كي لا نغرق في التفاؤل: الحلول الأمنية لا تزال أولوية!

صورة نشرها حساب مأتم السنابس بعد إلغاء فعالية تأبين رجال الدين الشيعة آية الله السيد محمد علي آل هاشم، آية الله السيد إبراهيم رئيسي والعلامة الشيخ علي الكوراني - 28 مايو 2024
صورة نشرها حساب مأتم السنابس بعد إلغاء فعالية تأبين رجال الدين الشيعة آية الله السيد محمد علي آل هاشم، آية الله السيد إبراهيم رئيسي والعلامة الشيخ علي الكوراني - 28 مايو 2024

2024-05-30 - 5:19 م

مرآة البحرين (خاص): منذ صدور العفو الملكي قبل نحو شهرين، والذي بموجبه تم الإفراج عن حوالي نصف المعتقلين السياسيين، وتحاول المعارضة في البحرين التعاطي بإيجابية قدر الإمكان مع المتغيرات المفاجئة، دون أن يعني ذلك التخلي عن المطالب السياسية أو التنازل عنها.

يعني ذلك أن تسير المعارضة (في غالبيتها) على خيط رفيع جداً، لا تقوم فيه بأي تصرف من شأنه تعكير الأجواء وإغلاق أي منفذ يؤدي في نهاية المطاف إلى الإفراج عن بقية المعتقلين السياسيين، لكنها في الوقت نفسه لا ترسل إشارات استسلام أو انهزام، استعداداً لما هو آتٍ من استحقاقات بعد تصفير السجون.

وعلى هذا الأساس تحركت المعارضة وعملت، فيما كان الجانب الرسمي يرسل هو الآخر رسائل بدت في أقل تقدير "ملتبسة" وغير واضحة. فهو من جهة يتعاطى بأسلوب مختلف مع ملف العلاقات مع إيران، ويعلن بشكل صريح رغبته في وساطة روسية تنهي القطيعة، متذرعاً بعدم وجود أي مشاكل مع الجارة، وهو ما يعني عملياً التخلّي عن سردية دامت 13 عاماً، تقوم على فكرة احتضان الجمهورية الإسلامية للمعارضة، والتدخل في شؤون البحرين، ومحاولة العبث باستقرار البلاد.

ومن جانب آخر تتعامل بشدّة وتقدّم الحل الأمني على غيره في التعاطي مع فعالية تأبين لرجال دين شيعة بدعوة من كبار علماء الطائفة الشيعية في البحرين، بممارسة التهديد مع مأتم السنابس الذي كان سيحتضن هذه الفعالية، في تصرّف يعيدنا إلى المربع الأول، ويذكرنا بالأعوام الماضية التي كان فيها الحل الأمني سيّد الموقف.

كان يمكن أن يتم عزل هذا التصرّف لو لم يكن يرافقه قمع، واجهت فيه قوات الأمن المحتجين الغاضبين على المجزرة المروّعة التي حدثت في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في رفح. كان المتظاهرون يرفعون شعارات ضد الكيان الصهيوني وضد الولايات المتحدة، ومتجهين إلى السفارة الأمريكية بشعارات سلمية غاضبة. لا شيء هنا خارج عن المألوف. لم يكن المحتجين يرفعون شعارات مناهضة للنظام، ولم يكونوا ينوون القيام بأي عمل عنفي، والمشاهد المصوّرة شاهدة على ذلك، لكن السلطة اختارت الحل الأمني مع ملف غير محلّي، لإرسال رسالة أخرى مفادها أننا لازلنا نتعامل معكم بحلول أمنية، ولازال القمع يتصدّر المشهد.

في خطوة أخرى تصعيدية من قبل السلطات، قامت إدارة سجن جو (الأربعاء 29 مايو 2024) بتطبيق إجراءات جديدة ضد السجناء المعتصمين، تضمنت نقل أي سجين يغادر المبنى، إلى مبنى آخر دون السماح له بالعودة إلى المبنى الأصلي.

وقالت الوفاق إن هذه الإجراءات دخلت حيز التنفيذ منذ الثلاثاء (28 مايو 2024) "حيث تم نقل عدد من المعتقلين إلى عيادة السجن ولم يتم إرجاعهم حتى اللحظة"، فيما يخشى المعتقلون من مغادرة المبنى خوفاً على سلامتهم، ما يعني مزيداً من التعقيد للأوضاع داخل السجن.

بالطبع لا يمكن وضع هذه الأحداث في سياقات منفصلة، فهي تمثّل تصعيداً من قبل السلطة التي كانت تبعث برسائل إيجابية عن قرب انفراج سياسي للبلاد، ووضع الخلاف السياسي في مكانه الطبيعي، على طاولة حوار مستقبلية بينها وبين المعارضة بصورة أو بأخرى.

بعد 13 عاماً لم يعد الحديث عن جناح الصقور والحمائم داخل السلطة يقنع أحداً، بل أثبتت الأحداث والسنين الماضية على أن القرار السياسي للدولة، هو مركزي يصدر عن رأس هرم السلطة، لذلك فإن السلطة اليوم أمام خيارين، هي تستطيع مواصلة "الاستدارة السياسية" التي بدأت قبل نحو شهرين، أو العودة للمربع الأول، أي الحل الأمني الذي ثبت فشله ولم يأخذ البلاد إلى أيّ مكان حتى بعد مرور 13 عاماً. وكما يقول المثل الشعبي "من جرّب المجرّب عقله مخرّب".