هل يمنح «14 فبراير» المرأة جرأة كي تكتب؟

صافي نزار - 2012-10-24 - 8:29 ص


صافي نزار*

قبل أيام وقعت بين يدي دراسة موسّعة أجرتها منظمة "فيدا" (VIDA) الأمريكية في سنة 2010، حول مدى مساهمة المرأة في الإنتاج الأدبي المنشور (قصة، رواية، شعر، إلخ)، تبيّن فيها وجود عدم توازن واضح وفارق كبير جدًا لصالح الرجل في هذا المجال. ليس هذا فقط، بل وجدت الدراسة أنه في حين أن النساء يقرأن "بكثافة" وبنهم شديد إلا أن القراء من الجنسين بعامة يفضلون قراءة إنتاج الرجل؛ "حيث المشاعر أكثر طراوة، والمعاني أغزر وأبلغ ثراءً، والصور أزهى رونقًا وجمالاً".

لو أجريت هذه الدراسة في منطقة الشرق الأوسط أو في إحدى البلاد التي تسودها ثقافة شرقية لربما أرجعنا تلك النتيجة إلى التقاليد والموروث الثقافي وطالبنا للمرأة بمساحة أوسع من الحرية للتعبير والنشر، وبرفع القيود التي توضع على المرأة في بعض مجالات الإنتاج الأدبي، ونقطة في آخر السطر. 

ولكن الدراسة أجريت في اثنتين من أبرز دول العالم الأول: أمريكا وبريطانيا، حيث المرأة أكثر تحررًا، وحيث تقف القوانين مساندة لحق التعبير، وحيث يتسامح الناس إلى حد كبير في الموضوعات التي تتناولها الأقلام المختلفة بغض النظر عن كون الكاتب رجلاً أو امرأة. لذا فقد وُجد أن ضعف حضور المرأة في مجال الكتابة الأدبية، - والكتابة بشكل عام - ظاهرة تستحق التأمل، خاصة وأن إنتاج المرأة كمّا ونوعًا يتخلف عن إنتاج الرجل في كافة مجالات الإبداع من رسم وموسيقى وأدب، وتاريخ، فضلاً عن الإبداع في مجالات العلوم والرياضيات.

إذا نظرنا إلى الإبداع في الإنتاج الأدبي سنجد أنه في أشكاله المختلفة يرتكز على سعة خيال الكاتب وجموح تفكيره، وعلى قدرته في تطويع اللغة لتحويل صور الخيال البعيدة إلى مناظر مباشرة تقترب كثيرًا لتلامس وجدان القارئ وتثير فيه شهية متابعة القراءة. اللغة والخيال، كلاهما من خصائص عالم المرأة؛ فالمرأة – في طفولتها - تبادر إلى استخدام اللغة وتملك زمامها في التواصل والتعبير في مرحلة أبكر من الرجل؛ والمرأة تستعين بالجانب الأيمن من المخ في توسّل الحلول والتفكير في قضاياها اليومية أكثر من الرجل، والعاطفة  تنسب إلى المرأة في حين ينسب التعقل إلى الرجل. فلماذا يبرع الرجل في استخدام أدوات تملكها المرأة أساسًا وتكوينًا؟

ملاحظة أخرى عن كتابات المرأة خطرت ببالي وأنا أقرأ مقالاً للدكتور عبد الهادي خلف في جريدة السفير بعنوان "المساعي المزدوجة لاحتواء حراك المرأة في البحرين". فاجأني سؤال: لِمَ لمْ تبادر امرأة في البحرين إلى إثارة هذا الموضوع والكتابة عنه؟ أليست هي صاحبة المشكلة، ويفترض أنها أكثر التصاقًا بها ودراية بخفاياها؟ هل لأنّ المرأة في البحرين لم تدرك بعد ما يجري حولها من تجاذبات تهدف إلى تحجيم دورها واحتواء حراكها السياسي؟ لا أظن. 

المرأة في البحرين ليست غافلة، وليست غير مدركة لما ما يدور حولها من تجاذبات تكون هي محورها في كثير من الأحيان. ولعل من أبرز نتائج ثورة الرابع عشر من فبراير هو ظهور المرأة البحرينية سياسيًا وإعلاميًا: الأصيل منه والمساند، وتميّز حضورها في العديد من المواقف الوطنية المشرّفة بقوة التحمّل والصمود والصبر.  كذلك فإن لدينا في البحرين العديد من الأقلام النسائية القادرة على تناول قضايا تمس المرأة، وتحليلها وإلقاء الضوء على خفاياها. إذن فما الذي يمنع من أن تبادر المرأة نفسها إلى رصد وتحليل وتدوين ما يجري حولها مما له علاقة مباشرة بحراكها وعطائها؟ 

لماذا تجد المرأة البحرينية الجرأة والشجاعة لتقف مواقف فيها الكثير من الخطر على حياتها وعلى وجودها، بينما تحجم عند الكتابة؟ قد يقول قائل إن لدينا العديد من الأسماء ممن يكتبن حاليًا في أعمدة الصحف المحلية، وهنا أتساءل مرة ثانية: ما عدد من يكتبن في الصحافة مقارنة بعدد الأقلام التي تكتب من الرجال؟  وما مدى ملامسة الموضوعات التي تتناولها أولئك الكاتبات لقضايا تتعلق بظاهرة المرأة في الثورة مما سنحتاج إلى تدوينه، كجزء من تاريخ البحرين، ودراسته وتحليله واقتباس الدروس منه؟

لا يمكن أن نغفل دور المجتمع ومفاهيمه وقناعاته السائدة في مسألة إقبال المرأة على الكتابة أو إدبارها عنها. ففي مجتمعنا مازلنا نتوقع أن يكون صرير قلم المرأة أخفض من قلم الرجل، ومازال بعضنا يتوقع منها ألا تكشف عن شعرها (مجازًا) عندما تكتب. ولكن وفي الغرب أيضًا يذكر بعض النقاد أن المرأة الأديبة تتحرك على الورق بثقل أكبر، وتتحدث بنبرة أخفض، وتغلّف مقاصدها بعبارات غير مباشرة، وتأخذ مدى أطول قبل أن تصل إلى غايتها. وعندما تكتب القصة أو الرواية فإن شخوصها تبدو أكثر ترددًا، وأقل قدرة على الغوص بالقارئ عميقًا أو السفر به بعيدًا. بينما يضع الرجل في فم شخصياته كل العبارات المباشرة، ويزج بها في الممنوع، ويدفع القارئ معه دفعًا إلى المجازفة والمواصلة إلى النهاية. فهل يعدّ هذا تجسيد للفوارق بين شخصية المرأة وشخصية الرجل، أو كما كتب بعضهم أن الرجال من مارس والنساء من الزهرة؟ ربما. 
يقول بعض المحللين إن المرأة منذ بداياتها تسعى لتحقيق أهداف ذات طبيعة اجتماعية؛ من بناء العلاقات وتشييد جسور التواصل مع الآخرين أكثر من اهتمامها بتحقيق الإنجازات الفردية أو الجاه الشخصي، كما أن عنايتها تتجه في مجملها نحو الأشخاص أكثر من توجهها الأشياء. وفي ضوء العديد من الدراسات التي تناولت الفروق الجندرية في إنجاز المرأة مقارنة بإنجاز الرجل خلُصت النتائج إلى أن المرأة عندما تفشل أو تحقق نجاحًا بارزًا في مجالٍ ما فإن ذلك يكون في أغلب الأحيان نتيجة علاقة إنسانية أنجبت ذلك الفشل أو دفعتها نحو النجاح.

خلاصة أخرى خرجت بها الدراسة التي أجرتها منظمة "فيدا" (VIDA) الأمريكية تشير إلى أن ضمور إنتاج المرأة - نوعًا وكمًّا - مقارنة بإنتاج الرجل قد تكون له علاقة بدرجة ثقة المرأة فيما تكتب. أنا شخصيًا أميل جدًا إلى هذه الخلاصة، فقد وجدت فيها صدى لنصيحة قُدّمت لي قبل سنوات بعيدة: "عزيزتي، اكتبي وانشري إذا وجدت في نفسك الجرأة والشجاعة". كانت نصيحة من رجل.

  • *كاتبة من البحرين

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus