عبدالله السعيد... الصراع على من يروي وماذا نروي
2023-04-02 - 9:22 ص
مرآة البحرين (خاص): دعا ممثل الأمم المتحدة ممثلين عن أندية ثقافية واجتماعية لاجتماع حول الاستفتاء على استقلال وعروبة البحرين، فكان الحاج عبدالله السعيد، الذي توفي أمس السبت، من بين ثلاثة أشخاص مثّلوا نادي المنارتين (الاتحاد حاليا).
طلب السعيد الإذن بالتحدث في اللقاء الذي عُقد آنذاك في قاعة بفندق الخليج، وقف مخاطبا اللجنة الأممية في حشد كبير قائلا «كلنا مع استقلال البحرين وعروبتها، لكن ليس مع الاستبداد (...) يجب أن تكون للشعب كلمته وتمثيله في شكل الحكم القادم».
تمت مقاطعته بحجة أن ذلك لم يكن في صلب الموضوع، فأجاب «وهل ينفصل موضوع استقلال البحرين عن حرية وكرامة شعبها؟».
هكذا عاش الحاج عبدالله السعيد حتى توفي عن عمر ناهز الثمانين عاما. صلبٌ يدافع عن قيمه وأفكاره بكل جسارة، لا يعرف التردد في التعبير عن مواقفه ولا تنقصه الشجاعة في التصريح بها حتى في أصعب الظروف.
السعيد الذي ولد في العام 1940 عُرف عنه اهتمامه بالكتابة والتأريخ والتدوين. كان آخر ما أنتجه كتابا عن تاريخ البلاد القديم بوصفها العاصمة السابقة للبحرين.
وضم الكتاب فصولا تتحدث عن جغرافية المنطقة ومكانتها العلمية والدينية، بالإضافة إلى التعريف بمؤسساتها ودور العبادة فيها، إلى جانب علمائها وأبرز القادة المؤثرين فيها.
الكتاب الذي عنونه الراحل السعيد بـ (النهج القويم في تاريخ البحرين والبلاد القديم - عاصمة البحرين سابقا)، لا زال يرزح في أدراج إدارة المطبوعات والنشر بوزارة الإعلام منذ أكثر من سنتين.
توفي السعيد بالأمس دون أن يرى كتابه مطبوعا، فقط لأن هناك من يريد أن يحتكر رواية تاريخ البحرين، ويجد في كل رواية أخرى تهديدا وجوديا له.
لم تملك دائرة المطبوعات أي تبرير لمماطلتها في التصريح بطباعة الكتاب وغيرها من الكتب، إلا دورها في الصراع الذي تختلقه السلطة حول (من يروي وماذا نروي؟).
لأجل ذلك أيضا، زار أحد المسؤولين في الثقافة الحاج السعيد (أبا سامي) في منزله وطلب منه تسليم ما يملك من وثائق ومخطوطات للوزارة حتى تقوم بأرشفتها وحفظها.
وعرض الرجل مبالغ مالية على السعيد لكي يقوم بتسليم ما يملك والتنازل عن الحق الأدبي، إلا أنه رفض.
وعن سبب ذلك قال السعيد «الذين وافقوا على ذلك، وقّعوا أوراقا تفيد بانتفاء حقهم في نشر الوثائق أو حتى محتواها» وتابع «لقد تم تزييف المعلومات وطمس الوثائق التي تسلمتها الوزارة».
لقد احتفظ أبو سامي بذاكرته وما يملك من مخطوطات في موقف شجاع وواعي، تدفعه غيرته على البلد وتاريخها وآثارها.
ويسجل للرجل أنه قام بإنقاذ الحجر التاريخي لمسجد الجمالة (ثاني أقدم مساجد البحرين)، بعد أن تم هدمه وتحطيمه في عملية إعادة بناء غير مسؤولة.
ويعتبر هذا الحجر نسخة مطابقة لحجر محراب مسجد الخميس (المشهد ذو المئذنتين). وتدارك الرجل بقايا المحراب عندما جمع قطعه المتناثرة من بين الانقاض واحتفظ بها لمدة 10 سنوات حتى أعيد تركيبها مرممة بعد إتمام عملية إعادة بناء المسجد.
لقد كرر الحاج عبدالله بهذا الموقف ما صنعه شقيقه الأستاذ حسن السعيد قبل عقود عندما سمع جيمس بلغريف عن الحجر التاريخي وجاء لانتزاعه، فوقف بوجهه مع مجموعة من الأهالي قبل أن يتراجع.
إنها ذاكرة ورواية يصنعها كل مهتم بتاريخ هذه الجزيرة. رواية تخص الناس لا تخص السلطة، وضع فيها السعيد بصمته بالقدر الذي تيسر له ورحل.