البحرين الدكتاتورية تحصل على المزيد من المساعدة من الإدارة الأمريكية

وزير الخارجية الأميركي وولي عهد البحرين يوقعان الاتفاق الأمني
وزير الخارجية الأميركي وولي عهد البحرين يوقعان الاتفاق الأمني

ماثيو بيتي - موقع Reason الأمريكي - 2023-09-25 - 4:28 م

ترجمة مرآة البحرين

وقف ضباط الشرطة البحرينيون والدبلوماسيون الأمريكيون أمام السفارة الأمريكية في المنامة لالتقاط صورة تذكارية يوم الثلاثاء. كان الضباط قد أكملوا لتوهم "التدريب المتقدم على التحقيقات في وسائل التواصل الاجتماعي" الذي قدمته لهم وزارة الخارجية الأمريكية. وبيّن التدريب، وفقًا لإعلان وزارة الخارجية، "كيف يستخدم الإرهابيون والمنظمات الإرهابية وسائل التواصل الاجتماعي في العمليات والتجنيد والتضليل".

وبموجب تقرير حقوق الإنسان الصادر عن الخارجية الأمريكية نفسها، فإنّ "الدعوة إلى إنهاء النظام الملكي" "تعتبر عملًا إرهابيًا" في البحرين، وهي مملكة صغيرة غنية بالنفط. والحكومة البحرينية مهتمة جدًا بالفعل بما سيقوله الناس عبر الإنترنت. اعتقلت السلطات آلاف المواطنين خلال موجة احتجاجات عام 2011، وهناك ادعاءات عن تعرض العديد منهم للتعذيب. وعندما انتقد المعارض نبيل رجب التعذيب على تويتر، سُجِن أيضًا.

في العام 2017، انتشرت ادعاءات عن أنّ الحكومة البحرينية اعتقلت وعذبت نجاح يوسف، وهي أم لأربعة أطفال، بعد أن قالت عبر منصة الفايسبوك أن فعاليات الفورمولا 1 كانت "تُبَيّض" صورة البحرين. وفي العام 2019، هدّدت الحكومة بمقاضاة الأشخاص الذين يتابعون ببساطة الحسابات "المثيرة للفتنة" على وسائل التواصل الاجتماعي. في مايو/أيار 2023، اعتقلت السلطات البحرينية أربعة آخرين من المنتقدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبمساعدة إدارة بايدن، سيكونون قادرين على إحكام قبضتهم على السلطة بشكل أكبر.

ووفقًا للاتفاقية الأمنية التي وافق عليها الرئيس جو بايدن الأسبوع الماضي، تعهدت الولايات المتحدة "بردع ومواجهة تهديدات العدوان الخارجي" ضد البحرين، التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية. واتفق الجانبان على زيادة الدمج بين الجيشين البحريني والأمريكي من خلال مبيعات الأسلحة والتدريبات والتخطيط المشترك. وشكّل التدريب بشأن وسائل التواصل الاجتماعي العمل التعاوني الأول منذ توقيع الاتفاقية.

وكتب متحدث باسم وزارة الخارجية ردًا على أسئلة موقع Reason، فقال إنه "يجري فحص جميع الجيوش الأجنبية ومنظمات إنفاذ القانون التي تتلقى المساعدة الأمنية للتأكد من عدم وجود انتهاكات لحقوق الإنسان وفقًا للقانون الأمريكي". وأضاف أنّ "حقوق الإنسان هي إحدى ركائز سياسة إدارة [بايدن] في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتثير وزارة الخارجية باستمرار قضايا حقوق الإنسان مع كبار المسؤولين البحرينيين".

تسعى إدارة بايدن حاليًا للتوصل إلى "صفقة ضخمة" من شأنها ربط الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية في نظام جديد في الشرق الأوسط. ويبدو أن الاتفاقية مع البحرين، وهي الحليفة الوثيقة للسعودية، هي بمثابة منطاد اختبار لمعرفة الالتزامات الأمريكية التي يمكن لإدارة بايدن أن تفلت من تقديمها للسعودية.

يقول النُقّاد إن الصفقة تتجاهل الدستور الأمريكي - الذي يمنح مجلس الشيوخ سلطة الموافقة على المعاهدات - وحقوق البحرين. وقد جرى التوصل إلى الاتفاق في الوقت الذي كان فيه مئات السجناء البحرينيين يخوضون إضرابًا عن الطعام، للمطالبة برعاية طبية أفضل والحق في رؤية عوائلهم. بعد توقيع الصفقة مباشرة، حظرت سلطات الهجرة البحرينية دخول مريم الخواجة، وهي ابنة الناشط في مجال حقوق الإنسان المسجون عبد الهادي الخواجة، الذي يواصل إضرابه عن الطعام احتجاجًا على سوء العلاج الطبي.

يقول سيد أحمد الوداعي، وهو بحريني منفي ومدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية في لندن إنّ "عبارة "غض الطرف" هي العبارة الخاطئة" لافتًا إلى أنّ "الولايات المتحدة تعمل بنشاط على تمكين النظام الدكتاتوري في البحرين."

عند التوقيع على الاتفاقية، وصفها وزير الخارجية أنتوني بلينكين بأنها "إطار عمل لدول إضافية قد ترغب في الانضمام إلينا في تعزيز الاستقرار الإقليمي". وقال مسؤول لم يرغب بالكشف عن اسمه في إدارة بايدن لصحيفة نيويورك تايمز إن الصفقة كانت اتفاقية "ملزمة قانونًا" و"لا تتجاوز رتبة المعاهدة".

هذه التصريحات كانت بمثابة إشارة إلى المملكة العربية السعودية، التي طالبت بتحالف "على غرار حلف الناتو" مع الولايات المتحدة كجزء من أي صفقة ضخمة. تم إنشاء حلف الناتو بموجب معاهدة رسمية، تطلبت موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لتمريرها.

أظهر استطلاع حديث أجراه معهد كوينسي، وهو مركز بحثي مناهض للحرب، أنّ غالبية الأمريكيين يعارضون مثل هذه الصفقة مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

يبدو أن إدارة بايدن تظهر أنه بإمكانها توفير الحماية العسكرية الأمريكية للمملكة العربية السعودية من دون مناقشة عامة أو تصويت في مجلس الشيوخ.

ويدعي بروس فين، وهو محام دستوري  ومسؤول سابق في إدارية ريغان، أن فكرة التوصل إلى اتفاقية "ملزمة قانونًا" من دون معاهدة "غير مناقضة على نحو صارخ للدستور".

ويقول إنّ "هذا النوع من الاتفاقيات هو "معاهدات" بموجب أي قراءة للدستور والقانون الدولي"، ويشرح أنه "من الواضح بموجب القانون الدولي أنّ أي اتفاق بين سيادتين - خاصة فيما يتعلق بالدفاع - يمكن اعتباره معاهدة بموجب أي معيار ممكن."

لا تلزم الاتفاقية بين الولايات المتحدة والبحرين الولايات المتحدة بالحرب. وفي حالة حدوث "اعتداء خارجي"، يتطلب الأمر من كلتا الدولتين "الاجتماع فورًا على أعلى المستويات لتحديد الاحتياجات الدفاعية الإضافية وتطوير وتنفيذ الدفاع المناسب والاستجابات الرادعة وفقًا لما يقرره الطرفان".

ويدعي نص الاتفاقية أن أي قرار تتخذه الحكومتان سيكون "وفقًا للدساتير والقوانين الخاصة بكل منهما". (لمعاهدة التحالف الأمريكية-اليابانية، التي روّجت لها إدارة بايدن بشكل خاص كنموذج لاتفاق أمني في الشرق الأوسط، لغة مماثلة). ويحذر فين من أن الاتفاقية تخلق ضغوطًا سياسية للعمل بمجرد اندلاع  الأزمة، الأمر الذي قد قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة، ويجعل من الحرب أمرًا واقعًا.

ويضيف فين: "سيقولون إنّ "مصداقيتنا على المحك"، حتى لو لم يكن [تعهد الولايات المتحدة] مُلزِمًا قانونيًا" لافتًا إلى "أننا لا ندعم شخصًا قلنا أننا سنقف معه جنبًا إلى جنب!" ولذلك علينا أن نذهب إلى الحرب. لقد شهدنا عرض رعاة البقر هذا من قبل".

من الواضح أن الاتفاقية تستهدف تهديدًا أجنبيًا محددًا. غالبًا ما اتهمت السلطات البحرينية إيران المجاورة بأنّها اليد الخفية وراء المشاكل الداخلية للبلاد. وقد استخدموا هذا الاتهام لحشد المزيد من الدعم الأمريكي، خاصة في ظل إدارة ترامب، ما أثار شبح الإرهاب الإيراني في البحرين.

يقول الناشط المنفي الوداعي إنّ " [السلطات] ستربط كل جريمة ترتكبها [السلطات] داخل البحرين، وأي نوع من القمع الداخلي، بإيران" ويضيف أنّه "في كل مرة يواجهون فيها رقابة دولية، يجدون دولة أخرى ليوجهوا اللوم إليها". غير أن لجنة التحقيق [لجنة بسيوني] في العام 2011، برعاية الحكومة البحرينية نفسها، لم تجد "صلة واضحة" بين إيران وانتفاضة البحرين في العام 2011. بمعنى آخر، فإنّ الاضطرابات البحرينية هي مشكلة بحرينية في جذورها.

تقول الخواجة، التي يضرب والدها، وهو مستشار لمنظمات حقوق الإنسان، عن الطعام: "حراكنا سبق الثورة الإيرانية، ففي البحرين واحد من أطول حراكات الحقوق المدنية في المنطقة".

كانت البحرين جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، التي حكمت من خلال سلالة مسلمة سنية الجزيرة ذات الغالبية الشيعية. منذ استقلال البحرين في العام 1971، واصلت تلك العائلة الحاكمة التمسك بالسلطة بقوة. علّق الأمير عيسى بن سلمان العمل بدستور البحرين الأول في العام 1973، مباشرة بعد إقراره. فلقد أنشأ نظامًا صارمًا من محاكم أمن الدولة، وأبقى على رئيس الشرطة الاستعمارية إيان هندرسون، وهو ضابط مخابرات بريطاني سابق ساعد في تحويل كينيا إلى "معسكرات العمل البريطانية".

سلّمت بريطانيا قاعدتها العسكرية الرئيسية في البحرين للبحرية الأمريكية في العام 1971، وصارت القاعدة جزءًا أساسيًا من الوجود الأمريكي المتنامي في الشرق الأوسط، إذ تستضيف الأسطول الأمريكي الرئيسي في المنطقة. في المقابل، استطاعت البحرين بناء جيشها عن طريق شراء الأسلحة الأمريكية.

أعلن نجل الأمير عيسى، الملك حمد بن عيسى، عن إصلاحات بعد توليه العرش في العام 1999. لكن سجون التعذيب عادت إلى البحرين في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وزاد القمع خلال انتفاضة الربيع العربي في العام 2011، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش. في السنوات الأخيرة، لاحقت الحكومة البحرينية رجال الدين والمعارضة العلمانية والمصورين الصحفيين ومنتقدي تويتر بذريعة الأمن القومي.

من المفارقات أن آخر القوات الأجنبية التي أطلقت النار على البحرينيين كانت تتبع لحلفاء الحكومة البحرينية. خلال انتفاضة العام 2011، أرسلت السعودية قواتها إلى البحرين لإخلاء الشوارع من المتظاهرين ومنع سقوط النظام الملكي. قُتل العشرات من الأشخاص، وتعرض خمسة على الأقل للتعذيب حتى الموت، وفقًا للجنة [بسيوني] في العام 2011، واعتُقِل الآلاف خلال حملة القمع.

تقول سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي، وهي منظمة أسسها الصحفي السعودي المقتول جمال خاشقجي إنه "في نهاية المطاف، المملكة العربية السعودية هي التي لن تسمح بالديمقراطية البحرينية" لافتة إلى أنّه "عندما تقول إدارة بايدن إنها تدافع عن البحرين، فهذا يعني أنها تدافع عن الدكتاتورية البحرينية".

ومن خلال توفير وضمان الدفاع لدول أصغر منها مثل البحرين، ستتمكن إدارة بايدن من القول إنه "لا يوجد شيء مختلف بشأن ما نقوم به مع المملكة العربية السعودية"، كما تقول ويتسن.

واجهت البحرين ضغوطًا للإصلاح من واشنطن وعواصم أجنبية أخرى بعد انتفاضة العام 2011. وينسب الوادعي الكثير من الضغوط إلى وفاة عبد الرضا بوحميد، وهو متظاهر أطلقت الشرطة النار عليه أمام الكاميرات في فبراير/شباط 2011. وانتشرت صور إطلاق النار ومحاولات الأطباء لإنقاذ بوحميد على وسائل التواصل الاجتماعي.

وظهرت نقطة تحول أخرى في مايو/أيار 2011، عندما انتقد الرئيس باراك أوباما علنًا الحكومة البحرينية بسبب هدمها مساجد الشيعة. وبعد بضع سنوات، طردت السلطات البحرينية الدبلوماسي الأمريكي توم مالينوسكي - وهو الآن عضو في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي في نيوجيرسي - على خلفية اجتماعه مع جمعية معارضة. وجمّدت الولايات  المتحدة بعض المساعدات العسكرية بين العامين 2011 و2015، وبدأت تدفع المسؤولين البحرينيين إلى تلقي دروس في حقوق الإنسان.

بدا أن واشنطن تتجاهل احتمالًا آخر: وهو أن الحكومة البحرينية تدرك جيدًا أنها تنتهك حقوق الإنسان. يقول سيد يوسف المحافظة، الناشط البحريني في مجال حقوق الإنسان والباحث الذي تم نفيه إلى ألمانيا في العام 2014، إن الحكومة [البحرينية] ببساطة "استخدمت هذه البرامج [التدريبية] لشراء الوقت" إلى أن تلاشت الانتقادات.

أدّت مساعدة البحرين في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى اكتسابها [البحرين] مكانة جيدة في واشنطن. وكذلك فعلت اتفاقيات إبراهيم، وهي اتفاقية أُجرِيت في العام 2020 لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، بما في ذلك البحرين. استطاع الملك حمد إبراز نفسه كحاكم مسلم معتدل، ووصفت الخارجية الأمريكية البحرين بأنها "نموذج لمجتمع يتبنى بنشاط الحرية الدينية والتسامح وتنوع الشعوب". وبدلًا من اعتباره شريكًا بغيضًا، يعتبر العديد من صُناع السياسة الأمريكيين الآن النظام الملكي البحريني قوة ناشطة من أجل الخير.

وكتب السيناتور ريك سكوت (عن الحزب الجمهوري من فلوريدا) على وسائل التواصل الاجتماعي بعد صفقة بايدن "إنني سعيد لرؤية الولايات المتحدة تؤكد من جديد شراكتنا القوية مع البحرين، الصديقة الزميلة لإسرائيل" وأضاف "حظيت بشرف زيارة البحرين في وقت سابق من هذا العام وأنا واثق من أننا سنواجه بقوة معًا الدول الشريرة مثل إيران التي تريد تدمير الحرية والديمقراطية".

تقول الخواجة إن "عددًا أقل من الأشخاص يريدون التحدث عن [حقوق الإنسان] بعد أن وقّعت البحرين على اتفاقيات أبراهام". لقد حاولَت إيصال رسالة إلى المسؤولين الأمريكيين الذين وافقوا على مقابلتها مفادها أن "خلق العداء تجاه الولايات المتحدة، في مكان يتمركز فيه الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، لا يصب في المصلحة العليا للولايات المتحدة".

بعد مرور أربعة أيام على توقيع الاتفاقية بين الولايات المتحدة والبحرين، انضمت الخواجة إلى وفد من نشطاء حقوق الإنسان في رحلة إلى البحرين للاحتجاج على ظروف سجن والدها. كان مطلبها هو السماح لوالدها المريض، مؤسس مركز البحرين لحقوق الإنسان، بمراجعة طبيب القلب. توقعت أن يتم سجنها لدى وصولها. وبدلًا من ذلك، لم يُسمَح لها بالصعود في الطائرة في المطار.

وقالت لموقع Reason  بعد أسبوع: "اعتقدت أنني سأشعر بالارتياح عندما يتم رفض طلبي. أعتقد أنني أشعر بالإحباط" وأكّدت أنها "قلقة من تراجع الاهتمام ولن أتمكن من إنقاذ حياة والدي".