"قتل بطيء": مئات السجناء ينظمون أكبر إضراب عن الطعام في البحرين

سجن جو (أرشيف)
سجن جو (أرشيف)

يوروبا جمال - موقع الجزيرة - 2023-08-31 - 4:31 م

ترجمة مرآة البحرين

لا يزال إبراهيم شريف يستذكر رؤية الدماء على جدران السجن العسكري الذي سُجن فيه، بعد فترة قصيرة من مشاركته في احتجاجات الربيع العربي في العام 2011 في البحرين.

اعتُقِل الذي كان آنذاك أمين عام أكبر جمعية سياسية يسارية في الدولة الخليجية- جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) - إلى جانب غيره من القادة المحتجين في تلك الفترة، والذين حوكموا وسجنوا من قبل محاكم عسكرية.

وصرّح شريف لموقع الجزيرة أنّه "جرى تعذيبنا بشدة"، مستذكرًا الضرب والتحرش الجنسي الذي تعرض له، فضلًا عن صعق بعض أقرانه بالكهرباء.

وأضاف أنه بعد وقت قصير من إجراء تحقيق مستقل، نُقِل زعيم المعارضة وآخرين شاركوا في الاحتجاجات الحاشدة المؤيدة للديمقراطية إلى نظام السجون المدنية، وعندها فقط توقف التعذيب.

وقال شريف إن الأمور كانت بشكل ملحوظ أفضل في هذه السجون لعدة سنوات، إذ تمكن السجناء من مغادرة زنازينهم أثناء النهار للصلاة في المسجد، أو استخدام المكتبة، أو لعب كرة القدم في الهواء الطلق.

لكن وفقًا له، تدهورت الأوضاع بعد اندلاع أعمال شغب في العام 2015.

وبعد حوالي عقد من الزمن، يُحتجز السجناء - الذين يعاني الكثير منهم في نظام السجون منذ العام 2011 - في زنازينهم لمدة تصل إلى 23 ساعة يوميًا، ويُحرَمون من العلاج الطبي، ولا يُمنحون إمكانية الوصول إلى التعليم، وفقًا لما ذكره معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، الذي يتخذ من لندن مقرًا له.

وأفاد المعهد أنّ بعضهم يُحتَجَز أيضًا في السجن الانفرادي.

نتيجة لتدهور الظروف  [في السجن] على مدى سنوات، نظّم  أكثر من 800 سجين أكبر إضراب عن الطعام على الإطلاق في البحرين منذ أوائل أغسطس/آب الحالي، مع احتجاز عدد من السجناء السياسيين المضربين في أكبر سجن في البلاد، وهو مركز الإصلاح والتأهيل في جو.

كما نزل أهالي السجناء إلى الشوارع للاحتجاج والمطالبة بالإفراج عن أحبائهم.

ويوم الإثنين، بعد 22 يومًا من الإضراب عن الطعام، اجتمعت السلطات البحرينية مع مجموعات المناصرة لمناقشة الإصلاحات. لكن السجناء يقولون إن هذه المقترحات بالكاد تعالج مخاوفهم، ولذلك تعهدوا بمواصلة احتجاجهم. وقال سيد أحمد الوداعي، وهو المدير التنفيذي في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، "إنّ الغضب من هذا الظلم [لم يعد] يمثل مشكلة خلف جدران السجن. هو الآن مشكلة في الشوارع البحرينية".

"قتل بطيء"

في الوقت الذي يُعتَبَر فيه إبراهيم شريف محظوظًا لعدم قضائه أكث من خمس سنوات في السجن، صدرت أحكام على آخرين بالسجن مدى الحياة. ومن بينهم عبد الهادي الخواجة، المرشح لجائزة نوبل للسلام، والذي يصفه الوداعي بـ "الأب الروحي" لحراك حقوق الإنسان في البحرين.

وصرّحت مريم الخواجة، وهي ابنة عبد الهادي، وتعيش حاليًا في الدنمارك، لقناة الجزيرة أن "الحرمان من العلاج الطبي قتل بطيء" مضيفة أن "الإضراب عن الطعام يعرض والدي لخطر الإصابة بنوبة قلبية. لكنه كان بالفعل في خطر لأنهم رفضوا السماح له بزيارة طبيب القلب".

وليس الإضراب عن الطعام جديدًا على عبد الهادي الخواجة، فقد استمر أطول إضراب له عن الطعام لمدة مئة وعشرة أيام في العام 2012.

لكنه الآن لن يتمكن من الاستمرار لفترة طويلة، على حد قول مريم، بسبب حالته الصحية، التي تشمل معاناته من عدم انتظام ضربات القلب، والمياه الزرقاء، والألم المزمن بسبب الصفائح المعدنية في فكه بعد تعرضه للضرب المتكرر من قبل سلطات السجن، من بين عدد من القضايا الأخرى.

زخم للاستمرار

وفقًا للوداعي، حظيت الاحتجاجات بالزخم، إذ تضاعف عدد المضربين عن الطعام منذ بدء الإضراب في 7 أغسطس/آب.

ويشارك حاليا 804  من السجناء، بحسب قائمة المضربين عن الطعام التي جمعها معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، والتي راجعها موقع الجزيرة.

ولم يؤد اجتماع يوم الاثنين بين الحكومة وجماعات المناصرة سوى للقليل لتهدئة الإضراب عن الطعام.

فقد التقى وزير الداخلية الفريق أول الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة بعدد من المدافعين عن حقوق الإنسان، من بينهم رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ورئيس هيئة حقوق السجناء والمحتجزين، وفقًا لبيان لوزارة الداخلية.

ونوقش في الاجتماع الخدمات الصحية للنزلاء، ومراجعة نظام الزيارة الحالي، وزيادة الوقت المخصص يوميًا في الخارج من ساعة واحدة إلى ساعتين.

وشدد آل خليفة على "التعاون المستمر بين وزارة الداخلية ووزارة التربية والتعليم في تقديم البرامج والخدمات التعليمية للنزلاء وتسهيل استكمال دراستهم في كافة المراحل".

لكن الوداعي قال إن الاجتماع "غير كافٍ ومتأخر جدًا" وإن الحكومة ما زالت غير قادرة على الاستجابة للمطالب الأساسية للسجناء.

ولفت الوداعي إلى أنّه "بناء على المحادثات مع السجناء في أعقاب بيان وزارة الداخلية، من الواضح أن الإضراب عن الطعام سيستمر حتى تعالج الحكومة مخاوفهم بجدية وبحسن نية" مضيفًا أنّه "حتى الآن، لم يأخذوا أيًا من المطالب الأساسية للسجناء المضربين على محمل الجد".

وأكّد الوداعي أنّه "لا ينبغي للحكومة أن تستهين بالوضع الحساس للسجناء والغضب في الشوارع. ففي حال توفي أحد السجناء، سيكون الوضع خارج نطاق السيطرة".

وحتى وقت نشر، لم تستجب السلطات البحرينية لطلب موقع الجزيرة للتعليق على ادعاءات التعذيب وحرمان السجناء من العلاج الطبي.

العفو عن السجناء

أثار الإضراب قلق الولايات المتحدة، حليفة البحرين، إذ قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في وقت سابق من  الشهر الحالي إن الوزارة "مطلعة على التقارير الواردة عن هذا الإضراب عن الطعام وتشعر بالقلق حيالها".

ومع ذلك، تؤكد مريم الخواجة أنّ الحلفاء الغربيين للبحرين، بما في ذلك الولايات المتحدة، تجاهلوا منذ فترة طويلة انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، ودعموا الدولة الخليجية ومكنوا حصول الانتهاكات.

وقالت مريم إنّه "لم نكن لنبلغ هذا الحد لو .. أن الحكومة لم تحظَ بنوع الدعم الذي حصلت عليه من الغرب - ويبدو هذا على نحو كبير وكأنهم قادرون على تفادي أي نوع من المساءلة الدولية الفعلية بشأن الجرائم التي ارتكبوها".

ولا تزال مريم تذكر تلك الفترة من العام 2011 والتي تقول إن والدها تعرض فيها للضرب إلى أن فقد وعيه أمامها وأمام بقية العائلة حين جرى اعتقاله.

حصلت الانتفاضة في الوقت الذي كانت فيه عائلة الخواجة تقيم في البحرين، بعد عودتها إليها في العام 2001 في أعقاب فترة من المنفى في الدانمارك.

وتمكنت العائلة من العودة حينها لكون الحكومة البحرينية أصدرت عفوًا عامًا، جرى الإفراج بموجبه عن جميع السجناء، ما أدى بالتالي إلى عودة عدد من المنفيين.

وتأمل مريم، التي اعتُقِلت أيضًا ثم أُطلِقَ سراحها بعد ضغوط دولية عندما حاولت آخر مرة زيارة البحرين في العام 2014، للحصول على عفو عام آخر عن والدها والسجناء الآخرين.

ما عدا ذلك، تشعر مريم بالقلق من احتمال موت والدها في السجن. وقالت إنّ تجربة والدها ونشاطه المستمر في مجال حقوق الإنسان ألهماها لتصبح أيضًا مدافعة عن حقوق الإنسان، وهي قصة مماثلة لكثيرين من الآخرين في المنطقة الذين التقوا به.

وأكدت مريم أنّه "التقيت بأشخاص من الخليج أخبروني أنهم يريدون العمل في مجال حقوق الإنسان بسبب والدي، لأنهم التقوا به وشكّل مصدر إلهام لهم".

يشعر إبراهيم شريف، الذي تشارك في إحدى الزنازين مع الخواجة، بالقلق من احتمال وفاة السجناء المضربين عن الطعام، ولا يتردد في مواصلة انتقاد الظلم الذي تعرض له هو شخصيًا.

وقال شريف إنّه "لديهم خيار: إما أن يزجوا بي في السجن أو يسمحوا لي بالتعبير عن رأيي. لا أعتقد أنهم يريدون سجني، لذلك أنا أتحدث بحرية بقدر ما أستطيع".

 

النص الأصلي