المنبر التقدمي: الفراق الحتمي

وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة مستقبلاً النائب عبدالنبي سلمان - 27 يناير 2023
وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة مستقبلاً النائب عبدالنبي سلمان - 27 يناير 2023

2023-09-12 - 7:53 م

مرآة البحرين (خاص): لم تكن الأمور بهذه الحدّة حين قررت جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي الخروج عن إجماع المعارضة في 2002 والمشاركة في البرلمان. بالطبع فإن عدداً من سياسيي المعارضة كالوفاق ووعد رأوا في تلك الخطوة انتهازية سياسية، لكن بقيت قيادات المعارضة تتواصل مع التقدمي وتحاول تفهم اختلافه.

في العام 2006 قررت العارضة المشاركة، وكان الجميع على علم بأن الدوائر الـ 18 يستحيل اختراقها من أيٍّ كان، إلا أن المنبر التقدمي قررت مشاغبة المعارضة في عدد من تلك الدوائر. لم يرَ أحد حِكمه من تلك المنافسة، سوى أنها محاولة يائسة للحصول على مقاعد شبه محسومة للطرف الأكثر شعبية في تلك الدوائر، لكن آخرين رأوا في الخطوة استجابة لأوامر من جهة ما حكومية لشق صف المعارضة، وذهب البعض أبعد من ذلك، حين قالوا إن المنبر تلقى تمويلاً من جهات حكومية.

كما كان متوقعاً خسر كل مرشحي المنبر التقدمي، لكنهم عاودوا الكرة في 2010 بضراوة أكثر، وهذه المرة حاولوا الاعتماد على "البحرينيين الجدد" في بعض الدوائر المختلطة، واستخدموا التحريض والكذب سلاحاً في حملاتهم الانتخابية. خسرت المنبر ولم تكسب مقعداً يتيماً، أما لماذا استمرت المعارضة تنظر إليهم أنهم جزء منها رغم هذه الاختلافات والخلافات، فالأمر راجع بالدرجة الأولى لمن يقضي حكماً بالسجن المؤبد اليوم، أي الشيخ علي سلمان، الذي كان يحاول استيعاب الجميع.

لكن المنبر التقدمي لم يخيبوا ظنّ أحد، بعد استقالة الوفاق وانسحابها من العملية البرلمانية، قرروا خوض المعترك الانتخابي، وقد فاز عدد منهم بمقاعد نيابية في انتخابات 2014، 2018 و2022.

ومع عودتهم للمشهد السياسي كنواب برلمانيين جرّاء مقاطعة الوفاق، استعادت الجمعية اليسارية وهجها، وبدأت بتقديم الخطاب الرمادي الذي طالما غلّف توجه الجمعية ومواقفها الرمادية. هكذا أصبح وزير الداخلية صديقاً لعبدالنبي سلمان، فيما ركز النائب المخضرم هجومه على وزراء لا حول لهم أو قوة مثل وزير العمل ومن هم في مرتبته.

تصريحات سلمان التي باتت تستفز الناس، ولّدت تساؤلاً حقيقياً لدى جمهور المعارضة. هل المنبر التقدمي جمعية معارضة أصلاً؟ صحيح أنهم وصلوا لمقاعد البرلمان في دوائر معارضة، لكن لماذا على الناس أن تعاملهم بصورة مغايرة لما تعامل فيه أي شخص متسلق بحث عن الطريق السهل للحصول على راتب وجواز دبلوماسي وعدد من المزايا الأخرى.

في الرسالة الأخيرة التي أرسلت من شخصيات شيعية وسنية، لولي العهد بشأن إضراب السجناء، كان واضحاً غياب المنبر التقدمي، التي لم تجامل المعارضة وإن بتوقيع يتيم لأحد أعضائها المغمورين على الرسالة التي لم تكن تحوي سوى بعض المطالب المتواضعة في قضية إنسانية بحتة.

بعد هذه الرسالة بأيام، وقعت الجمعية بياناً - غير مكلف سياسياً - إلى جانب جمعيات سياسية موالية مثل المنبر الإسلامي، الأصالة السلفية وتجمع الوحدة الوطنية عن زيارة وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي للبحرين، وهو اصطفاف بات يتكرر في كل موقف أو مفصل مهم هنا، حيث بات يرى التقدميون أنفسهم أقرب إلى الموالين من الإخوان المسلمين والسلفيين منهم إلى رفاق الكفاح والنضال القديم.

إذا كان المنبر التقدمي قرر أنه ككيان لا علاقة له بتاريخ جبهة التحرير، وأنه لم يعد وريثاً شرعياً لإرثها النضالي، فإنه من باب أولى على الناس أن تعاملها كما هي الآن، جمعية سياسية نفعية لا تختلف عن أي جمعية أخرى حكومية تبحث عن مصالح مؤسسيها وأعضائها، وأن سبب بقائها ووجودها هو امتناع الآخرين عن خوض غمار الانتخابات، ومتى ما قرر الآخرون خوض الانتخابات، فسيعود هؤلاء إلى حيث كانوا، مجموعة من البؤساء في مبنى صغير بمدينة عيسى يجلسون لاستذكار أمجاد وبطولات حدثت قبل أكثر من خمسة عقود.