من وقف "التمدد الشيعي" في المحرق إلى "تهويد" المنامة.. هكذا عملت الحكومة لسنوات من أجل محاصرة الشيعة وطمس هويتهم

آلاف البحرينيين الشيعة يؤدون صلاة العشائين في ليلة العاشر بالعاصمة المنامة - 8 أغسطس 2022
آلاف البحرينيين الشيعة يؤدون صلاة العشائين في ليلة العاشر بالعاصمة المنامة - 8 أغسطس 2022

2022-08-19 - 8:08 ص

مرآة البحرين (خاص): في أواخر العام 2006 أدلى محافظ المحرق سلمان بن هندي بتصريح لاقى استهجان الكثيرين، حين اشترط موافقة المحافظة على أي عملية بيع للعقارات في المحرق، وهو ما فهم بأنه منع رسمي لتداول العقارات في المنطقة.

قامت جمعية الوفاق بعد دخولها البرلمان بتوجيه سؤال برلماني إلى وزير العدل والشئون الإسلامية، والمسؤول السياسي عن جهاز المساحة والتسجيل العقاري، لكن الوزير نفى وجود حظر على تداول العقارات في المحرق "وإن كان هناك قرار فإنه يأتي من أجل الحفاظ على المباني التراثية وعدم المساس بها".

بعد عامين من تصريح بن هندي سنسمع من رئيس مجلس بلدي المحرق محمد حمادة كلاماً مغايراً، حين أوضح وجود "مخطط تعمل عليه وزارة الأشغال لتطوير مناطق المحرق القديمة، وعلى ضوئه قلنا إنه سيتم وقف البيع، وإذا كان التداول بين أهالي المحرق فلا مانع لدينا"، ويكمل "أوقفنا بعض التداول في بعض المناطق التي هي تحت التطوير، فهناك منازل تقع على الطرق المستقبلية، وأوقفنا البيع لمنع تعقيد المشروع أو زيادة سعر المنازل، وهناك تقنين للبيع ليس إلا".

تواطأ جهاز المساحة والتسجيل العقاري منذ سنوات مع كل القرارات التي تحاصر هوية أغلبية المواطنين البحرينيين، وهي الهوية الشيعية، ولا نذيع سراً حين نقول إن قرارات منع تملك الشيعة في الرفاعين (الشرقي والغربي) هي قرارات معمول بها منذ الأزل، لكن جهاز المساحة تلقى تعليمات جديدة، بدأت تطال العديد من المناطق في البحرين.

وغرض كل هذه القرارات كما يقولون "الحفاظ على الطبيعة السكانية" للمناطق، وهي ما تعني واقعاً إنهاء الوجود الشيعي أو منع التمدد الشيعي للمناطق التي يراد لها أن تبقى سنية بالكامل، حيث يمنع جهاز التسجيل العقاري حالياً الشيعة من التملك في "مدينة المحرق، البسيتين، قلالي، الحورة، القضيبية، البديع والمحافظة الجنوبية بشكل عام".

حالياً فإنه عند القيام بأي معاملة شراء، يشترط عليك الحصول على موافقة التسجيل العقاري، فيما يقوم هذا الجهاز بإصدار الموافقة الخطية لك، أما في حال الرفض يكتفي بإبلاغ المشتري عبر الهاتف دون تزويده بأي وثائق مكتوبة.

يشرح أحد موظفي الجهاز ما يحصل بالتالي "هناك تعليمات بعدم البيع للشيعة في هذه المناطق، حتى إن كان مالك العقار شيعياً، لكن الأمور تبقى رهن تقدير الموظف والمسؤول، في بعض الأحيان فإن أسماء بعض الشيعة لا تشير إلى انتمائهم المذهبي، وهو ما يعني صدور الموافقة، لتوقع الموظف أن المشتري سني، أما السنة فيمكنهم الشراء والتملك في معظم مناطق البحرين مع استثناءات بسيطة تتعلق بالرفاع الغربي وترتبط بالعائلة التي ينتمي إليها السني الذي يريد التملك في تلك المنطقة الحساسة".

ويكمل الموظف "المنطقة الجديدة من قلالي تحولت في مطلع الألفينات إلى منطقة مختلطة نوعاً ما، نظراً لتملك الشيعة العجم من المحرق فيها، هذا الأمر توقف منذ أكثر من 10 سنوات، والآن يمكن للباكستاني المتجنس حديثاً الذي لا يتقن اللغة العربية أن يتملك في قلالي، بينما الشيعي العجمي الذي ولد وعاش في مدينة المحرق لا يمكنه ذلك".

هذه الأمثلة تبين لنا سعي الأسرة الحاكمة لحصر الشيعة في مناطقهم وقراهم، دون السماح لهم بالذهاب لأي مناطق أخرى، لكن المشروع لا ينتهي هنا بالتأكيد، بل له تكملة تتعلق بالهوية الشيعية للمنامة والتواجد الشيعي في قلب مدينة المحرق.

في العام 2016 قامت هيئة البحرين للثقافة والآثار بإصدار "قانون التراث البحريني" الذي فرض وصاية الهيئة على عقارات مملوكة للمواطنين في مناطق عديدة في البحرين أبرزها المنامة والمحرق، والذي منع أصحاب العقارات تلك من التصرف بها هدماً وبناءًا أو حتى بيعاً.

لطالما كانت عين الحُكم في البحرين على العاصمة المنامة، فهي المعضلة الحقيقية التي ظلت تؤرق هذه الأسرة، إذ إن عاصمة البلد مليئة بعشرات المآتم، وفي مناسبات مثل عاشوراء تستقطب الآلاف من المواطنين المشاركين في هذه الفعاليات، وتظهر الهوية الحقيقية للعاصمة والتي تكافح الأسرة من أجل طمسها وإبقائها في القرى والمناطق الشيعية فقط مع تحجيمها قدر المستطاع.

لذلك عمدت السلطة بكل ما تملك إلى محاولة إظهار هويات أخرى في المنامة منذ سنوات، بدءًا من الكنائس المسيحية وصولاً إلى المعبد الهندوسي وانتهاءً بالكنيس والحي اليهودي الذي ظهر إلى العلن مع توقيع اتفاقات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

تظهر الخارطة السياحية الجديدة للمنامة حلم الأسرة الحاكمة بوضوح، كل المعالم الثقافية والدينية في المنامة هي عبارة عن كنيس يهودي، معبد هندوسي، وجامع الفاضل، لكن لا وجود لحوالي 100 مأتم (رجالي ونسائي) وعشرات المساجد الشيعية التي شيد بعضها قبل 200 عام، لا وجود للشيعة هنا.

الأسرة الحاكمة اليوم تفضل الهوية اليهودية على الهوية الشيعية في العاصمة المنامة، كما أنها فضلت قبل عقد ونيف بيع المنازل السكنية في قلالي للباكستانيين واليمنيين المجنسين حديثاً على الشيعي العجمي الذي يقطن هو وأسرته المحرق منذ عشرات السنين.

 

الهوامش:

1- تصريح محافظ المحرق سلمان بن هندي عن منع تداول العقارات في المحرق - 2006

2- رئيس بلدي المحرق محمد حمادة يؤكد استمرار حظر بيع العقارات في المحرق - 2008

3- هيئة الثقافة والآثار تمنع التصرف في العقارات الخاصة بموجب قانون التراث البحريني - 2016 

4- نائب يدعو إلى منع بيع وتداول العقارات في قلالي - 2019

5- تقييد بيع أراض بالبديع وقلالي والمنامة وعسكر - 2020

6- عدد المآتم في البحرين يصل إلى حوالي 7 آلاف، إحصائية من صحيفة الوقت - 2009

7- تاريخ المآتم في المنامة