ملاحظات للسيد الغريفي حول الخطاب العاشورائي: نقص في دراسات السيرة، فهم مراحل عاشوراء، توظيف فعاّل لظاهرة إعادة العشرات

السيد عبدالله الغريفي
السيد عبدالله الغريفي

2023-08-11 - 12:52 م

مرآة البحرين: قدّم العلامة السيد عبدالله الغريفي سلسلة ملاحظات حول الخطاب العاشورائي، فتحدّث عن "نقص دراسات السِّيرة"، ودعا إلى "التعمّق" في مراحل ما قبل عاشوراء ومرحلتها والمرحلة التالية لها، مشيراً إلى أنّ "عاشوراء لا تُفهم فهماً متكاملاً ما لم تُقرأ هذه المراحل بشكلٍ متكامل". ودعا إلى توظيف "ظاهرة إعادة العشرات توظيفاً فاعلاً"، مشيراً إلى أنّ "أجيالنا ما زالت تعيش فراغاً في فهم أدوار الأئمَّة من أهل البيت عليهم السّلام في التّعاطي مع عاشوراء في كل أبعادها".  

وأشار السيد الغريفي، في حديث الجمعة في جامع الإمام الصادق عليه السلام بالقفول، إلى "نقص دراسات السِّيرة"، قائلاً: "يبدو مِن خلال متابعة مسار الخطاب العاشورائي أنَّ هناك بعض النَّقص في الدِّراسات المتعلِّقة بالسِّيرة"، موضحاً "رُبَّما يوجد شيئ مِن السَّرد التَّاريخي إلَّا أنّ ما أعنيه هو الحاجة إلى الدّراسات التّاريخية لمواجهة بعض الإشكالات، ولصناعة ذهنيَّة منفتحة على عاشوراء في كلِّ مراحلها".

وشدد على ضرورة "التعمّق في المراحل التي سبقت عاشوراء والتي عاصرتها والتي جاءت بعدها"، مشيراً إلى أنّ "عاشوراء لا تُفهم فهماً متكاملاً ما لم تُقرأ هذه المراحل بشكل متكامل".

وبشأن مرحلة ما قبل عاشوراء، اعتبر أنّها "تؤسِّس لمبرِّرات انطلاق الثّورة الحُسينيّة، المبرِّرات الموضوعيّة التي تشكَّلت وحتَّمت ضرورة هذه النَّهضة المباركة"، مبيناً أنّ "هذه المبرِّرات ما زالت في حاجة إلى مزيد من الدِّراسة، برغم أنَّ الحُسين عليه السَّلام إمام معصوم فمبرِّرات نهضته معصومة بلا إشكال".

واستدرك قائلاً: "إلَّا أنَّ هذا لا يمنع أنْ تُقرأ هذه النّهضة وهذه الثَّورة وِفْق المعايير الموضوعيّة في مواجهة الإشكالات التي رُبّما تُنتجها الذِّهنيّة التي لا تؤمن بعصمة الثّورة، وبعصمة كل منطلقاتها وأهدافها".

وفيما يتعلّق بمرحلة عاشوراء نفسها، نبّه السيد الغريفي إلى أنّ "الخطاب يتحمّل هنا مسؤوليّة كبرى في عرض وقائع عاشوراء عرضاً مُوثّقاً وسليماً، وهنا الخشية أنْ يجنح خطاب المنبر إلى مرويَّات فيها الكثير مِن التّأمّل والتّحفّظ بهدف الإبكاء وإنتاج الدَّمعة".

ولفت الانتباه إلى أنّ "هذا الهدف مطلوب جداً ما دامت الوسيلة لا تتنافى مع القِيم الكبرى لعاشوراء، وإنْ كان كل مقطع مِن أحداث كربلاء قادر أنْ يملأ القلوب أسىً وحُزناً، ويفجِّر العيون دموعاً وعبرات".

وبخصوص مرحلة ما بعد عاشوراء، شدّد السيد الغريفي على أنّ "هذه المرحلة لها أهمِّيتها وقيمتها الكبرى"، ملاحظاً أنَّ "هذه المرحلة لا تحظى باهتمام خطاب المنبر في الكثير من تفاصيلها، نستثني بعض تفاصيل ما حدث لسبايا عاشوراء، فهي محل اهتمام خطاب المنبر".

وأضاف أنَّ "قراءة هذه المرحلة لها أهميَّتها العظمى بكلِّ أحداثها الثّقافية والرّوحيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة، وهنا الضَّرورة أنْ تُدرس الثّورات التي انطلقت بكلِّ تنوّعاتها في الأهداف والولاءات، ومدى علاقتها بمنطلقات عاشوراء وقيم كربلاء، وماذا كان موقف الأئمة عليهم السَّلام من هذه الثّورات".

وبيّن أنّ "هناك منهجان في الطَّرح المنبريِّ: المنهج الأوَّل هو أنْ ينطلق الخطاب المنبري من آية قرآنيَّة أو نص نبويّ، أو كلمة لأحد المعصومين عليهم السَّلام ويتناول بحثاً علمياً مستوعباً في طرح منبريّ راقٍ، وفي نهاية الطَّرح يُعرِّج الخطاب على كربلاء".

وأردف قائلاً: "المنهج الثَّاني أنْ ينطلق الخطاب المنبري من كربلاء"، ضارباً مثلاً بأنْ "يتحدَّث الخطابُ عن الإصلاح فينطلق من كلمة الإمام الحسين عليه السَّلام: "إنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح ..."، فيعالج الخطاب الإصلاح بكلِّ مكوِّناته ومساراته"، مضيفاً أنّه "هنا يأتي النَّص القرآني والنَّبوي وما صدر عن المعصومين عليهم السّلام داعماً ومؤيِّداً".

وفيما أشار إلى أنّ "الطَّرح في المنهجين واحد" نبّه السيد الغريفي إلى أنّ "هناك فارقاً مهمّاً"، فـ "في المنهج الأوَّل "كربلاء تستلم المفاهيم" وفي المنهج الثَّاني "كربلاء تُعطي المفاهيم"، مستدركاً بالسؤال: "فأيُّ المنهجين هو الأولى؟"، مجيباً بالقول: "اترك الأمر لأساتذة المنبر. لا بأس أن يُفتح حوار علمي جاد حول هذه المسألة".

وتحدّث السيد الغريفي عن "ظاهرة إعادة العشرات" التي قال إنّه "أصبح لها حضور في أكثر المناطق"، معتبراً أنّ "أصل الظَّاهرة لا تحفُّظ عليها"، مكرّراً القول بـ "ضرورة توظيف هذا العشرات توظيفاً فاعلاً".

وأكد أنّ "النّسخة العاشورائيّة الأولى لها خصوصيّتها فيما يتّصل بتفاصيل مصرع الإمام الحسين عليه السّلام ومصارع شهداء كربلاء، والخطباء الأجلَّاء حفظهم الله ملتفتون إلى هذه الخصوصيَّة، وحُضّار العشرات من المؤمنين يُدركون ذلك أيضاً"، داعياً إلى "ضرورة الحفاظ على هذه النُّسخة العاشورائيَّة، فلا تتكرّر ولا تُعاد في العشرات".

وذَكَر أنّ "بعض التَّفاصيل حول أحداث عاشوراء ما زالت في حاجة إلى مقاربة، وخاصَّة فيما يتَّصل بسيرة أنصار الإمام الحسين عليه السّلام"، موضحاً أنّ "العشرات فرصة مناسبة لمعالجة هذا الفراغ، فمنبر عاشوراء لا يتناول إلَّا عدداً محدوداً من الأنصار، فما أحوج أجيالنا العاشورائيَّة لأنْ تطَّلِع على سيرة هؤلاء القمم الذين أصبحوا عناوين كبرى في دنيا البطولة والشَّهادة، واقتحموا التَّاريخ من أوسع أبوابه، وكانوا خالدين ما بقيت الدّنيا، ولهم في الآخرة مقعد صدقٍ مع الحسين عليه السّلام".

وتوقّف السيد الغريفي عند "ما أعقب عاشوراء من تغيُّرات في السَّاحة الإسلاميَّة، على مستوى صناعةِ وعي الأمَّة من جديد وإنتاجِ روحِ الصُمود وتنشيط قِيَم الرِّسالة وبعث إرادة الجهاد، والدَّفعِ في اتِّجاه الحَراك الثّوري"، معتبراً أنّ "هذه بعض متغيِّرات في غاية الأهميّة".

وأضاف أنّ "الحاجة كبيرة لأنْ يُعالج خطاب المنبر هذا المقطع التّاريخي بكلِّ متغيّراته المفصليّة"، مؤكداً أنّ "العشرات فرصة كبيرة لمعالجة هذه المساحة التاريخيَّة بكلّ متغيّراتها الكبرى، وبكل تفاعلاتها مع ثورة الإمام الحسين عليه السَّلام، وكم اقتربت أو ابتعدت عن أهداف كربلاء".

وإذ أشار إلى أنّ "قراءة أدوار الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام بعد عاشوراء في تأصيل أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام مسألة في غاية الأهميَّة"، تساءل: "هل أعطى خطاب المنبر هذه المسألة اهتماماً؟"، قائلاً:" "كم هي فرصة العشرات مناسبة جدّاً لمعالجة هذه المساحة".

وختم السيد الغريفي حديثه بقوله: "أجيالنا ما زالت تعيش فراغاً في فهم أدوار الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام في التّعاطي مع عاشوراء في كل أبعادها الوجدانيّة والفكريّة والرّوحيّة والجهاديّة، وبقدر ما يرتقي هذا الفهم يرتقي التّعاطي مع عاشوراء، ويرتقي الحضور الفاعل لعاشوراء".