لماذا تكره حكومة البحرين حسين أمير عبداللهيان؟

ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مستقبلاً السفير الإيراني حسين أمير عبداللهيان - 2010
ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مستقبلاً السفير الإيراني حسين أمير عبداللهيان - 2010

2024-05-23 - 6:17 م

مرآة البحرين (خاص): ربّما كان المسئولون في البحرين والسعودية والإمارات أكثر الفرحين بمقتل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الرجل الذي كان شوكة في حلوقهم على مدى عقد من الزمان. 

تطلق الصحف الغربية على عبداللهيان لقب "سليماني الدبلوماسية" لعلاقته الوثيقة بقائد فيلق القدس الراحل الجنرال قاسم سليماني. 

لم يكن غريبا إذن أن لا يتصدّر رئيس الدبلوماسية الإيرانية مشهد المصالحة بين الرياض وطهران في أولى حلقاته (كلّف بها أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي علي شامخاني). لا تحب السعودية عبداللهيان، الذي لم يكف لسانه عنها حتى بعد أن غادر الخارجية الإيرانية عام 2016، سواء في ملف البحرين، أو سوريا، أو اليمن، أو العراق. 

ربّما تمنّوا بأنّه لم يخرج أبدا من البحرين، ليرقّى إلى منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الخليج العربي والشرق الأوسط 2010. كان عبد اللهيان الدبلوماسي الوحيد الذي حافظ على منصبه الرفيع بعد فوز الإصلاحيين بالانتخابات الإيرانية عام 2013، حيث احتفظ به وزير الخارجية الجديد جواد ظريف حتى العام 2016. 

 

سيطرة السعودية على القرار البحريني 

على مدار عشر سنوات وجّه السفير السابق انتقادات حادة ولاذعة للسعودية على دورها في قمع انتفاضة البحرين وقتل المحتجين والتنكيل بالناس والغالبية الشيعية تحديدا. 

اعتبر عبداللهيان الوجود العسكري السعودي احتلالا للبحرين، ومساسا بسيادتها، وأنّه وراء إهدار فرص التفاوض السياسي بين الحكومة والمعارضة.

قال إن حصار منزل الشيخ عيسى قاسم كان بدعم سعودي وضوء أخضر أمريكي، وإن حكام البحرين ليس لديهم القدرة على اتخاذ القرارات وهم تحت سيطرة السعودية بالكامل، ورأى بأن ملك البحرين كان بإمكانه إقامة علاقات بناءة مع شعبه، لو لا احتلال السعودية العسكري للبحرين.

 

أينما ذهب

منذ سحق المحتجين في دوار اللؤلؤة مارس/آذار 2011، ودخول القوات السعودية البلاد، اعتنق عبد اللهيان قضيّة البحرين. صار يحملها على عاتقه أينما ذهب. 

ورغم أنّه اعتبر الأزمة شأنا داخليا، قال عبد اللهيان صراحة بأن "البحرين قضية مهمة في سياسة إيران الخارجية". كان ينطلق من أن ما يحدث في البحرين تهديد وإخلال بأمن واستقرار المنطقة.

من لندن، وموسكو، وبغداد، ومسقط، كرّر عبد اللهيان عشرات المرات مفردة "حوار حقيقي" مع المعارضة، وطالب العالم والدول الخليجية بالتدخّل لحل الأزمة. 

بدا عبد اللهيان وكأنّه قد كرّس نفسه لقضية البحرين (رغم اتّساع مشاغله التي تمتد إلى كل ملفات المنطقة)، ليحمل ملف البحرين في محادثات مباشرة أجراها مع السعودية، وتحدث عنها حتى خلال زيارة أمير الكويت إلى طهران 2014. 

 

الوساطة الإيرانية

في السنوات الأولى للانتفاضة حاول عبداللهيان أن تعمل إيران كوسيط بين الحكومة والمعارضة (بعد تلقيها طلبات للمساعدة والوساطة من ملك البحرين ووزير خارجيته)، لكن جهوده باءت جميعها بالفشل. تقدّم بمبادرة أطلعها بشكل مباشر على المعارضة والحكومة، ووعد النظام باستخدام إمكانيات إيران في تسهيل وتسريع الحوار، و"مد يد العون لحل النزاع".

حاول عبداللهيان في تصريحات ناعمة أحيانا، بلا فائدة ترجى، أن يقنع حكومة البحرين عبر السياسة والأمل بضرورة وقف قمع المحتجين، لأنه "لن يصب في مصلحة البحرين ولا في مصلحة المنطقة"، وبوجود "فرصة للحل السياسي"، وبإمكان تحقيق "مصالحة وطنية"، وبأن مطالب المعارضة سقفها منخفض جدا.

أكّد مرارا بأن طهران لا تسعى لإسقاط نظام الحكم في البحرين، وكذّب بشكل قاطع مزاعم المنامة عن إرسال إيران أسلحة ومتفجرات، مشدّدا على دعم الحل السياسي فقط. 

 

الحكومة تشكو عبداللهيان للأمم المتحدة

عبد اللهيان الذي أعيا المسئولين في البحرين بكثرة وشدة تصريحاته، كان موضوع شكوى قدّمتها حكومة المنامة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد ما سمّته «التهديدات الإيرانية» للبحرين.

في العام 2013 جال وزير الخارجية البحريني العالم حاملا تصريحات عبداللهيان كأدلّة على التدخّل الإيراني. كانت القصّة التصعيد الشديد في تصريحات عبداللهيان ضد البحرين بعد اقتحام قوات الأمن منزل الشيخ عيسى قاسم. حذّر عبد اللهيان الحكومة من رد غير متوقّع واعتبر أنّها «تجاوزت الخطوط الحمر». قال إن قضية قاسم «تخص العالم الإسلامي» وليست شأنا داخليا بحتا. 

ومع استمرار التراشق على تويتر قال عبد اللهيان للوزير «تعرف جيدا أن إيران لم ولن تتدخل في البحرين لأنها لو تدخلت لكانت الأمور غير ما هي عليه الآن» ودعاه مرة أخرى «للمصالحة بدل ترويج الفتنة»

 

في كل مفصل

لم يوفّر عبداللهيان مناسبة إلا وداس فيها «بطن» الحكومة البحرينية. علّق على تصاعد نفوذ «داعش» في البحرين بأنه نتيجة سياسات الحكومة.

صعّد عبداللهيان من شدة تصريحاته بعد اعتقال زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان، واعتبر أنه «مؤشر على حدة الأزمة في البحرين وعدم منطقية تصرفات نظام آل خليفة»،  وطالب بالإفراج عنه فورا.

وهكذا في كل مفصل برز عبداللهيان مدافعا عن الشعب في البحرين، ومهاجما سياسات الحكومة و«السلوك الطائفي الذي ينتهجه متطرفون في الحكم ضد الشيعة». 

زادت حدة التصريحات التي يطلقها عبداللهيان بعد إسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم «يكشف اعتماد حكام المنامة على الأجانب وعلاقاتهم السرية مع الكيان الصهيوني والتي ستلحق الضرر البالغ بنظام آل خليفة».

غادر عبداللهيان الخارجية الإيرانية عام 2016، لكنه لم يغادر السياسة الدولية. استطاع سريعا تأمين وظيفة مساعد لرئيس البرلمان الإيراني للشئون الدولية (الخارجية). ومن موقعه هذا استمر بلا توقف في مهاجمة النظام في البحرين، خصوصا بعد محاكمة الشيخ عيسى قاسم ومحاصرة منزله وفض الاعتصام الجماهيري حوله بالقوة (2017)، مطالبا الأمم المتحدة بالتدخّل لحماية الشيخ عيسى قاسم..

 

التطبيع مع إسرائيل 

اعتبر عبد اللهيان اتفاق التطبيع بين النظام في البحرين والكيان الصهيوني "خيانة كبرى" للقضية الإسلامية والشعب الفلسطيني في تحرير القدس. 

حين دافع وزير خارجية البحرين عن اعتداءات الكيان الصهيوني على سوريا ولبنان والعراق معتبرا إياها «دفاعا عن النفس» وصفه عبداللهيان بأنه بات «الناطق الرسمي للكیان اللقیط»

وحين زار وزير خارجية الكيان الصهيوني المنامة، قال عبد اللهيان «لا شك أن تل أبيب لن تجلب سوى انعدام الأمن للمنطقة و البحرين».

 

عودة الكابوس

عودة عبد اللهيان لوزارة الخارجية في منصب الدبلوماسي الأول، كانت أشبه بكابوس لحكومات الخليج والحكومة البحرينية تحديدا، وبالفعل لم يوفر عبد اللهيان لقاء دوليا إلا وتحدّث فيه عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، بدءا بلقائه نظيرته البريطانية. 

ورغم عودة العلاقات بين إيران والسعودية منذ أكثر من عام، لكن إيران رفضت على ما يبدو إعادة العلاقات الدبلوماسية مع البحرين بسهولة. يدل على ذلك تصريح أدلى به عبد اللهيان وموظفون آخرون عن "عقبات" و"معوقات" تحول دون عودة العلاقات. 

 

سعادة سفير البحرينيين

كان آخر تصريح لحسين أمير عبد اللهيان عن البحرين، قبل 6 أيام فقط من استشهاده. رحّب عبداللهيان بالإفراجات عن المعتقلين السياسيين في البحرين نهاية رمضان الماضي، ووصفها بالخطوة بالإيجابيّة نحو عودة العلاقات لحالتها الطبيعيّة.

لم يكن من السهل أبدا حصر تصريحات عبداللهيان عن البحرين، ومحاولة تجميعها وتوثيقها، تخليدا لذكرى سعادة السفير/معالي الوزير الراحل، شهيد العمل المخلص والدئوب. لكن البحرين اليوم تحتاج في زمن "إيتان نائيه" (السفير الإسرائيلي في المنامة) أن تتذكر دوما حسين أمير عبداللهيان، فرحمة الله على ذلك الرجل الإيراني الشريف الذي عمل سفيرا للبحرينيين في كل العالم!