منارة في العاصفة... مسجد مؤمن من "الهيئة" إلى "العريضة" (1- 2)

مسجد مؤمن خمسينيات القرن الماضي
مسجد مؤمن خمسينيات القرن الماضي

2024-03-18 - 6:44 م

مرآة البحرين (خاص): من الهيئة إلى العريضة، كان مسجد مؤمن في قلب حركات الإصلاح السياسي والاجتماعي في البحرين، لم يكن ذلك بسبب موقعه في قلب العاصمة فقط، بل لأنه كان يؤدي الدور المنشود للمسجد. 

ولا تريد الحكومة للمساجد بشكل عام أن تقوم بوظيفتها في التوجيه والإرشاد، وتعمل منذ زمن بعيد على فرض قيود على المساجد، إلا أن ذلك لم يكن مقبولا بالنسبة للقوى الدينية والإصلاحية الحية. 

ومنذ الوجود البريطاني في البحرين، لعب مسجد مؤمن دورا بارزا في حشد الجماهير للتنديد بتجاهل  البريطانيين للإرادة الشعبية، حتى تحوّل إلى أحد مراكز الاحتجاجات الشعبية ضد الاحتلال البريطاني. 

وكان المسجد في قلب الاحتجاجات، إذ شهد المسجد والشوارع المحيطة به تجمعات ترفض الوصاية البريطانية، وخرجت معظم الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة خمسينات القرن الماضي انطلاقا من باحته حتى الكنيسة. 

وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية كانت تواجه تلك الاحتجاجات بقوة إلا أن المسيرات لم تتوقف، وواصل المصلون والمحتجون نشاطهم رغم كل المخاطر الأمنية. 

ومن بين ما شهده المسجد، تجمع كبير لرموز من الطائفتين الشيعية والسنية تحصينا للوحدة الوطنية بعد حادثة عاشوراء 1953، ويعتقد أن التجمع كان النواة لتأسيس هيئة الاتحاد الوطني، وهو أول تجمع سياسي في الخليج. 

وخلال إحدى التجمعات التي شهدها المسجد ألقى الشاعر عبدالرحمن المعاودة قصيدته الشهيرة (بني أوال) التي أكد فيها على الوحدة الوطنية ورفض الاحتلال الأجنبي: 

ضربت للحق فينا أروع المثل                ولم تبالِ بما لقيت يا ابن علي

عليك منا سلام الله ما هتفت                 ورقاء أو صوّت الحادي على الإبل

قد قمت في نصرة الإسلام متخذًا             من هدي جدك طه أقوم السبل

أيا ابن فاطمة الزهراء حسبك من            مجد بأنك من أبطالنا الأول

بني أوال أراكم لا تعون ولا                 تسعون بالصدق في قول وفي عمل

عاث الأجانب في هذي البلاد ولم           يروا أمامهم في القول من رجل

إذا الطغاة تمادوا في ضلالهم                يُقوَّمون بحد السيف والأسل

حتى إبان العمل بقانون أمن الدولة، لم تتوقف الفعاليات الدينية ولا حتى السياسية في المسجد الذي صار في وعي الجماهير رمزا للحركة الإسلامية بمختلف قضاياها المحلية والإسلامية. 

وأقيم في المسجد (26 أبريل 1980) حفل عزاء مركزي بمناسبة استشهاد الشهيد الأول آية الله محمد باقر الصدر وأخته الشهيدة بنت الهدى. وانطلقت من باحته مظاهرات تندد بالجريمة النكراء التي ارتكبها المجرم صدام حسين. 

وعلى إثر صدامات مع قوات الأمن، اعتقل الشاب جميل العلي (23 عاما)، وتعرض العلي لأبشع أنواع التعذيب في السجن من بينها الحرق بالمكوى والخرق بالمثقاب الكهربائي (الدريل) قبل أن يستشهد بعد نحو أسبوعين من اعتقاله. 

ورفضت السلطات تسليم جثمان الشهيد العلي لعائلته، إلا أن الجثمان أخذ من مستشفى السلمانية إلى مسجد مؤمن، حيث تم تجهيزه وتشييعه. وشهدت جنازته مصادمات مع أجهزة الأمن أسفرت عن موجة من الاعتقالات. 

وبلغ استهداف المسجد ذروته حين هاجمت قوات الأمن احتفالا بمناسبة مرور أربعين يوما على رحيل آية الله السيد محمد رضا الكلبيكاني (الأربعاء 19 يناير 1994). 

كانت الكلمة الأخيرة في الحفل للشيخ علي سلمان قبل أن تتحرك قوات الأمن المحيطة بالمسجد والاستعداد للهجوم. الشيخ علي سلمان قال إن هذه المناسبة الدينية لا تخالف الدستور، وأنها ليست المرة الأولى التي تقام فيها مثل هذه المناسبات. 

بادرت قوات الأمن للطلب عبر مكبرات الصوت بإنهاء الاحتفال خلال 5 دقائق فقط، وطلب الشيخ علي من الحضور الخروج من الباب الشمالي للمسجد بهدوء، إلا أن قوات الأمن هاجمت المسجد بالغازات المسيلة للدموع ما أدى لأضرار وحريق بالمسجد.

وتم على اثره ذلك إغلاق المسجد لمدة أسبوعين، تحت حراسة أمنية لإصلاح ما عطب، كما أصدر قرار بمنع الاحتفالات والخطب والدروس فيه.