جولة في قلب «زينب الخواجة»:منذ التسعينيات كانت صورة الشيخ الجمري على حائط غرفتي

2012-10-27 - 2:47 م


مرآة البحرين (خاص): زينب الخواجة.. اسمٌ البعض يطرب له والبعض يخشاه.. اسمٌ فرض نفسه بقوة على معادلة الحراك في الشارع البحريني المعارض منذ انطلاق ثورته بالرابع عشر من فبراير من العام الماضي ..

الحضور الذي سجلته وتسجله الفتاة ذات الثمانية والعشرين عاماً، لم يكن مصطنعاً أو مفروضاً ببخور البروبغندات والاجترارات التي تساعد على صناعة الرمزية، في مجتمع يُخشى عليه أن يصبح عدد رموز حراكه أكثر من عدد جمهوره!

يمكننا أن نصف زينب البنت الكُبرى لـ (العنيد) أو (عميد الحقوقيين) كما يطيب للبعض تسمية عبدالهادي الخواجة.. هي قليلة الكلام..كثيرة الأفعال.. حين يرمقها المرء في الأماكن العامة كالمقاهي والمجمعات يحسبها حملا وديعا.. وحين تطأ قدماها الساحات من أجل الاحتجاج، تصبح طوفانا من الإصرار على إيصال رسالتها.

حب البحرين يمنع الكلام بغير العربية.. 

 
ومما قد يندهش منه الناس هو أن زينب وأخواتها لم تطأ أقدامهن البحرين لأول مرة إلا في العام 2001 ، فقد ولدن في الدنمارك ونشأن هناك في بيتٍ يتنفسن فيه بطبيعة الحال "حقوق الإنسان" وهو ما يُلتمس في شخصياتهن وأدوارهن اليوم، بيد أن المثير في الأمر هو ما كشفت عنه زينب عن طبيعة النشأة في هذا البلد الأوروبي.

تقول الخواجة "كان والدي قد سنَّ قانوناً منع فيه الحديث بلغة غير العربية، وقد أقام والدي مع بعض الأصدقاء من العرب ملتقى لتدريسنا اللغة والشعر، وكان يدرسنا أيضاً الفقه الإسلامي"  وقبل كل ذلك، تقول زينب "كان حريصاً على غرس حب البحرين في نفوسنا منذ نعومة الأظافر بطريقة تحولت إلى مصدر استفزاز إلى الحنين المختلج للوطن الذي لم تكن عيوننا قد شاهدته"

"لقد طغى الحب والشوق للوطن على كل شيء آخر..هو شعور نما في لحمنا ودمنا بفضل تعاليم والدي الذي لم ينس ضرورة تعليمنا العادات والتقاليد البحرينية، وهو ما ساعدنا أن نتأقلم بسرعة حين عودتنا"

صورة الشيخ الجمري على حائط غرفتي

ولم تبتعد تراجيديا أوضاع حقوق الانسان في البحرين في حقبة التسعينات عن زينب التي كانت حينها قد أسدلت الستار على عقدها الأول من العمر، فقد كان والدها بحسب ما أكدته يبدأ في متابعة الأوضاع والانتهاكات بعد تأدية صلاة الفجر مباشرةً، مشيرةً إلى أنها كانت تقوم بمساعدته في تسجيل وتدوين بعض الملاحظات إذ عمد إلى إشراكها وإطلاعها على أوضاع الوطن أولاً بأول.

"تأثرنا كثيراً بما جرى في حقبة التسعينات وما عاناه الناس من انتهاكات تمثلت في القتل والتعذيب بالسجون والاعتقال" تقول زينب، وتتذكر "حين كنت في الحادية عشر من العمر، علقت صورة الشيخ الجمري وصور بعض الشهداء والأجساد التي جرى عليها التعذيب وكانت مثل شلال تتدفق منه الدماء، وأتذكر أن والدتي كان لها رأي مغاير، هي نصحتني بعدم إلصاق صور التعذيب الوحشي خوفاً أن ينعكس ذلك علي وأدخل في قلبي القسوة، لكن رأيي كان أن ذلك يذكرني بما يجري على أهلي في وطني ويجعلني مرتبطة أكثر بمعاناتهم، فأصرريت على إبقاء الصور"

بين زينب... ومريم

 
هل ثمة أدوار متفق عليها  بين زينب وشقيقتها مريم، على أن تكون الأولى على أرض الحدث في البحرين، وأن تُناط بالثانية أدوار آخرى تجعلها متنقلة بين الأقطار ومكاتب المنظمات الحقوقية في شتى البلدان؟

تجيب زينب على هذا التساؤل "لم يكن هناك اتفاق أو أمر مخطط ليكون المشهد هكذا، كان والدي يشعر بالقلق في أن يتم اعتقال مريم التي كانت تقوم بنشاط التوثيق منذ فترة وبلغت ذروتها أيام التجمع في دوار اللؤلؤة، وهو ما دفعه إلى أن يطلب منها المغادرة بعد اقتحام الدوار"

قال لها عبد الهادي بالحرف الواحد "عليكِ مسئولية كبيرة وأنت في الخارج، لا أُريدك أن تكوني من الذين يغادرون الوطن ولا يقومون بشيء من أجل البحرين، سخري وقتك وكل جهودك لخدمة قضيتنا العادلة، لا تلتفتي للذات ولا لأي إحباطات فدرب النضال طويل وأنا على ثقة أنك خير من يحمل الأمانة"

أما بالنسبة لزينب فبقيت هنا مع الثائرين "أنا لا أرى نفسي في الجانب السياسي أو الحقوقي بقدر ما أجدها في صفوف الثوار المرابطين في الساحات بكل سلمية وصبر"

تقسّمت شخصية عبد الهادي الخواجة على بناته، طغى على كل واحدة منهن جانب منه "لا أبالغ حين أقول إنه علمنا بأفعاله قبل كلامه"

أرفض تضخيم مواقفي

 
 
البعض يصف المواقف التي تقوم بها زينب بالمحرجة للرجال، الحديث هنا عن جسارتها أمام سطوة المرتزقة، حين اعتصمت بمفردها في دوار أبو صيبع الذي يُعرف الآن بين الناس بـ"دوار زينب الخواجة"، وحين جرتها قوات الأمن على الأرض وهي ترفض المغادرة، وحين اعتصمت أمام مبنى وزارة الداخلية (القلعة) وعند المستشفى العسكري خلال فترة إضراب والدها المعتقل عن الطعام.

لكن الغريب أن زينب ترفض هذا الوصف بعنف وتؤكد أن ذلك ليس دقيقاً، مشيرةً إلى أنها تمتلك نوعا من الخصوصية على مستوى ردود فعل السلطة عليها، لامتلاكها الجنسية الدنماركية واتصالها بالجهات الدولية، وتوضح "ربما لو كان أحد من الشباب قام مثلاً باعتصام الدوار الذي قمت به، لكانت ردة فعل القوات أعنف بكثير"

تضيف زينب "صحيح أن السلطة لم تحترم منظمات دولية حقوقية ولم تحترم العلاقة الدبلوماسية مع الدنمارك، لكنها لم تقطع خيوطها على مستوى الاحتراز في التعاطي معنا بشكل كامل، لذلك لاينبغي تضخيم المواقف في هذا الجانب، فالجميع يقوم بدوره السلمي والأدوار مختلفة لكن الطريق واحد وكلنا نسير نحو هدف نشترك فيه جميعنا وهو العدالة والكرامة والحرية"

الشهداء والمعذبون وقود الإصرار

انتهاكات جسيمة، أيام سوء، وليال هستيرية، في هذا الجانب تهمسُ لنا زينب بسر من أسرار حالات الإصرار على الحضور الغريب الفريد لها في مواطن عديدة "أعيش مع الشهداء في كل لحظة، حين ضُربت في المعتقل قبل إطلاق سراحي واعترتني حالة من الامتعاض والشعور بالمهانة تذكرت صبر والد الشهيد أحمد فرحان الذي أعتبره قدوة في الصبر والتحمل"

تضيف زينب "استجمعت قواي حين ارتسم في ذهني وجهه وموقفه، بعد قتل ابنه بتلك الطريقة البشعة، فما لاقيته و ألاقيه وسألاقيه من عنف سلطوي أدمن أصحابه الغوغاء والامتهان بمشاعر الناس قد لا يساوي شيئاً مما لاقته أسر الشهداء، ومن فقدوا أعينهم، ومن تعذبوا بوسائل متنوعة"

وتعبّر "إذا كنت تلميذة عبدالهادي الخواجة فأنا أيضاً يشرفني أن أكون تلميذة لأباء وأمهات الشهداء في صبرهم وتضحياتهم، وأتمنى أن يقبلوني كذلك"

بعض السُنة اتصلوا بي وهم يبكون

 
ولزينب الخواجة فلسفة خاصة في قراءتها للحراك والقضية البحرينية، فهي تعتقد أن الشعب البحريني قد حقق الانتصار في قضيته منذ أن خلع ثوب الصمت واستبدله بثوب الإصرار على رفع صوته بالاحتجاجات في وجه السياسات التي تفرز الانتهاكات والظلم "لقد انتصر حين تحول من موقعه في الصمت ومسايرة الظالم إلى موقع المقاوم الثائر في وجهه" لكنها تظل تؤكد أن الانتصار يكون للوطن وللعدالة والكرامة، لا انتصار فئوي ولا طائفي، فهي تؤكد أن السنة مظلومين وبعضهم يشعر بالظلم ويجاهر به، والبعض الآخر لايستطيع الكلام.

"حراكنا قد يطول، لكنني أؤكد لكم أننا انتصرنا منذ أن غيرنا فلسفة المسايرة مع الظلم وانتقلنا بشكل كامل إلى مرحلة الرفض والثبات على الرفض في بلدٍ يُقتل فيه الناس بدم بارد لمجرد تمزيق صورة الملك أو الهتاف بسقوطه وهو ما أتبناه مستلهمة إياه من الثوار، فلماذا لا نصيح بهذا الشعار هل الملك عادل أم ظالم؟ هل هو المسئول عن القتل أم لا؟ هل هو المسئول عن التعذيب أم لا؟ لا يوجد سبب يجعلنا نحبه أو لا نطالب برحيله"

وتوضح "حين نتحدث عن انتصار، فنحن نسعى لأن ينتصر الوطن على كل الفساد والمفسدين، لا انتصار لفئة على أخرى، أو لطائفة على أُخرى، ولعل مما يميز ويؤكد سلميتنا أن الثوار لا زالوا يرفعون شعار (إخوان سنة وشيعة)"

تكشف زينب "لدي أصدقاء سنة أكن لهم كل الاحترام والحب، بعضهم يُحسبون على الموالاة، وقتئد اتصل بي بعضهم وهم يبكون، ويقولون إننا لانستطيع قول شيء ولن يتسنى لعلاقتنا بك أن تستمر نظراً للظروف، أجبتهم أنني أحبكم ومتى ما رأيتم الظروف ملائمة ستجدوني كما عهدتموني"

مسجد الخواجة تُراث الأجداد

قبل أن نودعها سألناها ماذا يعني لكِ مسجد الخواجة؟ ابتسمت، ورمقت الأجواء، ثم قالت "فضلاً عن أنه بيت من بيوت الله الطاهرة، أعتقد أنه يمكنني القول إنه تُراث الأجداد للأحفاد، ثمة شعور بالفخر يختلجني بسبب أن أجدادي بنوا هذا المسجد الدال على هويتنا في العاصمة، إنني أقوم بتعريفه لكل وافد أجنبي من المنظمات الدولية أو الإعلاميين الذين يزورون البحرين من أجل تغطية الأحداث".


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus