ البشر يكتبون قصص "نضالاتهم" على حوائط الكهوف وأوراق البردى، مذ بدأت فكرة "التّسجيل" و"القصّة" و"الرّواية"؛ مذ بدأ البشر يحكون قصص البطولة. شابٌ في مقتبل عمره، يُقرّر أن يقف مع أهله؛ مع شعبه: في مواجهة قوّةٍ غاشمة. تغيّرت القوّة الغاشمة، على امتداد الزمن، تنوّعت وتطوّرت: في البداية كانت وحشاً كاسراً ذا أنياب حقيقية، بعدها صارت مستعمراً، لاحقاً تغولّت لتضحي نظاماً متسلّطاً؛ يؤدي دوراً وظيفياً لمستعمرٍ أصغر. وحده الشاب المقاوم الشجاع بقي على حاله؛ الفارق فقط أنه أصبح اليوم رجلاً في الخمسين، لكنه القلب، قلبُ فتى، فتىً رفع رأسه وصوته ويده عالياً.

تشبه حكاية الشيخ علي سلمان مثيلاتها في أيٍّ من الدّول التي لا بدّ لها من الحرّية: بماذا يختلف عن المهاتما غاندي؟ كلاهما ارتديا زي بلادهما، وشيوخها ورجال دينها. كلاهما حملا مبدأ "لا للسّلاح" و"لا للتّسلّح" في بلادٍ عرفوا أن السّلاح لن يقود إلا إلى الموت والفوضى فيها؛ وإلى تغوّل نظامٍ في توحش بلا نهاية. كلاهما قاتَلَ بصدرٍ عارٍ وحوشاً قرّرت أن تفقد إنسانيتها وعقلها. هل تراجعا؟ لم يفعلا. هل فازا؟ دائماً.

بمَ يختلف الشّيخ علي سلمان عن الشيخ سليمان الهذلين؟ الرجل المُسن البطل، القادم من النقب الفلسطيني؛ الشّجاع الذي سقط قبل البارحة تحت عجلات سيارة مستوطن صهيوني قاتِل إثر مواجهاتٍ مع الصهاينة في قرية مسافر يطا في الخليل. هل تململ الشيخ ذو الخمس والسبعين عاماً أو ملَّ وقال: "تعبت؟" لم يفعل. هل قال: "هناك آخرون غيري؟" لم يفعل. هل قال: "هذه قوةٌ غاشمة متوحشةٌ متغطرسة لا أستطيع أمامها شيئاً؟" لم يفعل. جاراه سلمان في ذلك كلّه خير مجاراة. هل قال: "تعبت من محبسي؟" لم يفعل. هل قال: "هذه قوة غاشمةٌ، خلفها كل دول الكوكب، لا نستطيع شيئاً؟" لم يفعل.

حامل البكالوريوس في الرّياضيات، والشّيخ المُعَمّم صاحب الرّقي في الخطاب والسّماحة في السّلوك، والذي لم تجد محكمة الظّلم تهمةً لتزجّه في السّجن لأجلها، فقالت: "نخترع". سنواتٌ سبعٌ مرت منذ اعتقال الشّيخ المقاوم. سنواتٌ سبعٌ والتّهمة المُوَجهة إليه لا تزال موضع تساؤل: التعامل مع قطر. هل قطر اليوم عدو لنظام البحرين؟

 

هذا حال الأبطال؛ هذا دأبهم؛ يُعتَقَلون لأنّ السّجّان يعرف بأنّه لن يهنأ له بالٌ طالما أنّ هؤلاء في الخارج. للبحرين قصةٌ خاصة، حكايةٌ خاصة، ستُروى للأطفال يوماً ما، حكاية رجالٍ قارعوا الظلم بصدورهم العارية في ساحة اللّؤلؤة، وفي الدّراز، وفي غيرها وغيرها. قاد أولئك الرجال ذوي ملامح بلادهم رجلٌ شجاعٌ يشبههم قلباً وقالباً، رجلٌ يشبه ما كانت القصص ترويه عن أبطال تلك البلاد، رجلٌ اسمُه علي سلمان.

*كاتب فلسطيني