باقر درويش: عن الفزعة الحكومية لترشيد الخطاب الديني

باقر درويش - 2023-06-13 - 8:55 م

كثير من التحريض قليل من التغيير في مظهر الفزعات الحكومية الراغبة بالانقضاض على الخطاب الديني هو الفارق عما سبقه من حملات لم تتوقف منذ سنوات، والهدف الأساسي هو تكبيل فم أي منصة ينطلق منها هذا الخطاب بشتى أنواع القيود مادام ينتقد السياسات الرسمية أو يعاكسها ضمنا في البحرين.
من حيث الشكل: في البدء، كان البيان الصادر بشكل عاجل لوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في مساء يوم الأحد 04 يونيو/حزيران الجاري، ثم التوضيح غير المعتاد عبر صحيفة الأيام المحسوبة على الديوان الملكي في أقل من ساعة عبر ما أسمته مصادر، ثم عودة حواجز التفتيش سيئة الصيت لمداخل منطقة الدراز في الجمعة الماضي، أعقبه تقرير الاستصراحات الموحد الذي وزعته وكالة أنباء البحرين لتنشره الصحافة كما هو تحت عنوان: "فعاليات وطنية تؤكد أهمية إبعاد المنابر عن السياسة وتغليب المسؤولية المجتمعية مراعاةً لمصلحة الوطن والمواطن"، ثم تصريح رئيس مركز النعيم التابع لمديرية شرطة محافظة العاصمة حول مكبرات الصوت، وأخيرا فزعة رئيس مجلس الأوقاف الجعفرية بالدعوة لترشيد الخطاب الديني وتعزيز نهج الوسطية.
أشرت لهذا السرد في التحريض الإعلامي -من دون إغفال حادثة اعتقال العلامة الشيخ محمد صنقور وما تزامن معها- للتعليق قليلا على ظاهرة التهويل الرسمية تجاه الخطاب الديني.
ولا بد من التذكير، لأن الأمر لا يفصل عن سياقه، بأنَّ الاستهداف الأخير للعلامة الشيخ محمد صنقور، بعد عودة منبر الجمعة في جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز منذ قرابة العام، وهو ليس الاستهداف الأول بطبيعة الحال، جاء كما هو واضح في بيان "عدم عودة عقارب الساعة للوراء" الصادر عن الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية مساء 22 مايو/أيار الماضي لأمرين، وهما: إهانة السلطات والتحريض علانية على بغض طائفة من الناس والازدراء بها، والمقصد هنا هو نقد مسعى التطبيع في وزارة التربية والتعليم من دون شك.
ماذا عن فزعة "الخطاب الديني" والترشيد والوسطية؟!
كمن يجلس على طاولته غاضبا وهو يقرر في المساء بعض السياسات الداخلية، كانت الإجراءات تنفذ مساءا، وهذا ليس بتعبير إنشائي، لاحظوا البيانات التي كانت تصدر عن وزارة العدل أو المباحث الجنائية. في البداية كان التحريض هو تحت عنوان: "أحد الخطباء"، ثم "أحد الجوامع"، ثم المنابر الدينية ثم المساجد والحسينيات.
هذا التهويل الذي جاء بعد خطاب منبر جمعة يلامس قضايا الناس والدين بطرح هادئ ومدروس هو ليس بتهويل أو تحريض جديد، مشروع الحكومة في تقييد الخطاب الديني وتجريمه كان ولايزال يخضع لجرعات تلو وجرعات بحسب إيقاع الأزمة السياسية، وهو جزء من مشروع أكبر يندرج في سياق الاضطهاد الطائفي، وليس بعيدا واقع الأوقاف الجعفرية التي لو تم التعدي على الوقفيات والأراضي وتعطيل تثبيت الملكية عشرات السنين وإن كانت موجودة في سجل السيد عدنان الموسوي فلا حاجة لأن يستثير ذلك داعية الوسطية حضرة رئيس الأوقاف، حتى لو كان ذلك يشبه الرد على حملة الدعوة لفتح مقام صعصعة بن صوحان العبدي بإغلاق بابه بالحجارة في وضح النهار.
هل الحكومة مهتمة حقا بحماية حرية التعبير عن الرأي في قبال تجريم خطابات الكراهية؟!، مازال في الأرشيف الإلكتروني لمنتدى البحرين الآلاف من رسائل المحرضة أو المساعدة على التحريض لخطابات الكراهية ضد المعارضة السياسية من مختلف الأشكال: مقالات، تغطيات وتقارير إخبارية، تعليقات مرئية، مات بعض أصحابها ولم تحاسب الحكومة أي مسؤول عنها، طبعا لأنَّ جزءا كبيرا من تلك الخطابات إن لم يكن يصدر من ذات الغرفة الشغالة مسائيا فهو يستفيد من رافعتها. في الحقيقة كلما أسْتحضر مصطلح خطاب الكراهية يرد في ذهني فورا تلك التعليقات التي سبقت الإذاعة الرسمية لخبر إعدام الشهداء الثلاثة: سامي مشيمع وعلي السنكيس وأستاذ عباس السميع، منها من أعلن الخبر قبل إعلانه رسميا وهو في غاية الانتشاء والفرح، ومنهم من علق فرحا في التنفيذ وطربا في رؤية مشاهد الحزن على تلك الجريمة.
عجيب كيف يتم الحديث عن الوسطية والترشيد في الخطاب في بلد كان الناطق الرسمي باسم قوة دفاع البحرين خالد البوعينين يصف فيه الشيعة في تدويناته بتويتر بأبشع ألفاظ العنصرية والازدراء والتكفير حتى، أليس هو الكاتب "عبدة القبور"؟!، ولكن من يسأل أو يحاسب في دولة يعتبر خطاب الكراهية صورة عاكسة للعقيدة الأمنية لوزارة الداخلية التي مازال يرأسها وزير الداخلية راشد آل خليفة، والذي للمصادفة تم تعيينه وزيرا للداخلية في 22 مايو/أيار 2004، في ذات تاريخ اعتقال العلامة الشيخ محمد صنقور 22 مايو/أيار 2023، صحيح أنَّ وزير الداخلية في منصبه منذ 19 سنة بعد سنوات من التنقل في المناصب الأمنية، وهو الطامح لأن يرث صية رئيس مباحث أمن الدولة السابق إيان هندرسون، إلا أن عليه أن يتذكر جيدا عندما مات هندرسون في 2013 عن 83 سنة، لم يحظ بأي تأبين رسمي بريطاني أو بحريني، لقد مات وحيدا!.
*رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان