ليس هناك داعٍ للتشاور مع الشيخين (قرار الملك بعد 2011)
2023-04-01 - 12:05 م
مرآة البحرين (خاص): خلال العقود الأربعة الماضية استطاعت ثلاث شخصيات شيعية بارزة أن تكون في موقع متقدم لدى السلطات، وأن يؤخذ برأيها في المناصب والمؤسسات الرسمية الخاصة بالطائفة الشيعية.
تبنى كل من الشيخ سليمان المدني (1939 - 2003)، والشيخ منصور الستري (1918 - 2000)، والشيخ أحمد العصفور (1925 - 2014)، مقاربة مختلفة في التعاطي مع الحُكم، عن غالبية الطائفة الشيعية ورجال دينها البارزين أمثال السيد جواد الوداعي (1923 - 2016)، والشيخ عبدالأمير الجمري (1937 - 2006) والشيخ عيسى قاسم. هذه المقاربة تقوم على مدّ خيوط التواصل مع الحكم، والاستثمار فيها.
لم يستطع الشيخ محمد طاهر المدني، نجل الشيخ سليمان المدني أن يلعب الدور نفسه بعد وفاته، فيما تمكن الشيخ محمد علي الستري أن يحل مكان والده إلى جانب الشيخ أحمد العصفور، وشكّل الاثنان ثنائية مهمة لها تأثيرها في تعيينات القضاء الجعفري، أو مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية، إضافة إلى الاستماع لترشيحاتهم وتزكياتهم في تعيينات المناصب الأخرى الخاصة بالطائفة.
لكن العام 2011 كان مختلفاً بعض الشيء، فبعد الأحداث الدامية وتعاطف كل من الشيخ أحمد العصفور والشيخ محمد علي الستري معاً مع المحتجين وما وقع عليهم من قمع، وإن كان ذلك ليس بصورة غير صريحة، قرر الملك أن لا حاجة للتشاور معهما في أي شىء. هكذا أقدم على تعيين مجلس إدارة جديد (يونيو 2011) برئاسة سيد حسين سيد كاظم العلوي. ثم في أغسطس 2013 قام بتعيين الشيخ محسن العصفور رئيساً لمجلس إدارة الأوقاف الجعفرية. الأمر الذي كان يعارضه الشيخ أحمد العصفور. لكن الشيخ محسن باشر مهامه من دون أن يأبه الملك لاعتراضاته.
رغم أن فترة العصفور لم تكن ذهبية. ففي عهده تم الاستيلاء على أموال أكثر من 400 مأتم بحجة وجود متأخرات عليها. وتم التضييق على المساجد في عملية جمع التبرعات بحجة أن الأموال تذهب لـ "دعم التخريب". وأرغمت الأوقاف الجعفرية على نقل مسجد الخميس التاريخي من ولايتها إلى وزارة الثقافة. إضافة إلى العديد من المضايقات مثل منع إقامة أي مضائف حسينية إلا بعد تسجيلها لدى إدارة الأوقاف ما أعطى الداخلية الضوء الأخضر لإزالة أي مضيف "غير مرخص". رغم أن ذلك كان كذلك إلا أن العصفور قام بأمر نادر نعرف الآن بأنه تسبب بعزله من إدارة الأوقاف الجعفرية.
لقد تجرأ بإرسال رسالة إلى ملك البلاد اشتكى فيها من وزير العدل الشيخ خالد بن على آل خليفة، وخاصة منعه قضاة المحاكم الجعفرية من "إصدار أي وقفية لبناء مساجد ومآتم جديدة لأبناء الطائفة الجعفرية أو أوقاف استثمارية عليها وعلى سائر الشؤون الخيرية، والامتناع عن تسليم نسخ من الوقفيات القديمة للأوقاف الجعفرية (...) والمماطلة والتسويف والتعطيل لملف إصدار أمر ملكي باستخراج وثائق ملكية حديثة لدور العبادة القائمة والمقابر التي لم يسبق أن صدرت لها، وقد تم حصرها ورفع جميع ملفاتها للديوان الملكي العامر الذي أحالها بدوره إلى وزارة العدل للمراجعة قبل أكثر من سنتين، وعدم السماح لإدارة الأوقاف الجعفرية بشراء العقارات لزيادة الأصول الوقفية أو التي تكون بنية توسعة المآتم والمساجد الحالية بحسب حاجة كل منطقة لاستيعاب الكثافة السكانية المتنامية" كما جاء نصاً في رسالته.
كما اشتكى أيضاً في رسالته التي انتشرت صور لها في 9 مايو 2019 من "عدم التعاون عند مخاطبة الجهات المعنية في الإسكان والبلديات بتخصيص أراضٍ لإقامة دور العبادة (المساجد والمآتم)، وتجاهل الرد على طلبات التخصيص، وعدم استخراج وثائق مُلكية المساجد الواردة في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق على الرغم من الانتهاء من تشييدها والإعلان عن تصحيح أوضاعها القانونية والرسمية على خلاف الحقيقة والواقع".
كانت هذه الرسالة بمثابة ورقة "انتحار سياسي" قدمها الشيخ محسن العصفور على مذبح الأوقاف. إذّاك قرر الديوان أنه أصبح منبوذاً ولا يستحق أن يكون مقرباً من أروقة الحكم. بعد حوالي الشهر من هذه الرسالة تم عزله من منصبه وتعيين يوسف بن صالح الصالح بدلاً عنه. بدا الصالح أكثر وفاءً وطاعة حنبلية من سلفه لأوامر الحكم التي استحدثها في العقد الأخير والمتمثلة في التحكم الكامل بأوقاف الشيعة ومن يتصرف فيها، دون الرجوع لأحد منهم.
لقد غادر الشيخ محسن العصفور إدارة الأوقاف معزولاً، وكائناً ما كان التحفظ على أدائه، إلا أنه ترك لنا وثيقة تاريخية تتحدث عن سياسة الحكم في قضم وقفيات الطائفة الشيعية والتهام ما يمكن التهامه منها.