لماذا ستكون الوظيفة الأكثر طلبا في البحرين هي "محصّل ديون"؟

2022-06-27 - 9:20 م

مرآة البحرين (خاص): رغم ذكائها، لا تستطيع عبارة "ترقّبوا المزيد من الخيارات الرائعة قريبا" أن تخفي مأساة مجمّع السيف. المنظر الرهيب لسلسلة المحلات الفارغة وراء بعضها بعضا يعطي شعورا بوحشة المكان. اختفت منه مطاعم ومقاه مشهورة جدا، وبات مهجورا إلّا من السوّاح الذين تأخذهم إليه النوستالجيا، والذكريات الحميمة.
لا يوجد في الأمر أية مبالغة، فالطابق العلوي من مجمّع السيف - أعرق مول تجاري وأيقونة الحداثة في ضاحية السيف - شبه خال تماما. صار عبارة عن لوحة ديكورية واحدة هي مجموعة جدران خشبية تغطي واجهات المحلّات الكثيرة التي أخليت (أكثر من مرّة)، وكتبت عليها ذات العبارة الخادعة "ترقّبوا...".

"شترات" مغلقة
بينما يترقّب مجمّع السيف (المملوك جزئيا للحكومة) بيان نعيه الأخير، وتعاني الإيجارات التجارية عموما من ضغط كبير على الأسعار بسبب ضخامة المعروض، يواجه مشروع كلاسيكي آخر هو مجمع "اللاغون" بجزيرة أمواج الخراب الكامل بعد أن أغلقت الغالبية العظمى من محلّاته، وبات جزيرة أشباح مهجورة فيما عدا بضعة مقاه ضائعة (تعد على الأصابع).
الحال نفسها يمكن أن تراها بوضوح وأنت تبحث عن بعض المطاعم أو المحلّات المفضّلة لديك في شارع المعارض، أو شارع السوق بجدعلي/سند، أو المحرّق، أو الرفاع. هناك، بدون ديكور، ستجد مئات "الشترات" (أبواب المحلّات) منزّلة، مع إعلان صغير معلّق عليها "المحل للإيجار".

البنوك تترقّب مسلسل التخلّف عن سداد القروض... قريبا
فيما تتحدّث الدولة عن ارتفاع أعداد السجلات التجارية الجديدة للشركات بنسبة تزيد عن 35%، وعودة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مستويات ما قبل كورونا (1.8 مليار دولار)، لا يوجد أي حصر لعدد المتعثّرين من المؤسسات التجارية بسبب آثار الوباء فضلا عن السياسات الاقتصادية الهدّامة التي أقرّتها السلطات، وأهمّها ترك المنافسة مفتوحة تماما أمام الأجنبي.
يحدّثنا مصرفيٌ عتيد عن مئات القضايا المنظورة أمام المحاكم حاليا ضد مؤسسات تجارية تخلّفت عن دفع الإيجارات، أو دفع اشتراكات التأمين الاجتماعي، أو تجاهلت المطالبات المالية للمورّدين ورواتب الموظفين المتأخّرة وأغلقت أبوابها بلا رجعة. يقول إن القوة الشرائية للناس قد تراجعت، كما أحدثت منافسة الأجنبي ومشاكله الكثيرة خرابا في قطاعات عمل عريضة، وأصبح الجو العام جوا يسوده اللامبالاة والإهمال وانعدام الثقة بتقلبات السوق.
ومع نهاية فترة دعم القطاع المصرفي لتأجيل القروض، ستظهر علامة مهمّة على "التعافي الاقتصادي" قريبا، حين يحصر المصرف المركزي حالات التخلّف عن السداد، والتي لا شك سيكون حجمها ضخما جدا خصوصا وسط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أو الأفراد المتأثّرين بكساد السوق.
سيكون هناك الكثير من العمل أمام أقسام التحصيل في البنوك والمحاكم ومكاتب المحامين، يشير إلى ذلك ليس حجم المطالبات الشعبية بفترة تأجيل أخرى للقروض، ولا حالات التعثّر التي تشهدها البنوك حاليا على مستوى بطاقات الفيزا (الائتمانية)، يشير إليه تقرير صندوق النقد الدولي الذي أكّد أن "المخاطر في النظام المصرفي بالبحرين يجب أن تبقى تحت المراقبة الدقيقة" بعد رفع الدعم.

الوظيفة الأكثر طلبا
ووسط اعتراف رسمي بزيادة أعداد العاطلين إلى 17 ألف عاطل نهاية العام الماضي (تشير التقديرات إلى وجود 30 ألف عاطل)، واقتحام آلاف الطلّاب الخريجين سوق البطالة هذا الصيف، ربّما ستكون الوظيفة الأكثر طلبا في هذا المشهد المعقّد هي "محصّل ديون". هكذا ستزيد نسبة نمو وظائف البحرينيين أكثر من الـ 1% (فقط) - معدل نموها السنوي خلال الربع الأول من العام الجاري! (وفقا للتقرير الاقتصادي الفصلي الصادر عن وزارة المالية)
على صعيد البطالة أيضا، طرأت ظاهرة جميلة ومحزنة في ذات الوقت، وهي لجوء عدد كبير من البحرينيين (ذكورا وإناث)، للعمل في المقاهي ومطاعم الوجبات السريعة الصغيرة، إما في أخذ الطلبات، أو حتى إعدادها. إنّها محزنة لأن الكثير من هؤلاء من حملة الشهادات الجامعية، محزنة لأن مكان الكثير منهم احتلّه 50 ألف أجنبي في وظائف تزيد مداخيلها الشهرية (الثابتة) عن 700 دينار، بتستّر كامل من الحكومة الموقّرة. بعد إلغاء نسب البحرنة المفروضة وفتح السوق أمام سيل العمالة غير النظامية (فضلا عن تحوّل بعضها إلى تجّار منافسين) بات الأجانب يشكلون 75% من القوى العاملة في البحرين (435 ألف عامل أجنبي)، بينما ينتظر عشرات الآلاف من البحرينيين فرصتهم في الحصول على مصدر رزق، حتى لو كان في كافتيريا وبدعم من تمكين!