"أكبر إضراب" عن الطعام تشهده البحرين يسلط الضوء على محنة السجناء السياسيين

سجن جو (أرشيف)
سجن جو (أرشيف)

نزيهة سعيد - موقع أمواج.ميديا - 2023-09-05 - 12:05 م

تحرير مرآة البحرين 

يقول نشطاء إن المئات من سجناء الرأي في البحرين بدأوا إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على تدهور أوضاعهم. وقد بدأ الإضراب في سجن جو في 7 أغسطس/آب بمشاركة نحو 400 سجين. وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع، أُفيد بأن عدد المضربين عن الطعام تضاعف إلى نحو 800. ووصف نشطاء حقوق الإنسان الإضراب بأنه الأكبر في تاريخ البلاد إلا أن مصادر تابعة للدولة تقول إن 121 سجينًا فقط انضموا إليه. ويمكن فهم حجم الإضراب بشكل أفضل عند الأخذ بعين الاعتبار أن هناك ما يصل إلى 1400 سجين سياسي في البحرين، من إجمالي عدد نزلاء السجون الذي يتراوح بين 3200 و3800 سجين، وفقًا لمعهد البحرين للحقوق والديمقراطية.

مطالب السجناء

للسجناء عدد من المطالب من بينها إنهاء الحبس في الزنازين لمدة 23 ساعة يوميًا. والهدف من ذلك هو استعادة الترتيبات السابقة التي كان يُسمَح بموجبها للسجناء بالخروج خلال النهار وباستخدام مرافق السجن مثل ملاعب كرة القدم والمكتبات والمساجد لأداء صلاة الجماعة، وبأداء أنشطة وهوايات مختلفة. ويريد السجناء أيضًا ممارسة حقهم في الحصول على التعليم الجامعي. وتشمل المطالب الأخرى وضع حد للإهمال الطبي المزعوم إذ يُزعم أن السجناء يضطرون في بعض الأحيان إلى الانتظار لما يزيد عن عام ليتم فحصهم من قبل طبيب مختص. بالإضافة إلى ذلك، يريد المضربون عن الطعام إنهاء القيود المفروضة على الزيارات العائلية إلى نصف ساعة شهريًا خلف الحواجز الزجاجية.

ومن بين المضربين عن الطعام سجناء سياسيون بارزون، بالإضافة إلى محتجزين مرضى ومسنين. وعبّر عدد من الناشطين والناشطات، ورجال الدين، والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان داخل البحرين وخارجها عن تضامنهم مع هذه القضية. كما نظّمت عدد من المظاهرات في البلاد لحثّ السلطات على تلبية مطالب المضربين عن الطعام وتسهيل إطلاق سراحهم. كما دعم عدد من المجموعات الحقوقية هذه المطالب.

وفي نداء مشترك، حثّت 79 شخصية سياسية وحقوقية بحرينية بالإضافة إلى ناشطين وناشطات ولي العهد البحريني ورئيس الوزراء سلمان بن حمد آل خليفة على تلبية مطالب السجناء. وقال هؤلاء إن المطالب لا تتعارض مع الحقوق التي يعترف بها دستور البلاد وقوانينها وكذلك التزامات المنامة الدولية. كما أكّد النداء أن الإصلاح الحقيقي يستلزم إطلاق سراح السجناء الذين شاركوا في أنشطة سلمية للمطالبة بالتغيير الديمقراطي.

وقد استقطب الإضراب عن الطعام اهتمام بعض مؤسسات الدولة، خاصة بعد دخوله أسبوعه الثالث. وذكرت الأمانة العام للتظلمات التابعة لوزارة الداخلية البحرينية في 28 أغسطس/آب أنه "تم اتخاذ جميع التدابير التي تضمن حصول [المضربين عن الطعام] على الرعاية الصحية تحسبًا لأي حالات طارئة". وقالت إن جميع الإجراءات المتبعة في سجن جو تتماشى مع "نص اللائحة التنفيذية"، وأن إدارة السجن تكفل "الحق في أداء الشعائر الدينية في أوقاتها على ألا يخل ذلك بأمن ونظام المركز". أما بالنسبة للزيارات العائلية، فقد أشار مكتب الأمانة العامة للتظلمات إلى أنّه "لا توجد أي مخالفات من قبل إدارة المركز بهذا الخصوص". وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، قالت وزارة الداخلية إنها "ستزيد مدة الزيارات" والمدة التي يُسمَح للسجناء بالخروج فيها. لكن التغييرات الواضحة التي وعدت السلطات بها لم تؤد إلى وقف الإضراب عن الطعام.

وأعلنت مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين التابعة للدولة في 26 أغسطس/آب أنها أرسلت وفدًا خاصًا بها إلى سجن جو وأن أيًّا من المحتجزين لم يتعرض لأي نوع من سوء المعاملة. وأكدت المفوضية أن السجناء يتلقون الرعاية الصحية وأن بعضهم رفض تلقي الإشراف الطبي والعلاج. كما أشارت إلى أنها ستنقل مطالب السجناء إلى الجهات المعنية.

كذلك، أجرى وفد من المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي منظمة أنشئت بأمر ملكي، زيارة إلى سجن جو في 27 أغسطس/آب والتقى مجموعة من السجناء. وقالت المؤسسة في بيان لاحق إنه "اتضح جليًا عدم وجود أي حالة صحية حرجة بين النزلاء المضربين عن الطعام"، وأضافت أنها حريصة على "النظر في جميع الطلبات التي تقدم بها النزلاء ومدى توافقها مع المعايير الوطنية والدولية لحقوق الإنسان".

حقوق الإنسان "مسلوبة"

قالت شقيقة أحد سجناء سجن جو لموقع أمواج.ميديا إن شقيقها انضم إلى الإضراب عن الطعام منذ البداية "للمطالبة بحقوقه الإنسانية المسلوبة كسجين". وقد قضى محمد الدقاق، المصاب بمرض فقر الدم المنجلي، نصف مدة عقوبته البالغة 16 عامًا. وأعربت شقيقته فاطمة عن "قلق عائلتها العميق" على صحة محمد، مشيرة إلى أن مستويات السكر في الدم بلغت في آخر تواصل معه إلى مستويات "مقلقة للغاية بالنسبة لشخص مصاب بمرض فقر الدم المنجلي".

وقالت فاطمة إن "السجن ليس مكانًا مناسبًا" لشخص يعاني من ظروف شقيقها الصحية، وسلّطت الضوء على ما وصفته بالاكتظاظ وقلة النظافة وعدم دخول الشمس وتبديل الهواء في الزنزانة بالإضافة إلى سوء الرعاية الطبية وعدم توافر الوجبات الغذائية الصحية. وأوضحت أن شقيقها وُلِد بكلية واحدة وأن السجن "يفتقر إلى البيئة الصحية الأساسية لشخص في مثل حالته"، وأضافت أنه "لم يُسمح لمحمد بمتابعة علاج عدد من المشاكل الصحية لديه خلال السنوات الماضية".

وذكرت فاطمة أن أسرتها تقدمت بعدة شكاوى للمؤسسة الوطنية لحقوق الانسان والأمانة العامة للتظلمات وأوضحت أنهم تقدموا أيضًا بطلب لشمل محمد ضمن قانون الأحكام والعقوبات البديلة وبالإفراج الصحي لكن أيًا من ذلك "لم يُجدِ نفعًا".

وانضمت والدة محمد إلى الإضراب عن الطعام دعمًا لقضية ابنها. وفي هذا السياق، قالت فاطمة إنّ "والدتي امرأة كبيرة في السن وتعاني من أمراض مزمنة". وتابعت أنّه "نُحَمّل السلطات المسؤولية عن سلامتها. لم نزر أخي منذ أربع سنوات بسبب ما يتعرض له من الإذلال والإهانة قبل وبعد الزيارة. لم نلمسه أو نعانقه منذ خمس سنوات. ونطالب بالإفراج الفوري عنه لأسباب إنسانية لأن حياته في خطر، ومن حقه ومن حقنا أن نعيش بكرامة".

انعكاسات إيجابية لتلبية المطالب

وفي حديثه لأمواج.ميديا، قال الرئيس السابق للجمعية البحرينية للشفافية شرف الموسوي إنه كان من بين الموقعين على النداء الموجه إلى ولي العهد. وقال الموسوي إنه يؤيد هذه الرسالة لأنه يعتقد أن الأمير سلمان "سيستمع إلى هذه المطالب وينظر في إمكانية تنفيذها"، مؤكدًا أن "معظم مطالب السجناء كانت مطبقة في السابق". وفي هذا السياق، أوضح أنه كان يُسمح للمعتقلين في الماضي بالتعرض للشمس أربع ساعات يوميًا، ولم تكن هناك حواجز زجاجية أثناء الزيارات وكان يُسمَح بالزيارة حتى للأقارب من الدرجة الثالثة.

ووفقًا للموسوي، فإن السماح للسجناء بالذهاب إلى المستشفيات وطلب الرعاية الطبية "لن يضر الأمن بأي شكل من الأشكال، في حالة انتظام زيارات المرضى منهم للمستشفيات". وخلص إلى أن تلبية مطالب السجناء "ستؤثر بشكل إيجابي عليهم وعلى عائلاتهم وكذلك على سمعة البحرين".

وكانت نوال عبد الله، وهي عضو في الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، من بين الموقعين على النداء الموجه إلى ولي العهد. وقالت عبد الله "إن مطالب السجناء في البحرين عادلة ومنصوص عليها في الدستور والميثاق". ومن وجهة نظرها، فإن "الظروف القاسية" في سجن جو هي التي دفعت السجناء للإضراب المفتوح عن الطعام، مشيرة إلى أن المعتقلين "يريدون تحسين أوضاعهم داخل السجن... وهذا حق من حقوقهم الإنسانية".

دعوات للضغط على الحكومة

قال رئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان غير الحكومية جواد فيروز لأمواج.ميديا إن "مطالب السجناء هي من أبسط حقوقهم ومنصوص عليها في المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء في الصكوك الحقوقية للأمم المتحدة وكذلك مدونة في قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء والمعروفة بقواعد نيلسون مانديلا".

وبعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على الإضراب عن الطعام، ادعى أنه يبدو أن هناك تعتيمًا إعلاميًا من قبل حكومة المنامة واعتبر أن الافتقار إلى الشفافية يظهر بشكل رئيسي في التقارير المتعلقة بالوضع الصحي للسجناء المحتجين. وادعى فيروز أنه لا يُسمَح للمنظمات الحقوقية المستقلة بلقاء المضربين عن الطعام لمعرفة أحوالهم، لكن الرسائل الصوتية الواردة من محتجزي سجن جو تشير إلى أن الظروف الصحية للكثير من المضربين عن الطعام "في تدهور".

وأضاف فيروز أن "قرار البدء بالإضراب عن الطعام جاء من السجناء، والاستمرار فيه أو إنهاؤه يعود إليهم، ففي النهاية هم من يتحملون تداعياته. كل ما نأمله هو أن تستجيب الجهات المعنية بسرعة للمطالب وقبل أن تتدهور الأوضاع الصحية [للسجناء] أكثر، خاصة وأن المطالب قابلة للتحقيق".

وفي معرض حديثه عن دور النشطاء والمنظمات الحقوقية، قال فيروز إنهم "يُكَثّفون الجهود لضمان أن تكون مطالب المضربين عن الطعام ورسالتهم ومعاناتهم وكذلك ظروف السجون في البحرين معروفة جيدًا من قبل المجتمع الحقوقي الدولي....خاصة لكون غالبيتهم من سجناء الرأي". وأخيرًا، حثّ فيروز النواب البحرينيين على زيارة السجون ومناقشة واقعها في البرلمان بهدف تعديل القوانين ذات الصلة. كما حثّ الحقوقي البارز المُشَرّعين على مخاطبة الملك والمطالبة بالإفراج عن جميع سجناء الرأي في البحرين.