لماذا لن ينسى البحرينيون حسين أمير عبداللهيان؟

آية الله الشيخ عيسى قاسم مستقبلا حسين أمير عبداللهيان في مقر إقامته بمدينة قم المقدسة - ارشيفية
آية الله الشيخ عيسى قاسم مستقبلا حسين أمير عبداللهيان في مقر إقامته بمدينة قم المقدسة - ارشيفية

2024-05-22 - 10:57 م

مرآة البحرين (خاص): لا أحد في البحرين لم يتعرّف على صورة الرجل الوسيم الذي أصبح وزيرا لخارجية إيران عام 2021. لقد تكرّر ظهوره على صفحات جريدة "الوسط" عشرات المرّات بين 2007 إلى 2010، ثم عشرات المرّات على كل وسائل الإعلام الدولية والعربية، مقرونا بانتفاضة 14 فبراير في البحرين. 

وجد الراحل حسين أمير عبد اللهيان البحرين بلدا خليجيا مختلفا جدا عن أي بلد آخر، حين وصل إليها سفيرا عام 2007. 

كانت المنطقة تعيش أوج "الصحوة الشيعية" إثر سقوط النظام البعثي في العراق 2003، ونظام طالبان في أفغانستان 2001، وإثر اندحار الاحتلال الإسرائيلي عن جنوب لبنان 2000، ثم هزيمته في حرب تموز 2006، ليبرز الشيعة كلاعب إقليمي كبير. 

حين وصل عبداللهيان البحرين، كانت جمعية الوفاق الشيعية المعارضة تدخل البرلمان للمرة الأولى (2006). مثّل الحضور الشيعي الرسمي في الدولة حاضنة لعمل دبلوماسي إيراني أوسع. وقتها كانت البحرين أيضا الدولة الخليجية الوحيدة التي تصدر فيها صحيفة محسوبة على الشيعة.

حتى وإن لم يخرج ذلك للعلن وقتها، إلا أن عبد اللهيان مثّل بلا شك نقطة اتّصال رسمية بين قيادة الجمهورية الإسلامية والمجتمع الشيعي في البحرين. وقد صرّح لاحقا بأنّه كان قد التقى خلال فترة عمله بالمرجع الروحي للشيعة في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم "رأيته عالما جليلا ومناضلا شجاعا، ويؤمن بشدة بالوسائل الديموقراطية".

عبداللهيان الذي لم يعيّن سفيرا في كل سيرته المهنية إلا في المنامة، تعلّم الكثير من السنوات الثلاث التي قضاها في البحرين. ورغم كل الظروف المأساوية التي عاشتها البحرين على مدار عقد منذ 2011، غير أن البحرينيين شعروا بالفخر ربما حين عّين "سفيرهم" وزيرا لخارجية طهران، إذ كانت البحرين إحدى أهم محطّاته للوصول إلى سدّة الوزارة، والبلد الذي تخرّج منه دبلوماسيا رفيعا بعد سنوات قضاها في الدبلوماسية المتخصّصة بالخليج والعراق تحديدا في عهدي الرئيسين محمد خاتمي وأحمدي نجاد. 

اتّخذ عبد اللهيان البحرين، برضا قيادتها السياسية، منصّة للدبلوماسية الإيرانية في الخليج والعالم. ربّما كان أكثر دبلوماسي صرّح والتقى وعقد مؤتمرات صحافية في البحرين وقتها. لم يكن يمثّل فقط مصالح بلاده في البحرين، بل كان متحدّثا وممثّلا للسياسة الخارجية الإيرانية في كل ملفاتها الدولية والإقليمية، انطلاقا من المنامة. 

سنجد عبد اللهيان يتحدّث من البحرين عن ملفّات إقليمية شائكة أهمّها النزاع الأوّل بين الحوثيين ونظام الحكم في اليمن، ومحكمة الحريري، والأوضاع السياسية في العراق، والمباحثات مع أمريكا بشأنه. 

وكذلك عن الملف النووي الإيراني، والعقوبات الاقتصادية، بل حتى عن الشأن الداخلي الإيراني بما فيها موجة الاحتجاجات التي اندلعت عام 2009 إثر فوز نجاد بالانتخابات مجددا. 

سنجده يرد على التهديدات بشن حرب ضد إيران بسبب المفاعل النووي، ومشروع المنظومة الصاروخية الأمريكي في المنطقة، ثم المحادثات النووية في عهد أوباما. ومن المنامة أطلق عبداللهيان تحذيرات عدة لإسرائيل باسم الحكومة الإيرانية.

استخدم عبد اللهيان موقعه في البحرين لنفي الشائعات التي تبث عن إيران في الإعلام الخليجي، بما فيها نفي ارتباط الحرس الثوري بأي جماعات في الخليج، والرد على أي هجوم ضد إيران في الصحف. 

نجح عبداللهيان في نفي شائعات عن وجود خلايا إيرانية نائمة في البحرين والخليج، باستصدار نفي رسمي من وزارة الداخلية البحرينية. 

على مستوى العلاقات بين البحرين وطهران، كاد عبد اللهيان أن ينجح في تنفيذ مشروع كبير لتصدير الغاز الإيراني للمنامة، ونجح في توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين. من ضمن المشاريع التي عمل على تحقيقها كان مشروع مستشفى ميلاد الإيراني (سُحبت تراخيصه لاحقا)، ومشروع مدرسة دولية تعتمد ثلاث لغات (الفارسية، العربية، والإنجليزية)، ومشروع تصدير مواد بناء للبحرين.

على مدى سنوات عمله التقى رجل الدبلوماسية الإيراني الملك ورئيس الوزراء أكثر من مرة، كما عقد عشرات الاجتماعات منها مع وزير الداخلية، ورئيس مجلس النواب، والنائب صلاح علي، ومسئولين في طيران الخليج، فضلا عن تنسيق زيارة رسمية للرئيس الإيراني أحمدي نجاد ومسئولين رفيعين آخرين. 

بلغ الأمر بأن يزور البحرين، بتنسيق من عبد اللهيان، وفد عسكري إيراني، للمشاركة في معرض البحرين للطيران، ليعقد لقاءات مع مسئولين سياسيين وعسكريين.

في فترة سفارته نشطت أيضا اللجنة العليا المشتركة بين البحرين وإيران، ومجلس الأعمال الإيراني - البحريني المشترك، ولجنة الصداقة البرلمانية البحرينية الإيرانية. 

لم يخل عمل عبد اللهيان من الأوقات الشائكة والعصيبة في البحرين، خصوصا إثر قضية التصريحات التي أطلقها رئيس مجلس الشورى الإيراني الأسبق والتي قال فيها إن البحرين كانت المحافظة رقم 14 من إيران. عمل عبد اللهيان بذكاء دبلوماسي رفيع على تبريد موجة الاحتجاجات الواسعة على هذا التصريح (والتي امتدّت إلى دول خليجية وعربية)، واعتبر ما حدث بأنه «سوء فهم» مؤكّدا احترام استقلال البحرين وسيادتها. 

أما تعليقاته على الأوضاع السياسية الداخلية في البحرين فقد كانت لا تتجاوز وقتها بث الأمل والإشادة والثناء على «الحرّيات الدينية» و«الإصلاحات السياسية» والسياسة المتوازنة والحكيمة للملك، معتبرا بأنها «انطلاقةً جيدة» ومشجّعا على الانخراط في الحياة السياسية والمشاركة الشعبية «البحرين نموذج للأسرة الواحدة المترابطة على رغم محاولات الأعداء إفشال هذا الترابط». 

غادر عبد اللهيان البحرين محمّلا بثناء خاص من الملك في لقائه الأخير به، والشكر والترحيب بدعوته إلى زيارة إيران، كان ذلك كله قبل 5 أشهر فقط من اندلاع انتفاضة 14 فبراير، التي غيّرت كلّ شيء، بما فيها صورة الرجل الودود!