تجنيس البحرين العشوائي.. متى تفي الدولة بوعودها؟

تجنيس البحرين العشوائي.. متى تفي الدولة بوعودها؟
تجنيس البحرين العشوائي.. متى تفي الدولة بوعودها؟

مرآة البحرين - 2025-01-11 - 8:28 م

في كانون الأول/ ديسمبر 2024، أنهت الكويت وضع آليةٍ مُتكاملة لحصر وإدخال كل المراسيم الأميرية الصادرة بسحب أو فقد أو إسقاط الجنسية الكويتية، بعدما كانت قد أطلقت حملةً ضخمةً للهدف نفسه طالت آلاف الأشخاص ممّن اكتسبوا جنسية البلد في فترات مُتفاوتة وأسباب مُختلفة. 

 

الحملة الكويتية المتواصلة عنوانها "الحفاظ على الهوية الوطنية وتحقيق الاستقرار وحماية النسيج الوطني"، على أن البارز فيها تدعميها بالمظلّة القانونية والشفافية المُقنعة لمعالجة هذه المشكلة التي يُعاني منها عموم الخليج، انسجامًا مع ما توافقت عليه دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة الماضية لناحية حلّ هذا الملفّ الشائك.

 

العملية إذًا مُنتظمة في الكويت. وزارة الداخلية تقودها وتضع خطًا ساخنًا للإبلاغ عن مزوّري ومُزدوجي الجنسية، وتعليل تجريد الشخص من الجنسية مُتاحُ كذلك أمام الجميع مع ذكر الأسباب، وأوّلها الغشّ والتزوير وحمل جنسية أخرى، والحصول عليها بناءً على أقوال كاذبة، والإدانة في جرائم مخلة بالشرف. كما أن معالجة المسألة تلحظ آلية للتعامل مع المتقاعدات من زوجات الكويتيين والمطلقات والأرامل المقيمات في الكويت المسحوبة جنسياتهن.

 

نموذج البحرين

البحرين أيضًا تعاني من فوضى التجنيس وارتداداته السلبية على المواطنين الأصيلين وأبناء البلد. الدولة عبر وزير الداخلية راشد بن عبدالله أعلنت في حزيران/يونيو 2024 عن مراجعة جميع حالات اكتساب الجنسية البحرينية منذ العام 2010، فظنّ الجميع أن الحملة انطلقت فعليًا، لكن سرعان ما تبدّدت الأوهام. 

 

ستة أشهر ولم تتضح إلى الآن نتائج ميدانية لهذا الإعلان. الكلّ في البلد، ممّن هم محسوبون على النظام أو غير محسوبين، معارضة أو موالاة، اتفق على صوابية القرار. الآراء تنوّعت ولكنّها تصبّ كلّها في خانة ضرورة تطبيق القرار منعًا لتمادي تداعيات التجنيس الحاصل على النسيج الاجتماعي والأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

 

المراجعة المُزمعة من قبل وزير الداخلية لم تُقنع الكثيرين في البلد، فهؤلاء لم يتلمّسوا جُهدًا حقيقيًا وواضحًا يُبذل من قبل الوزارة المعنية خلافًا للأسلوب الكويتي في التعامل مع المشكلة نفسها. لا معايير، لا آليات، لا أخبار، لا أرقام، ولا بيانات تُبيّن ماذا وكيف يجري ذلك. 

 

عشرات آلاف الأجانب مُنحوا الجنسية البحرينية إمّا بهدف سياسي أو اقتصادي، إمّا لتغيير التركيبة الديموغرافية، عبر استيراد أفراد من بلدان متعددة من انتماء محدد، ومنحهم الجنسية، وإمّا للخدمة في السلك العسكري، كالباكستانيين مثلًا.

 

الأرقام والنسب المُتداولة بشكل غير رسمي تُشير الى أن 15 % من إجمالي عدد سكان البحرين هم مُجنّسون. المواطنون يشكون من مشاكل جمّة يتسبّب بها التجنيس التخريبي الذي أقدمت عليه الدولة، وانقلبت على وعودها السابقة بأن هذه العملية "ستكون في أضيق الحدود". 

 

لسنا أمام لعبٍ بالتركيبة السكانية فقط، بل إن الأمور وصلت إلى حدّ ارتكاب كثيرٍ من الحاصلين على الجنسية البحرينية جرائم مروّعة في المملكة. حتى أن المسألة تجاوزت حدودها الجغرافية ووصلت إلى السعودية، من الساعين وراء أطماعهم.  وهو ما ظهر جليًا عندما زار وزير الداخلية السعودية عبد العزيز بن نايف المنامة عام 2018 لبحث مُنافسة من يحملون جوازات بحرينية لأصحاب الأعمال في الرياض. الأمر نفسه تكرّر مع يمنيين جنّستهم البحرين وهم مُقيمون في السعودية.

 

ولأنّ الأمور محسومة بالنسبة للبحرينيين، إذ لا يمكن الاستمرار والتعاطي بخفّة مع هذا الملفّ بعيدًا عن الجديّة، على الدولة أن تُطبّق ما تُعلن من مشاريع، حتى لا تبقى حبرًا على ورق، لا أن تُغرق وسائل الإعلام ومنابره بالحديث عن أهمية هذه الخطوة من دون التحرّك فعليًا لتنفيذها، عبر وضع معايير مُحدّدة وشروط واضحة، والذهاب مباشرة إلى تجريد المُخالفين، وأولئك الذين شملتهم المراسيم الملكية التي مُنحوا على أساسها جنسية البلد، وصولًا إلى وضع قانون جديد لمنح الأجانب الجنسية.

 

إلى الآن، لا يبدو هذا السيناريو قريبًا أو وشيكًا. أداء وزارة الداخلية يؤكد ذلك، حتى أن خدماتها المتوفّرة على موقعها الالكتروني لا تأتي على ذكر أيّ تطوّر في حملة سحب الجنسيات. حالات تجريد الجنسية قليلةٌ جدًا قياسًا بالأعداد المُتداولة التي تُقارب الـ120 ألفًا، ولعلّ أبرزها النائب محمد الحسيني، عندما أبطلت محكمة التمييز عضويته في البرلمان وجرّدته من الجنسية البحرينية. ككلّ ملفات الأزمة العالقة، مشكلة التجنيس في البحرين على حالها، والمسؤولون لا يفقهون سوى تخدير الناس بوعود ووعود ووعود.