الغضب بشأن الربيع العربي يصيب علاقات بريطانيا الخليجية بالتوتر

2012-11-03 - 12:28 م


«رويترز»: لا تتحمل بريطانيا التي تربطها بالخليج صفقات بمليارات الدولارات وعلاقات استراتيجية حيوية إغضاب حلفائها الخليجيين، لكن علامات بدأت تظهر على تزايد الاستياء العربي بشأن مسألة حقوق الانسان.

وزادت انتفاضات الربيع العربي الحساسية في منطقة الخليج التي تقود أغلبها أنظمة حكم مطلق تجاه الانتقادات لطريقة تعاملها مع المعارضين، مما صعب جهود بريطانيا للموازنة بين مساعيها من أجل حقوق الانسان والديمقراطية وبين مصالحها الأخرى.

وقال مسؤولون سعوديون لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الشهر الماضي إنهم يشعرون "بالاهانة" بسبب تحقيق برلماني من المتوقع أن يفحص سجل حقوق الانسان في البلاد، وإنهم ردا على ذلك "سوف يعيدون تقييم علاقات بلادهم التاريخية مع بريطانيا".

واستنكر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش افتتاحية لصحيفة "ذي غارديان" البريطانية في اكتوبر/تشرين الاول الحالي وصفت الامارات بأنها "نظام استبدادي"، متهما الصحيفة بأنها "لا تعرف شيئا برؤيتها المتعالية".

وعلى الرغم من أن التحقيق البرلماني لا يحمل أي صفة تشريعية وأن "ذي غارديان" لا تتحدث بلسان الحكومة البريطانية إلا أن الانتقادات جاءت لاذعة. وقال كريس دويل من مجموعة "كابو" التي تأسست لتعزيز العلاقات العربية البريطانية: "يهيمن قلق شديد على المنطقة وهذا القلق نتيجة عدد من الأزمات التي لم تحل. التوتر مع ايران وبالطبع الانتفاضات العربية".

وأضاف "هذا يجعل الحفاظ على العلاقات في حالة سلسة ومتزنة أمراً صعبا جدا بالنسبة للحكومة البريطانية، لأنها في الوقت الذي لا تتحمل فيه المسؤولية عما يكتب في وسائل الاعلام ينظر إليها دائما باعتبارها المسؤولة، سواء أعجبها ذلك أم لم يعجبها".

وتتعرض دول الخليج لانتقادات متكررة من الجماعات المدافعة عن حقوق الانسان التي تتهمها بالتعامل بقسوة مع المعارضة، وبتبني نظام قضائي غامض وغياب الديمقراطية وضعف سجلها في سياق حرية المرأة وحقوق العمال الوافدين.

ولقيت دول الخليج في الآونة الأخيرة انتقادات لردها على احتجاجات على غرار الربيع العربي. كما شنت السعودية حملة صارمة ضد الشيعة وغيرهم من النشطاء وأخمدت البحرين التي يحكمها السنة الاحتجاجات التي قادتها الأغلبية الشيعية.

ويخشى زعماء دول الخليج العربية أن تستغل ايران الاضطرابات الشيعية في دولهم لزعزعة استقرار حكمهم، كما انهم لا يشعرون بالارتياح بعدما سارع الغرب للتخلي عن حلفاء سابقين في الشرق الاوسط في مواجهة المظاهرات المطالبة بالديمقراطية.

وفرضت البحرين هذا الأسبوع حظرا لكل التظاهرات وهي خطوة وصفتها بريطانيا بأنها "مفرطة" وقالت إنها "تأمل" أن تتراجع عنها البحرين. ولكن في حين أن الانتقادات البريطانية قد يعتبرها زعماء الخليج زائدة عن الحد إلا أنها غير كافية في عيون الجماعات الحقوقية وبعض المشرعين، وهو ما يسلط الضوء على المعضلة التي تواجه بريطانيا.

وقال رئيس قسم السياسة والشؤون الحكومية في منطمة "العفو الدولية" في بريطانيا، الآن هوغارث: "نشعر أن بريطانيا لديها ميل ملحوظ لنفض يدها بشأن حقوق الانسان في دول الخليج. الهجوم البحريني العنيف على حرية التعبير وحرية التجمع كان يستحق موقفا أشد قوة".

ومن الممكن أن يؤدي أي توتر بين بريطانيا وحلفائها في الخليج إلى عواقب استراتيجية وتجارية. وتستضيف البحرين الأسطول الخامس الأميركي وهي حليف مهم للغرب في جهوده للحفاظ على تدفق النفط عبر مضيق هرمز في مواجهة تهديدات لإيرانية بغلقه. كما أن السعودية حليف مهم لبريطانيا في جهود مكافحة الإرهاب.

وبشكل أعم تتمتع بريطانيا بعلاقات وثيقة مع دول الخليج وكثير منها محميات بريطانية سابقة طالما ذهب مواطنوها إلى بريطانيا لشراء المنازل والتسوق والدراسة. وتقول وزارة الخارجية البريطانية إن نحو 160 ألف بريطاني يعملون في الخليج وإن قيمة الصادرات البريطانية إلى المنطقة تبلغ 17 مليار جنيه استرليني (27.44 مليار دولار) سنويا، أي ما يوازي صادرات الصين والهند مجتمعة.

وقالت الوزارة أيضا إن الاستثمارات الخليجية في بريطانيا بلغت نحو 2.25 مليار دولار العام الماضي وتشمل حصصا في بعض أرقى البنايات والمتاجر والمنشآت الرياضية. وتقول شركة "بي اي ايه سيستمز"، عملاقة الصناعات العسكرية البريطانية، إن فرصتها في تحقيق نمو في الأرباح هذا العام معلّقة على محادثات تهدف إلى وضع اللمسات النهائية على بيع صفقة طائرات مقاتلة للسعودية، كذلك تعمل الشركة بجد من أجل إبرام صفقة كبيرة لبيع مقاتلات إلى الإمارات. ولسوء حظ الشركة فإن الانتقادات البريطانية لدول الخليج لا تخدم مساعي الشركة. 

وقال وزير الدولة البريطاني لشؤون العتاد العسكري والمشرع بيتر لوف إن "قسماً كبيراً من المنظمات غير الحكومية يستفز البرلمانيين عمدا لاتخاذ مواقف ليست متفقة بشكل غير ضروري مع الظروف على الأرض في الشرق الاوسط، وهو ما يتسبب في أضرار حقيقية بصادراتنا من السلاح".

وأوضح لوف إن الحلفاء الخليجيين لا يفهمون دائما السبب في أن بريطانيا مصرة على الإضرار بمصالحها"، موضحا "لا أتغاضى عن انتهاكات حقوق الانسان. بالطبع لا. لكن أحيانا يجب عليك أن تكون عمليا".

وفي أغسطس/آب الماضي قالت مصادر خليجية وصناعية لـ"رويترز" إن شركة "بي بي" النفطية البريطانية العملاقة قد استبعدت على ما يبدو من المنافسة على إدارة حقول نفط اماراتية، وهو ما يرجع جزئيا إلى "التوتر" الذي أدى إليه دعم بريطانيا للربيع العربي وتقرير أذاعته "بي بي سي" بشأن الحملة الحكومية ضد الإسلاميين.

وتقول وزارة الخارجية البريطانية إنها تدعم حقوق الانسان باستمرار بما في ذلك في دول الخليج "بناء على ما هو عملي وواقعي ويمكن تحقيقه"، في حين تقول لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان إن الاعتبارات الاستراتيجية يجب الا تؤثر على التقييمات الخاصة بانتهاكات حقوق الانسان، متهمة الحكومة بأنها طناقضت نفسها في تعاملها مع البحرين مقارنة بدول اخرى".

ولم يتسنّ الوصول إلى مسؤولين خليجيين للحصول على تعليق، لكن دبلوماسيين ومصادر مقربة من السلطات الخليجية قالت إن الانتقادات البريطانية من الممكن أن تعتبر ساذجة وخطيرة وتنطوي على نفاق.

ويستدل مسؤولون خليجيون على نتائج حرب العراق للتأكيد على أن محاولات تسريع مسار الديمقراطية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، معتبرين أن الغرب كثيرا ما لا يفهم التركيبة الطائفية والقبلية المعقدة للمنطقة.

ولم تتخذ دول الخليج خطوات تذكر في اتجاه مزيد من الانفتاح في السنوات الماضية، لكنها تحذر من أن التغيير المتسرع من شأنه أن يهدد بتفاقم الاضطراب في منطقة مضطربة بالفعل.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus