تقرير لمنظمة "هيومينا" عن حقوق الإنسان في البحرين بين 2019 و2024: القمع ما زال سائداً وأساليبه أصبحت ممنهجة بغطاء قانوني وأدوات ناعمة

ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ونجله ولي العهد (صورة من الأرشيف)
ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ونجله ولي العهد (صورة من الأرشيف)

2024-08-19 - 12:40 ص

مرآة البحرين: أصدرت منظمة "هيومينا لحقوق الإنسان"، مقرُّها في بروكسل، تقريراً شاملاً عن وضع حقوق الإنسان في البحرين بعنوان "تحدّيات حقوق الإنسان في البحرين" بعد تولِّي ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة رئاسة الوزراء، ويغطي التقرير الفترة بين عامي 2019 و2024 حيث يسلِّط الضوء على "الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان التي لا تزال مستمرة برغم ادّعاء الحكومة البحرينية مراجعة ومعالجة تلك القضايا، في أعقاب حملة القمع واسعة النطاق على المتظاهرين السلميين في البحرين خلال عام 2011".

وأكد التقرير، الذي أعدّه الناشط يوسف المحافطة، أنّ "فلسفة القمع المتبعة في البحرين منذ عام 1971 وحتى تولي رئيس الوزراء الجديد منصبه ما زالت سائدة، وما تطوَّر وتغيَّر فقط هو أساليب القمع، حيث أصبحت ممنهجة بغطاء قانوني ومفروضة بأدوات ناعمة، على عكس الحال السابق، إذ كانت وحشيّة القمع تقع تماماً خارج نطاق القانون".

واستندت المنظمة في تقريرها إلى قرار البرلمان الأوروبي بشأن البحرين في عام 2021، وتقارير "المكتب الأميركي للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل"، والعديد من منظمات حقوق الإنسان.

وذكر التقرير أنّ "المجتمع المدني في البحرين يعاني حالياً وطأة قيود صارمة، أبرزها حظر التجمّع السلمي والتظاهر، والقوانين القمعية ضد إهانة الحكومة أو الملك، إلى جانب غياب الآليات الديمقراطية للتمثيل النسبي"، مشيراً إلى أنّ "الإطار التشريعي في البحرين ينطوي على حزمة قوانين قمعية".

وقال التقرير: "تُواصِل الحكومة البحرينية ممارساتها القمعية اتجاه الصحافيين ومنعهم من استخدام وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية والمرئية".

وتطرَّق إلى الدستور والالتزامات الدولية للبحرين، فأشار إلى أنّ دستورها "يكرّس نظرياً حقوق الإنسان الأساسية، بينما تفرض القوانين الإجرائية والجزائية والتنظيمية المختلفة قيوداً عملية تقوّض وتنتهك الحريات المدنية والسياسية".

وبَيّن أنّه "بدلاً من أنْ يتم اختيار الأعضاء في كيانات حقوق الإنسان التي أنشأتها البحرين لتعزيز المساءلة، تتم التعيينات بموجب مرسوم ملكي أو عن طريق وزارة الداخلية"، لافتاً الانتباه إلى أنّ "الأعضاء يفتقرون إلى أي خبرة في الدفاع عن حقوق الإنسان أو حتى سِجل نزيه في هذا المجال".

وأضاف أنّ "المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تتجاهل دائماً مجموعات حقوق الإنسان البحرينية المستقلَّة، وتتعامل فقط مع مجموعات حقوق الإنسان المسجَّلة رسمياً، وجميعها منظمات حكومية باستثناء اثنتين".

وقال التقرير: "يشكِّل غياب الفصل الواضح بين السلطات معضلة رئيسة أخرى، إذ أنّ السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية جميعها مُسنَد إلى الملك وفقاً للدستور البحريني، والنظام التشريعي ليس مستقلاً أبداً عن سلطة الملك، تماماً كحال النظام القضائي الذي يرأس الملك مجلسه الأعلى".

وفيما يتعلّق بالقوانين واللوائح المنظّمة لحقوق الإنسان، فأكد التقرير أنّ "النظام القانوني في البحرين يكشف عن عوائق نظامية تحول دون امتثالها لالتزاماتها في توقيعها على الميثاق العربي لحقوق الإنسان والاتفاقات الدولية الأخرى".

وبيّن التقرير عدم وجود حرية تعبير وحرية صحافة، موضحاً أنّ "الحكومة البحرينية تقمعهما بشكل منهجي وتحظر تقريباً جميع الانتقادات والمعارضة، وتفرض تكتيكات قمعية على وسائل التواصل الاجتماعي داخل البلاد وعبر الحدود أيضاً لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في المنفى". وقال: "يُغَيَّب الإعلام المستقل عن البلاد منذ عام 2014 بعد أنْ حظرت وزارة الإعلام آخر صحيفة مستقلة، "الوسط"، ونادراً ما يتمكّن المراسلين الأجانب من الحصول على التراخيص اللازمة للعمل، كما يُمنَع أيضاً مسؤلو الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية وجماعات حقوق الإنسان من دخول البلاد".

وتابعت المنظمة قولها: "على المستوى القانوني، تَعمَد الحكومة البحرينية باستمرار إلى سن قوانين تقيّد التعبير عن الآراء وتعاقب الأفراد الذين يُقْدِمون على ذلك".

وتحدّث التقرير عن "حرية التجمُّع السلمي وتكوين الجمعيات"، فأشار إلى أنّ "الحكومة البحرينية جرّمت عملياً جميع أشكال التجمّع السياسي من خلال إصدار المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 2013 الذي ينظِّم التجمُّعات العامة والمظاهرات والمسيرات". وذكر أنّ "الحكومة البحرينية النشطاء السياسيين والمعارضة من حرية تكوين الجمعيات".

وتوقَّف التقرير عند النظام الانتخابي والمشاركة السياسية، فقال إنّ "الحكومة البحرينية استعانت بالملاحقة الأمنية كأداة لتجريد النشطاء المعارضين من حقوقهم السياسية، وانتهى حال أعضاء الجمعيات السياسية المُنْحَلَّة بالحرمان من المشاركة في السياسات العامة والتأثير عليها. وتنص القوانين جميعاً على إنكار الحقوق السياسية والمدنية الخاصة بالأفراد المحكوم عليهم بجناية، حتى ولو تم العفو عنهم أو رد اعتبارهم". وأضاف "تعرَّض المئات من البحرينيين للحرمان من حق التصويت أو الترشُّح إلى الانتخابات، وهو انتهاك صارخ لحقوقهم المدنية والسياسية".

وبخصوص انتخابات عامَي 2018 و2022، أكد التقرير "وجود انتهاكات أخرى مثل شراء الأصوات والضغط الحكومي على العاملين في القطاع العام والعسكريين" للمشاركة فيها.

وتضمَّن التقرير فقرة عن "سيادة القانون والوصول إلى العدالة" لتِبيان أنّ "المادة 33 من دستور البحرين تمنح بالفعل صلاحيات واسعة للملك، وهو ما يقوّض مزاعم الفصل بين السلطات وسيادة القانون". واستدل التقرير على "تضاؤل سيادة القانون في البحرين" بـ"انحراف السلطات عن المبدأ العالمي المتمثِّل في ضرورة التحقيق مع أي شخص المحتجَز خلال 48 ساعة من القبض عليه".

وخصَّصت المنظمة جزءاً من التقرير للحديث عن "الحق في الجنسية"، قائلة إنّ "ظاهرة انعدام الجنسية في البحرين تنتشر بشكل رئيس بسبب شيوع التمييز على أساس الجنس والعرق والانتماء القبلي والإعاقة والوضع االجتماعي والاقتصادي"، فـ "في عام 2012، قضت الحكومة البحرينية بإلغاء جنسية مئات الأفراد من خلال أوامر تنفيذية ومراسيم ملكية وقرارات قضائية، مما جعل العديد منهم عديمي الجنسية". وبحسب المنظمة، "لا يزال أولئك الذين استعادوا جنسيتهم يواجهون التمييز ويفتقرون إلى الوصول الكامل إلى خدمات السكن والرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية والحقوق السياسية".

من جانب آخر، أضاء التقرير على "تعرُّض المدافعات عن حقوق الإنسان للعنف القائم على النوع الاجتماعي والتهديد بالاغتصاب والاعتداء الجنسي أثناء الاستجواب والاحتجاز".

وخصَّص التقرير مساحة للحديث عن حقوق الأقليات والفئات الضعيفة، مشيراً إلى "انتهاكات وممارسات استغلال كبيرة تواجه العمال المهاجرين في البحرين، ناجمة عن كل من ممارسات أرباب العمل وكذلك الأعراف القانونية والمجتمعية".

وأكد "وجود تمييز على أساس الدين والانتماء العرقي في البحرين بالرغم من تأكيد النصوص الدستورية لعامَي 1973 و2002 على مبدأ المساواة بين جميع البحرينيين في الحقوق والواجبات"، ذاكراً أنّ "مِن صور التمييز سعي السلطات البحرينية إلى تقليص الحضور الديني والثقافي للأغلبية الشيعية"، مبيناً أنّ "الدولة تتولّى تشكيل السلطات الإدارية الشيعية، وتمنع المجتمعات الشيعية من بناء المساجد في المدن ذات الأغلبية الشيعية، ومن تشييد الحسينيات"، قائلاً: "يغيب التمثيل الشيعي إلى حد كبير عن تغطية وسائل الإعلام البحرينية". وأشار إلى "التجمّعات الشيعية الدينية السلمية تتعرّض للاستهداف القانوني الممنهج عبر مجموعة واسعة من التهم".
وحول انتهاكات حقوق الإنسان، لفت التقرير الانتباه إلى أنّ "هناك حالياً 26 مواطناً محكوم عليهم بالإعدام في البحرين، ومعرَّضون لخطر تنفيذه في أي لحظة يصدر فيها الملك موافقته
النهائية، وتتوالى أيضاً الأحكام المشدَّدة ضد المشاركين في أي تجمُّع سياسي سلمي، وتُفيد البلاغات المتواترة من السجناء السياسيين بشيوع الحرمان من العلاج الطبي ومن الحقوق الأساسية".

وأردفت المنظمة قائلة: "تكثِّف الحكومة البحرينية حملات القمع ضد النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، باستخدام الأساليب العقابية التقليدية مثل فرض القيود الأمنية والاعتقال، بالإضافة إلى استخدام التقنيات المتقدِّمة التي تنتجها شركات برامج التجسس، أمثال مجموعة "أن إس أو" (الإسرائيلية) للاستخبارات التكنولوجية، وتفرض الحكومة البحرينية رقابة مشددة على الانتقادات المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما تسجن النشطاء الذين ينتقدون سياسات الحكومة وتحظر مشاركتهم في الفعاليات التي تنتقد السياسات السياسية أو الاقتصادية".

وأضافت أنّ "تصنيف البحرين المنخفض في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2022 الذي أعدّته منظمة "مراسلون بلا حدود" هو أبرز دليل على الحال المزرية لحرية الصحافة في البحرين".

وأشار إلى أنّ "البحرين تستمر حتى هذه الساعة في ممارسة سياسة تكميم الأفواه بحق المعارضين واعتقالهم تعسُّفاً وتعرُّضهم، بعضهم قاصر، للتعذيب"، مفنِّداً زعم البحرين بأنّ "قضائها نادراً ما ينفّذ أحكام الإعدام"، مذكِّراً بأنّه "منذ عام 2011 صدرت أحكام بالإعدام بحق 51 شخصاً نفَّذت 6 منها في عام 2017، ولا يزال 26 رجلاً ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بعد أنْ استنفذوا جميع الطعون والنقض".

وفي توصياتها للحكومة البحرينية، طالبت المنظمة بـ"ضمان حياد التحقيقات في وقائع التعذيب، عبر إجراء تحقيقات مستقلِّة ومحايدة في جميع مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة التي يرتكبها المسؤولون الحكوميون أو يأمرون بها أو يحرِّضون عليها".

وشدّدت على "أهمية محاسبة المسؤولين المتورّطين في جرائم التعذيب، عبر التحقيق مع جميع المسؤولين ومحاكمتهم، بمن فيهم ممثِّلي النيابة العامة وأفراد الأمن المتورِّطين في أعمال التعذيب وسوء المعاملة، بغض النظر عن رتبهم أو مناصبهم، وإنهاء حصانة ضباط السجون من المساءلة".

وحثّت الحكومة البحرينية على "استكمال تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق المستقلَّة الصادرة في عام 2011 (لجنة بسيوني)، وكذلك المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان، وإطلاق سراح السجناء السياسيين"، مطالبة بـ"إعادة العمل بوقف عقوبة الإعدام، وضع حد للاعتقالات والاستدعاءات التعسُّفية، ورفع القيود القانونية المفروضة على المجتمع المدني، وحظر التمييز ومنع العنف ضد المرأة، وإنهاء استهداف الناشطات، وإلغاء قوانين العزل السياسي، وإصلاح قوانين مكافحة الإرهاب، وإعادة الجمعيات السياسية، ورفع القيود المفروضة على الترشُّح السياسي، وإنهاء شرط الفحص الأمني، وعديل مواد قانون العقوبات، وقبول زيارات المقرِّرين الأمميين".

ودعت المنظمة الحكومة البحرينية إلى "الشروع بالعدالة الانتقالية والمصالحة عبر تفعيل برامجها ودعم وتعزيز حوار وطني شامل حر ومستقل وغير مشروط وممثِّل للأطراف والمجتمعات البحرينية كافة التي تعمل على تحقيق المصالحة الوطنية". وأكدت "وجوب حماية الحريات الدينية للطائفة الشيعية والقضاء على التمييز الطائفي وإصلاح المناهج التعليمية".

وختمت المنظمة تقريرها بالدعوة إلى "إصلاحات قانونية في البحرين وإنشاء هيئات حقوق إنسان مستقلَّة تتمتَّع بعمليات تعيين نزيهة وسلطة نافذة للتحقيق في الانتهاكات، إضافة إلى تعزيز آليات تقديم الشكاوى"، مشددة على "وجوب استقلال القضاء".