العكري في حكايته الأصعب التي لم ينهها: كل من أخطأ سيحاسب! (الحلقة الأخيرة إلى حين..)

2012-10-15 - 4:35 م


مرآة البحرين (خاص): هذه الحلقات لم يُكتب لها أن تكتمل. قرار القبض كان أسبق منا وأنفذ.. الأربعاء 3 أكتوبر كان هو موعد جلستنا التالية مع الدكتور علي العكري. لكن نطق محكمة التمييز بتأييد حبسه لـ5 سنوات سبقنا في 1 اكتوبر، وتنفيذ قرار (القبض) سبقنا في 2 أكتوبر. 

سننشر ما أُنجز منها، مما خصنا به قبل أن يصير في قبضة الجلاد مرة أخرى، وسنكمل معكم يوماً باقي تفاصيل الحكاية، بلسان العكري نفسه.. 
نعدكم بذلك، ونعد التاريخ.. نعدكم أن نبقى أوفياء، نكتب تفاصيل كل سيرة صنعت هذه اللحظة الوطنية التي ما زلنا نعيشها، فتاريخ 14 فبراير هو مجموع هذه السير.

الألم يجمعنا..

منذ يوم 17 فبراير، صار اتفاق على إصدار بيان إدانة من جمعية الأطباء. خلال يومين تمت صياغة ما يقارب 4 بيانات كمسودات. رُفضت جميعها، واعتمدت الأخيرة في بيان مشترك بين جمعيتي الأطباء والأسنان. ألقي البيان بعد العودة إلى الدوار في 20 فبراير في المسيرة التي خرجت نحو الدوار بعد انتهاء الدوام الرسمي. كان رئيس جمعية الأطباء أحمد جمال هو من ألقى البيان، وتضمن مطلب الكوادر الطبية في استقالة وزير الصحة. 

صباح يوم الجمعة 18 فبراير. يقرر عدد من أفراد الكادر الطبي عمل وقفة تضامنية تدين ما حدث على المواطنين والكادر الطبي، بينهم علي العكري. يتم الاتصال بجمعية الأطباء. يتقرر عمل وقفة تضامنية خاصة بالكادر الطبي عند الساعة الثانية ظهراً في باحة الطوارئ. على أن يرتدي المعتصمون الزي الرسمي. يصاغ بياناً باسم منتسبي الحقل الطبي. وسائل التواصل المجتمعي من المسجات وتويتر والفيس بوك تلتقط الخبر سريعاً ويصير النشر ضغطة زر لا تتوقف. "تفاجأنا بالاعلان عن الوقفة التضامنية في بعض المساجد بعد صلاة الجمعة، عند الثانية ظهراً ذهبت لمكان الاعتصام وتفاجأت بالحضور الحاشد والكبير"، يقول العكري.

أعداد من المتجمهرين لا ينتسبون إلى الكادر الطبي يقفون داخل الباحة معتصمين منذ اليوم السابق. المسعف ابراهيم الدمستاني يعلن في الميكرفون: المعذرة ولكن هذه الوقفة لها خصوصيتها، هي وقفة خاصة بالكادر الطبي فقط. الجميع يتفهم. تُخلى الساحة للكادر الطبي. كل يرتدي زيه الرسمي. تصير باحة الطوارئ بحراً من الأبيض، والأزرق، وسترات المسعفين الصفراء. تختلط الألوان جميعها وتتمازج كما لم تكن من قبل. الكتف بالكتف والهتاف بالهتاف والهم بالهم. الألم يجمع، تماماً كما يفعل الأمل. 

"ما لا يقل عن 60٪ من منتسبي الصحة كانوا هناك. لأول مرة في تاريخ وزارة الصحة يجتمع منتسبو الصحة على قلب واحد ومثل جسد واحد. دائماً ينظر للكوادر الطبية أنها طبقية: الاستشاري ثم المساعدين من الأطباء ثم الممرضين والممرضات ثم الكتاب وهكذا. ثمة حاجز طبقي موجود وتراتبيات وظيفية مزعجة. الحدث المشحون بالألم أذاب هذه الطبقات. رأيت في عيون عمال التنظيف الغبطة أنهم يقفون صفاً مع الاستشاريين والاطباء، أسعدني أن الهدف المشترك قد أزال الحواجز بين الجميع وأذابهم معاً". 

قرابة 2000 من منتسبي الكادر الطبي يقفون الآن في باحة الطوارئ. ضخامة العدد والحماس الطاغي، حوّل الوقفة إلى مسيرة. تحركت إلى الزاوية الشرقية الجنوبية مدخل كلية الطب. لم تتمكن من الحركة أكثر من دورتين بسبب ضخامتها. استغرقت الأمر قرابة ساعة.

رصاص الجيش ونقص الدم

 
ابراهيم الدمستاني واقف يلقي البيان الختامي حين بدأ الجميع يسمع صوتاً قادماً من بعيد. "سمعنا صوت طلقات نارية. استغربنا. لم يلبث أن وصل إلينا أن مجموعة من الشباب قد خرجوا من ختام مجلس عزاء علي مشيمع متجهين نحو الدوار، وأن الجيش قد ضربهم"، يكمل العكري "مباشرة قلت للجموع: لنفض التجمهر، والأطباء إلى العمل ". 

بدأت الحالات تأتي، من حسن الحظ أن الكادر الطبي متواجد في السلمانية: "كنت في وحدة الطوارئ. وصلت حالات الاختناق، قبل أن تصل حالات الرصاص الحي، وحالة عبد الرضا بوحميد".

تحولت باحة الطوارئ إلى ميدان اعتصام من جديد، الفوضى العارمة من جديد، الهياج الغاضب من جديد. العكري يشعر بالانزعاج   والخوف من عدم القدرة على العمل بشكل مناسب: "مشكلتنا هي الفوضى العارمة التي تحدث وصعوبة التواصل". 

"ذهبت إلى غرفة العمليات، وهناك اكتشفت أن لدينا شحة في أكياس الدم. احتياج كبير للدم في غرفة العمليات والطوارئ. توجهت الى بنك الدم واعلنت الحاجة. على الفور خرج الشباب يحملون يافطات مكتوب عليها: نحتاج O- ". يكمل العكري: " كانت غرفة التبرعات مغلقة. اتصلت برئيسة بنك الدم، قلت لها: الدنيا مقلوبة وهناك حاجة ماسة للدم. اتصلت رئيسة بنك الدم بالادارة وسمحوا لها. جاءت مع عدد من الموظفين". يكمل العكري: " كان أفضل ما قدمه المتجمهرون حينها، أن المئات تبرعوا بالدم. اصطفوا من أجل التبرع. جمعنا في تلك الليلة ما يقارب 800 كيس دم في وقت قياسي. وهي أكبر حملة شهدتها البحرين". يثني العكري: "الجميع وضع أمام مسؤولية تاريخية واستحاب لها بكل مسؤولية، الجميع كان يعمل كخلية نحل، بنك الدم انتعش، الثلاجات امتلأت، فصائل الدم كلها صارت متوافرة. تم إرجاع مئات المتبرعين، كان التبرع مقصوراً على الرجال بسبب خصوصية وضع النساء، بعض النساء لم يقبلن وأخذن (يهاوشننا) كي نقبل تبرعهن بالدم".

انتهى ذلك اليوم بالنسبة للعكري عند هذا الحد، "مررت على العمليات مرة واحدة. سألت: تحتاجوني؟ قالوا لا، هناك عدد كاف من الأطباء يعملون. أوقفنا عدد من الصحافيين كانوا يقومون بالتصوير وعمل اللقاءات، علمنا أنهم دخلو بتصريح من أمين الساعاتي، كان كل من أمين الساعاتي ووليد المانع موجودان في المستشفى ويقومان بتفقد المكان والحالات. حدثت لقاءات لي مع بعض الصحف، قدمت تصريح لقناة الجزيرة".

التأهب لـ19 فبراير

"أتقلب على سريري بعين لا تتقن غير تقليب الصور التي عايشتها طوال اليوم. لليوم الثاني على التوالي عيناي تجافيان النوم. فجراً تصلني رسالة هاتفية من تلك التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي: العودة إلى الدوار من ثلاث جهات بصدور عارية من النعيم والسنابس والمرفأ المالي، الساعة الثالثة عصراً.   القلق والـأرق يأخذان مني كل مأخذ: يا إلهي. ماذا يمكن أن يحدث غداً؟ إذا كانت مجرد محاولة بسيطة للوصول إلى الدوار يوم الجمعة نتجت عنها كل هذه الاصابات، ماذا سيحدث غداً؟ آه.. مالعمل؟".

شقشق صباح يوم السبت 19 فبراير 2011. العكري لا زال يتقلب في سريره بلا نوم. "لم أستطع الانتظار أكثر. الساعة السادسة صباحاً غادرت سريري وجلست على الدرج كي لا أزعج زوجتي وأطفالي النائمين، اتصلت بجاسم المهزع رئيس قسم الطوارئ، كنت أود أعلمه بقرار المحتجين بالعودة إلى الدوار، وذلك لأخذ الاحتياطات في المستشفى؟ لم يرد. تركت له مسج". يكمل العكري "ثم اتصلت في أمين الساعاتي، قال لي: ويش عندك يا علي مقعدنا من الصبح؟ أخبرته عن الرسالة المتناقلة، قرأتها له. قال: من أين   المسج، قلت: من جماعة حق كما يبدو. أكدت أنه يجب أن تؤخذ على محمل الجد وأن نعد العدة لتنظيم أمورنا واتخاذ الضربة الاستباقية كي لا نتفاجأ بحالات نحن غير مهيئين لاستيعابها. قلت له: هذا ليس حادث هذا حدث، الحادث نفاجأ به بينما الحدث نعيشه ونتعامل معه ونستعد له. هذه الأجواء تذكرني بغزة، وأضفت: في غزة كنا كادراً طبياً متكاملاً من مختلف الاختصاصات، تم تهيئة المكان والأسرة ليكونوا على أهبة الاستعداد. قلت له هذا العمل سيكون في رصيدك، وتحت مظلتك وتوصياتك". 

يكمل العكري: " سألني الساعاتي: ماذا تقترح؟ قلت الاستفادة من جميع الكوادر التي لها خبرة في هذا المجال. حسن التوبلاني مهيأ للتعامل مع الطوارئ لخبرته في الفورمولا، كذلك باسم ميرزا، وأمل الديلمي. وأضفت: باسم ضيف أيضاً إداري ورئيس قسم،   قال دعنا نجتمع الساعة 8:30 في المستشفى".

"الجميع أبدى استعداده وتفانيه للعمل. صار الاجتماع مع الساعاتي وحوالي 6 من الكوادر الطبية المهيأة. الفكرة إننا وعلى ضوء ما يتداول نكون في المحيط للمساعدة، ويكون هناك استعداد لما يقارب 10 عمليات يومياً، بدلاً من عمليتين في العادة. أمين الساعاتي أصدر بعض القرارات اللفظية، أن يكون هناك فريق للعمليات بمختلف التخصصات. أوكل مهمة رئاسة العمليات إلى باسم ضيف، وأوكل إلى كاظم زبر رئيس مجلس إدارة العمليات، وطلب من هدى نائبة رئيسة العمليات، وطلب من الأقسام ذات الصلة مثل العظام والجراحة التعاون مع باسم في تجهيز أمورهم في العمليات إلى الأسوأ". 

يكمل العكري: "باسم وهدى خرجا من الاجتماع وأجريا اتصالات بناء على تعليمات الساعاتي. الطوارئ كان فوضى عارمة. كان لابد من تشكيل فرق طوارئ للانعاش تتكون كل فرقة من ممرضين ومسعفين وجراح وطبيب انعاش وطبيب تخدير. الهدف هو تنظيم العمل من أجل أن لا يتدخل أحد في عمل الآخ، بحيث كل مريض يأتي يستلمه فريق متكامل. تقريباً تم تجهيز 20 فريق. التوبلاني صار مسؤول عنه. تم أيضاً تجهيز فريق لتصنيف الاصابات، صارت فاطمة حاجي مسؤولة عنه لفترة. بعد تبلور الفكرة طُلب من الأطباء المناوبين الحضور إلى غرفة الاجتماعات، حضر 200 طبيب. تم التصنيف. من التنظم الجميل الذي حدث، أن عادل بوجيري رئيس قسم الأطفال عمل طوارئ للأطفال، ونظموا فرق طوارئ أيضاً ". 

بداية النكوص..

هكذا سار الأمر سريعاً ومنظماً، الكادر الطبي بأكمله تهافت لتأدية دوره الإنساني، لم تكن لعبة الطائفة (التي لعبتها السلطة فيما بعد) قد ابتدأت لتقسم الأطباء إلى فريقين، الجميع أخذ على عاتقه التعامل المهني والإنساني مع الوضع، وتهيأ ليؤدي دوره الطبيعي الذي لا دخل للسياسة به. لكن هل تسير الأمور بهذه المثالية؟ أو لنقل هل تترك على سجيتها الإنسانية؟ 

نكمل مع العكري: "خرج أمين الساعاتي من الاجتماع وذهب إلى ادارة المستشفى وأخبرهم بما تم اقراره في الاجتماع. في هذه الفترة بدأت عبارات التسقيط لعلي العكري من قبل بعض أعضاء جمعية الأطباء، تتضمن اتهامات بالتجاوز. قلت لهم أن كل ما حدث هو تنفيذاً لتعليمات أمين الساعاتي، صار خلاف حاد ومناوشات، ثم هدأت الأمور والنفوس".

لم يقف الأمر عند هذا الحد، تطور الأمر أكثر: "عند الساعة الحادية عشر صباحاً، تلقيت اتصال من الادارة، تحديداً من سكرتيرة أمين الساعاتي، تطلب مني الحضور لاجتماع. شممت رائحة نكوص واستشعرت الغدر. في طريقي اليهم التقيت الدكتور عبد الخالق العريبي وطلبت منه أن يأتي معي. في الاجتماع كان هناك مجموعة من رؤساء الأقسام والاداريين ورئيس الأطباء ورؤساء الدوائر ورئيس جمعية الأطباء ونائب الرئيس وجاسم المهزع رئيس قسم الطوارئ. قال الساعاتي: نشكر الدكتور العكري على مبادرته، لكن تعرف علي، أن المستشفى فيه دوائر تعمل. قلت: يعني؟ قال: ستكون هناك استعدادات. قلت له: أريد أن أعرف، اجتماعنا الأول هل لا تزال قراراته نافذة؟ قال: نعم أكيد نافذة، لكن بالنسبة للطوارئ جاسم لديه تحفظات، ثم تكلم المهزع وقال بأنه سيقوم بنفسه بتنظيم عمل الطوارئ ولا يريد تدخلات".

شعر العكري بأن الأمر لا يعدو عن كونه تسكيتاً وتراجعاً عما دار في الاجتماع الأول. قال لهم "الفكرة هي الاستعداد للحدث لا شيء آخر، وأضاف، عندما يكون هناك سباق (الفورمولا) أو سباق (الهجن)، فأنتم تحضرون عشرات الفرق من الاسعافات، والآن في وضع مثل هذا لا يوجد احساس بما يمكن أن يحدث من تدافعات وإصابات، لا يوجد فريق اسعاف واحد. أنتم مسؤولين أمام التاريخ أن لا توفروا اسعاف ولا عيادة صغيرة. هذا استهتار بأرواح الناس. كل من أخطأ سيحاسب. إدارة الأزمة سيئة جداً. واليوم اختبار كبير. فقط اعملوا المطلوب منكم لا أكثر". قال المهزع مخاطباً العكري: أريد منك شيء واحد، أن تكون أنت المنسق العام. شعر العكري بمحاولة التملص من المسؤولية من أجل القائها كاملة عليه ، أجاب: "اسمح لي، أنا لا أعدو أن أكون أكثر من طبيب في قسم جراحة العظام، إذا طلب مني سأدخل العمليات، وإذا احتاجوا لي فأنا مستعد أن أكون عامل نظافة في الطوارئ، لكن ليس مسؤولاً.

يكمل العكري: "قالوا لي: سنجعل جمعية الأطباء تسجل أسماء المتبرعين. قلت لهم ما دخل الجمعية في هذا الموضوع؟ كل ما في الأمر هو أننا أمام إدارة عليها أن تنظم عملها فقط. خرجت"

انسحاب الجيش..

 
نزل العكري في الطابق الأرضي، كانت رولى الصفار تجمع ممرضاتها وتنظم العمل معهن حسب التعليمات التي صدرت منذ الصباح. السر كله في التنظيم. نظمت رولى فرق من الممرضات ليشكلوا سلسلة بشرية لصد المتظاهرين ومنعهم من التدافع على مدخل الطوارئ، وذلك لضمان مرور الحالات دون عرقلة. كما طرحت فكرة إبعاد المتظاهرين عن مدخل الطوارئ ما يقارب 20 مترا. كما تم تنظيم فريق متطوعين يقف مصطفا عند بوابة الطوارئ، بحيث ما إن يصل مصاب أو مريض حتى يقوم أحدهم بتسلمه من عند المدخل وتوجيهه للمكان المناسب. 

لم يكن ولي العهد قد أمر حينها بانسحاب آليات الجيش والدفاع. ولم يكن أحد يعلم أن ذلك سيحدث أصلاً. الجميع في حالة الاستنفار القصوى. صار وقت النزوح إلى الدوار. "في البداية حدثت مواجهات، وصلتنا قرابة 100 حالة من الاختناقات والشوزن. بعد الواحدة والنصف جاءنا خبر انسحاب الجيش. شعرنا بسعادة غامرة بحقن الدماء وألقينا من كاهلنا صخرة ثقيلة من الهمّ والقلق والقلق المهلك. عند هذا الحد أسدل الستار على موضوع اللجنة وانتهى دورها. لكن بقت الفكرة موجودة والحاجة لها لم تنته. بالفعل تم تنفيذ جزء كبير منها في الأسابيع القادمة مع عودة تصاعد أعمال المواجهات ودخول البلطجية على الخط".

عاش البحرينيون اللحظة التاريخية التي لن ينسوها، انسحاب الجيش والعودة إلى الدوار بتاريخ 19 فبراير، الفرحة غمرت الجميع وكذلك الحلم. ظن الجميع أنها بداية الاستجابة لمطالب الشعب، شعروا أنهم وشيكون جداً من تحقيق حلم الشعب بإصلاح حقيقي. كان هذا فيما يخص الشعب. لكن فيما يخص دور الكادر الطبي، هل انتهى إلى هنا؟ "في الدوار نصب أحد الوجهاء خيمة طبية في اليوم نفسه. بدأ تأثيث الخيمة بشكل سريع، وصلت تبرعات. وزارة الصحة بدورها أبدت استعدادها لتأثيث ما أسمته (عياة دوار مجلس التعاون). الدكتور عبد الخالق بشكل تطوعي باشر العيادة. تم توفير إسعافين على مدار الساعة".

في باحة الطوارئ لم ينفض التجمهر. حتى بعد أن غادرت الحشود إلى الدوار بقت مجموعات غير مطمئنة تهجس بتتكرر الهجمة على الدوار مرة ثاينة.

إقالة الوزير..

"لا يزال همنا إسقاط الوزير خصوصاً بعد ظهوره في التلفزيون وادعائه أن كل ما وصل إلى المستشفى في 17 فبراير هي 7 حالات بسيطة فقط. حاول الوزير الحمر أن يهون الموضوع ويبسطه أمام الرأي العام. لم يكن مقبولا هذا الكذب ونكران الواقع. خرجنا يوم الأحد بعد الدوام الرسمي في مسيرة بالزي الرسمي، لم يكن أي أحد من المشاركين على المناوبة، وكان هذا ضمن الأمور التنظيمية   للمسيرة أن لا يترك أحد عمله. خرجت مسيرة ضخمة جداً سارت من بوابة المستشفى وحتى الدوار، رفضنا مشاركة أي شخص لا ينتمي للحقل الطبي، المطلب الوحيد هو إسقاط وزير الصحة. تكررت بعدها بيومين، وأخرى بعدها بأسبوع. هناك مسيرات صغيرة أخرى خرجت لأقسام مختلفة من وزارة الصحة، خرجت مسيرة تمثل قسم الصيانة يوماً، وأخرى تمثل العلاج الطبيعي في يوم آخر وهكذا يكمل العكري "في نفس الوقت أطلقت حملة لجمع تواقيع تطالب وزير الصحة وجهازه التنفيذي بالتنحي. التفاعل مع العريضة وصل لأكثر من 5000 توقيع. وبالفعل تمت إقالة وزير الصحة واعتبر وزير تأزيم. وعين الوزير الجديد".

انقلبت الموازين بسرعة داخل وزارة الصحة، وانقلبت معها مواقف أيضاً. تفاجأ العكري في يوم إقالة الوزير باتصالين. "الأول من محمد أمين العوضي رئيس الأطباء، قال لي أريدك بسرعة. أدخلني وأقفل الباب. سألني: تريقت؟ ثم قدم لي شاي حليب وماي وسندويشات من الحجم الصغير. كان يبرر عدم وجوده. قلت له أنا لست في موقع المساءلة لتلقي علي التبرير" ذهبت لمكتبي يكمل العكري: " زارني في مكتبي علي ابراهيم نائب رئيس الأطباء وقال لي: أنا يوم الخميس كنت أول الواصلين للإدارة، واتصلت بوزير الصحة 7 مرات حتى رد عليّ أخيراً، وأخبرته بالوضع. قلت له: نعم لقد رأيتك. كنت متعجباً من سبب الاهتمام المفاجئ بإبلاغي بالتفاصيل وأنا لست في موقع مساءلة ولا مسؤولية لأحد. هل كان ذلك بسبب جملتي التي قلتها لهم في ذلك الاجتماع الذي سجل نكوصهم: "كل من أخطأ سيحاسب"؟ هل كانوا يخافون من شيء؟ لا أعرف".

كدت أُضرب..

 
بعد السماح بالعودة إلى الدوار، صار العكري يرى وجود المتجمهرين في باحة الطوارئ بلا داعٍ. حاول أن يوصل ذلك إلى المتجمهرين "ليلاً ذهبنا للمتجمهرين في باحة الطوارئ، أنا ونبيل تمام ورولى الصفار. قلنا لهم: يا جماعة، نحن ككوادر طبية سننتقل إلى الخيمة الطبية في الدوار، أنتم دوركم هنا قد انتهى. هاجمنا البعض: من قال إننا سنمشي؟ قلنا: كي لا يُحسب عليكم أنكم تحتجزون المكان. في الوقت نفسه اعتلى أحمد جمال المنصة، وتكلم إلى المتجمهرين هو والدمستاني، قالا إنه الآن قد سمح لكم بالعودة إلى الدوار. لم يعجب المتجمهرين الكلام. أوشكت فوضى أن تحدث. أخذتُ جانباً 5 من الناشطين منهم، دخلت معهم إلى غرفة انتظار الأهالي، هدأتهم، قلت لهم إن ذلك يضر العمل، وأن المرضى لن يتمكنوا من الدخول، البعض استجاب والبعض رفض، أحدهم اسمه عباس، كان يحمل حطبة (خشبة) وأوشك أن يهاجمني".  

عند الواحدة ظهراً من اليوم التالي تلقى العكري اتصالاً لحضور اجتماع في مكتب الوكيل أمين الساعاتي. غسان ضيف أيضاً. كان الاجتماع بخصوص المتجمهرين في الباحة، " قال الوكيل إن الوزير كلّمه عن المتجمهرين الذين يضعون خيام عند المدخل. قال أنتم أفضل من يمكن أن يكلم المتجمهرين لينفضوا. قلت له: أنا لا نفوذ لي عليهم كلمهم أنت. أضفت: البارحة كلمتهم وكدت أُضرب بحطبة". 

مساء اليوم نفسه، ذهب العكري وتحدث مع المجموعة نفسها، "لم يكن بينهم عباس الذي كاد أن يضربني، لكنهم لم يقبلوا. عدت للوكيل وأخبرته" يكمل العكري " كان ضد هذا التصرف تماماً لهذا لم أذهب للخيمة التي نصبت في الباحة ولم أشارك في فعالياتها ولم ألق أي خطبة، عرفت فيما بعد أن مجموعة من الشباب تداولوا عريضة ضدي لمطالبتي بإخلاء باحة الطوارئ، البعض رفض التوقيع".
 
في الدوار، بدأت الأمور تنساب بهدوء. مع الوقت صار كل شيء منظماً ومسترسلاً وحالماً. الخيمة الطبية صارت جزءاً من المكان بتجهيزات موقعة من إدارة السلمانية. "فتحت العيادة الطبية بالدوار وصرت أذهب لها بشكل طبيعي. أذهب الخيمة بشكل يومي بعد انتهاء الدوام. عملنا جدول مناوبة ونظمنا العمل التطوعي فيما بيننا. ناوبت ليلاً مرتين".

لم ننته بعد.. سارت الأمور هادئة بعد 19 فبراير وحتى الأسبوع الأول من شهر مارس. ارتفعت وتيرة الأحداث بعدها إلى حدها الأقصى، قبل أن يعلن قانون الطوارئ، وتنتشر قوات درع الجزيرة عى طول البلاد وعرضها، ويتم الهجوم الثاني على الدوار، ويستباح كل شيء، وقبل أن يتم إلقاء القبض على 48 من أفراد الكادر الطبي على رأسهم العكري، ويتعرض لتعذيب همجي بربري، ويحكم عليه بـ15 عاماً من السجن في المحاكم العسكرية، تخفف إلى 5 أعوام في المحكمة العادية، وقبل أن يداهمنا أمر القبض عليه في 2 أكتوبر الماضي، ليقطع علينا تسلسل الحكاية الأصعب في قضية الكادر الطبي: حكاية الطبيب الذي تقرر أن يكون كبش فداء الطاقم الطبي. 


لكن الحكاية لم تنته بعد، فهي لا زالت تصنع أحداثها وفصولها داخل السجن، ستبقى تنتظر العكري خارج السجن ليضع نقطتها الأخيرة، لذلك انتظرونا يوماً، فنحن أيضاً لم ننته بعد..



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus