الملك يُغازل "إخوان" البحرين

الملك يُغازل
الملك يُغازل

مرآة البحرين - 2025-01-10 - 9:38 م

ختم ملك البحرين حمد بن عيسى العام 2024 بلقاءٍ خاصّ. قرّر على نحو مُباغت استقبال رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح (الإخوان المسلمين) عبد اللطيف الشيخ وأعضاء المجلس. تذكّر فجأة أن للجمعية مُساهمات ومُبادرات خيرية يجب الإشادة بها، وأفرغ مخزون كبير من الابتسامات لإضافة مصداقية على المشهد.

 

هكذا أراد الملك أن يُظهر لمن رأى المشهد. لكنّ العارفين يُدركون أن خلفيات هذه الجلسة التي لا تحصل إلّا بالنوادر، ولاسيّما في قصر الحاكم، تُشير إلى عكس ما أُعلن على الأقلّ من جانب السلطة ووكالة أنبائها الرسمية. 

 

وحتى تكون الأمور على بيّنة، وحتى تأخذ حجمها الطبيعي لابدّ من تأكيد التالي: 

 

* لا علاقة لمعزوفة الإنسانية بصورة الملك مع عبد اللطيف الشيخ وأعضاء الجمعية.

 

* لا علاقة للزيارة بذكرى اليوبيل الفضي لتولّي الملك مقاليد الحكم في البحرين، كما جاء في كلمة الخبر الرسمي.

 

* لا علاقة للجلسة برعاية الملك للقرآن وحفظته ونشر علومه في البحرين، وفق ما أورد البيان الرسمي أيضًا.

 

* لا علاقة لما جرى بالحديث عن تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ روح المحبة والانتماء للوطن.

 

 

ندخل إلى التفصيل إذًا. حُكمًا، يأتي اللقاء انعكاسًا لما يجري في الإقليم وتحديدًا في سورية، حيث تبدّلت موازين القوى لصالح القوى الإسلامية المتشدّدة. لا يمكن فصْل اللقاء عن تولّي هيئة تحرير الشام القيادة في دمشق، وكلّ ما تمثّله من ربح لهذا التيار مهما كانت مُسميّات التنظيمات والفصائل التي تنتمي إليه ورؤيتها أكانت سلفية أم جهادية أو متطرّفة. 

 

في سورية اليوم الغلَبة لتيار الإخوان المسلمين في شقه المتشدد، وجمعية الإصلاح أحد وجوهه في البحرين. الأمر ليس خافيًا على أحد. استثمار الظرف فرَضَ على السلطة الحاكمة في البحرين التحرّك سريعًا، فكانت الأولى خليجيًا في إرسال وفد أمني رسمي للقاء قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع الملقّب بأبي محمد الجولاني، ثمّ تُوجّت الاندفاعة البحرينية برسالة الملك إلى الشرع ليكون أيضًا أوّل زعيم عربي يُخاطبه.

 

الواضح أن الملك البحريني قرّر التودّد إلى الإخوان وجماعتهم في البلد وخارجه. الإصلاح وذراعها السياسية جمعية المنبر الإسلامي تهمّ اليوم الحاكم كثيرًا، يحتضنها ويُغازلها ويُثمّنها تبعًا لموازين القوى المائل للإخوان وداعميهم من تركيا وقطر. ينفتح عليها وعلى أنشطتها التي لم تكن على جدول أعماله يومًا وفقًا لما تقتضيه مصلحة بيت الحكم في هذا الظرف الدولي الجديد.

 

تركيز الحاكم على جماعة الإخوان لا ينسجم مع رأي وزارة الداخلية فيها، فالأخيرة وفق وثيقة صادرة عنها وتحديدًا عن أمانة سر لجنة محاربة التطرف ومكافحة الإرهاب وتمويله وغسل الأموال (استُحدثت عام 2020) تتهم الإصلاح بتحويل مبالغ إلى الخارج تصل إلى 8 ملايين دينار، دون موافقة الجهات الحكومية، أي أنها تقوم بتحويلات مالية غير شرعية كما جاء في التسريب المتداول لنتائج تقييم تنظيم جمع المال للأغراض العامة ولائحته التنفيذية. خلاصة ذلك أن الجمعية الإخوانية ليست محلّ ثقة الداخلية وأجهزتها، وهذه الشكوك تُشير إلى حُكم واحد: دعم الإرهاب، لكن على الرغم من ذلك، ما زالت مرخّصة وتعمل بحرية في البحرين، لا بل تُحيي الدولة اهتمامها بها. 

 

خطوة الملك تجاه "الإصلاح" تُثبت ممّا لا شكّ فيه أن الجمعيات السياسية المسموح لها بالعمل في البحرين إلى الآن ليست في خريطة أولويات الدولة، فالسلطة لا تسعى إلى التقارب مع أيّ تنظيم أو جمعية سياسية ما زالت تنشط على أراضيها أو حلّتها سابقًا، والتضييق القانوني الأخير على من تبقّى من الجمعيات يشهد. 

ليس في وارد الحاكم أن يتودّد لأيّ جهة أو فئة محلية بلا انتفاع أو جدوى مباشرة. وليس أيضًا في باله أيّ حرص على التنوّع السياسي في البلد مهما كان شكله، والحديث عن "تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ روح المحبة" لا يليق بحُكم آل خليفة في ظلّ كلّ النوائب والمِحن المُتنوّعة التي تعيشها المملكة. 

 

المسألة برمّتها مصلحةٌ سياسية لبيت الحكم وصيْدٌ للحظة إقليمية تقوده إلى حجْز مقعدٍ يظنّه فاعلًا في المشهد العربي الذي يُرسم تباعًا، انطلاقًا من سورية.