البحرين: تزايد العنف ضد الحكومة وسط دعوات لسياسة أكثر قمعًا

2012-11-07 - 8:47 ص


واشنطن بوست: كيڤن سوليڤان
ترجمة: مرآة البحرين

المنامة، البحرين- في ليلةٍ قريبة، خرج ثلاث مئة شخص في مسيرة سلمية حول الشوارع المملوءة بالرماد، ملوحين بأعلام البحرين، وهاتفين بشعارات مناوئة للملك حمد وللولايات المتحدة. بدون سابق إنذار، جاءت قوات مكافحة الشغب مندفعة بسرعة في سيارات الدفع الرباعي، مرتدية خوذاتها، وتوقفت فجآة مصدرة صوت فرامل عالٍ. وشرعت في إطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، الذين أصابهم الرعب وفرّوا هاربين.

تعثرت النسوة المذعورات بعباءاتهن السوداء الطويلة، فيما تففرق الشيوخ والأطفال على إثر أزيز عبوات الغاز المسيل للدموع المتطايرة نحوهم. شرعت مجموعة من الصبية المراهقين في رمي زجاجات المولوتوڤ على رجال الشرطة. 

بعيون دامعة وسعال، في محاولة لطرد الغاز، ركض ناشط حقوق الإنسان سيد يوسف المحافظة إلى سيارته، وكتب تغريدتين، موثقًا خبرالاشتباك، باللغتين العربية والإنجليزية، على حسابه في (تويتر) البالغ عدد متابعيه أكثر من 70 ألفًا.

العنف في تزايد مستمر في الجزيرة الخليجية، التي تمثل حليفًا أساسيًا للولايات المتحدة، وتستضيف آسطولها البحري الخامس. يأتي التصعيد بعدما يقارب ال21 شهرًا من قتل العشرات من المواطنين وسجن الآلاف، عندما سحقت قوات الأمن البحرينية بوحشية انتفاضة الربيع العربي.

كل ليلة تقريبًا تشتبك قوات الأمن مع المتظاهرين المطالبين بإسقاط الملكية واستبدالها بحكومة منتخبة. في الأسابيع القريبة الماضية، أصابت قوات الشرطة متظاهرَين إصاباتٍ قاتلة، فيما قُتل رجل شرطة بقنبلة محلية الصنع.

يوم الثلاثاء أصدر وزير الداخلية البحريني قرارًا بمنع كل المسيرات العامة والتجمعات، في خطوة تُعد الأكثر عدائية من الحكومة ضد المتظاهرين، منذ فرضها الأحكام العرفية (قانون السلامة الوطنية) لثلاثة أشهر العام المنصرم. لكن عوضًا عن تخفيف حدة التوتر، يبدو أن الخطوة وضعتهم في مأزق.

أقيمت العديد من المسيرات ضد قرار المنع يوم الجمعة. وقد غرد المحافظة بصور توضح استخدام الغاز المسيل للدموع ضدّ المتظاهرين في قرية البلاد القديم، غربي العاصمة المنامة.

تم اعتقال الناشط لاحقًا في ذلك اليوم حينما كان يحاول التقاط صورة لأحد المتظاهرين المصابين، وقالت الشرطة إنه سيُدان بتهمة خرق قرار منع التجمعات الشعبية، بحسب مريم الخواجة، التي تعمل مع المحافظة في مركز البحرين لحقوق الإنسان لكنها تعيش في المنفى في الدنمارك، في مقابلة لها عبر الهاتف.

وباشتداد المواجهة، توضع السياسة الأمريكية تحت خط النار، مُنتَقدَةً من الطرفين؛ المحتجين والحكومة، بوصفها ضعيفة ومُحبِطة. يقول المسؤولون الأمريكيون أنه لا يجب أن تقارن العائلة الخليفية الحاكمة بالأنظمة الوحشية في ليبيا وسوريا، التي قتلت الآلاف من شعبها. لكن واشنطن تخضع لضغط لحماية الناشطين المؤيدين للديمقراطية والذين يتم احتجازهم وإطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم بشكلٍ ممنهج، وحتى اعتقالهم بسبب تغريداتٍ منتقدة للحكومة.

وقد أعربت وزارة الخارجية، هذا الأسبوع،  عن قلقها العميق إزاء قرار منع التظاهرات، لكنها ظلت بشكلٍ عام متحفظة في انتقادها للحكومة البحرينية مقارنةً بموقفها تجاه الأنظمة القمعية الأخرى في المنطقة.

"نحن نريد الديمقراطية فقط"، قال المحافظة في وقتٍ سابق. "في الولايات المتحدة لديكم رئيس جديد منتخب كل أربعة أعوام، لكننا هنا نعيش تحت ملك، ورئيس الوزراء هو نفسه منذ 42 سنة".

وفي الشارع، قال المتظاهرون إن الرئيس أوباما لم يفِ بوعده، الذي قطعه في آخر حوارٍ سياسي، بأن "أمريكا يجب أن تقف مع الديمقراطية". وقالوا بأن المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية لا يتلقون الدعم الذي يحتاجون من الولايات المتحدة لأن النظام الملكي هنا يستضيف السفن الحربية الأمريكية، على بعد  أميال قليلة من حقول النفط السعودية، للمساعدة في الحفاظ على مسارات السفن الحيوية، ولمواجهة الخطر الإيراني.

"نحن ضحية"، قال المحافظة، "لأننا نمتلك النفط والأسطول الأمريكي الخامس".

 فيما يشتكي المسؤولون البحرينيون، حاليًا، من أن الولايات المتحدة لا تُدين بشكلٍ كافٍ المتظاهرين، الذين وصفوهم بالعنيفين و"العصابات" المثيرة للفتنة والمُحرَّضة من إيران.

وقال مايكل بوسنر، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن واشنطن ما زالت منخرطة بنشاط في محادثات بين الحكومة البحرينية والمتظاهرين.   

"لقد كنا واضحين تمامًا منذ البداية أن لدينا مصالح أمن قومي قوية في البحرين، 60 سنة من التاريخ العسكري، والبحرين حليف مهم"، قال بوسنر، "سنستمر في التدخل على ذلك المستوى. لكن، في طريقٍ موازٍ، نحن ملتزمون قطعًا بمتابعة أجندة حقوق الإنسان والديمقراطية".

شيعة مقابل سنة

تتبّعْ المحافظة لأيامٍ قليلة لتفهم القوى التي تهدد الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

في إحدى مساءات الخميس القريبة، توجه المحافظة إلى مسيرة تتألف من أكثر من 2500 متظاهر ضد الحكومة بالقرب من العاصمة. حينما وصل الناشط، ذو الثلاثين عامًا، في مظهرٍ أنيق، بشعرٍ مسرّح بالـ(جل)، وبنطال (جينز)، وحذاء جلدي أنيق، احتضنه الرجال والنساء، وقبلوه على الخدّين، ثم دفعوا به إلى المقدمة. المحافظة هو واحد من أفضل ناشطي حقوق الإنسان في البلاد، ويتعامل الناس معه تعامل نجمٍ بارز.

واحدٌ تلو الآخر، أدان المتحدّثون النظام الملكي، وطالبوا بحكومة منتخبة، وفرص وظيفية أكثر، وتمييز عنصري أقل، وعنف أقل.

تعود جذور التظلم هنا إلى الصراع الطويل الأمد بين مكوني الإسلام الرئيسين؛ الشيعة والسنة. يشكل الشيعة أغلبية السكان البحرينيين البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة، لكن المحافظة يقول أن الشيعة أمثاله تم استبعادهم، منذ أمدٍ طويل، من أغلب الوظائف الحكومية العالية، بما فيها الجيش والشرطة. 

حسين نعمة، 47 عامًا، يرتدي الثوب الأبيض التقليدي، تحدّث للجمع حول كيفية قتل الشرطة لولده علي ذي الستة عشر عامًا، بطلقتين من رصاص الشوزن تم تفجيرهما في جسمه من مسافة قريبة في الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول.

"تم قتله بسلاح النظام"، قال نعمة، وانفجر الجمع بهتافات "يسقط حمد".

عندما نزل نعمة عن المنصة احتضن المحافظة بعيونٍ دامعة. قالت الشرطة إن علي كان يرمي زجاجات المولوتوڤ، وأن الشرطي الذي صوّبه كان يدافع عن نفسه، فيما قال نعمة إن ولده لم يكن مسلحًا.

احتضن المحافظة نعمة وحدثه مواسيًا ببضع كلمات.

"أحاول أن أقدم له الدعم"، قال المحافظة. "إنهم غاضبون وحزينون، لكن هذا ثمن النضال".

في طريق العودة، قال المحافظة إن الشرطة تبدو وكأنها تحاول إصلاح نفسها، منذ نوفمبر، عندما راجع فريق من المحققين العالميين قمع الحكومة لتظاهرات الربيع العربي العام المنصرم، وخلصوا إلى أنه توجد "ثقافة الإفلات من العقاب" لدى قوات الأمن البحرينية. وقد تعرض النظام الملكي لاستنكار عالمي، لتعذيبه حتى الأطباء والممرضين الذين اعتُقلوا لعلاجهم جرحى التظاهرات، وما زال عدد من أفراد الطاقم الطبي يقبع في السجن.

لكن لم يتم طرد أيٍّ من كبار المسؤولين بتهمة إساءة المعاملة. قال المحافظة إن ثقافة الشرطة لا زالت وحشية. وأضاف: "يتمُّ تعليمهم أن المتظاهرين أعداء يطالبون بإسقاط النظام. أخرِسوا أصواتهم"

وقال قائد الشرطة طارق الحسن إنه قد تم تطبيق إصلاحات منذ العام الماضي بما فيها مدوّنة سلوك الشرطة، وكاميرات فيديو في غرف التحقيق، بالإضافة إلى غيرها من التدابير. قال الحسن: "هل نحن نسير في الاتجاه الصحيح؟ أعتقد نعم"، "هل نتحرّك بسرعة؟ لا أعتقد".

وقال وزير العدل، خالد بن علي آل خليفة، أحد أعضاء العائلة المالكة، إن الحكومة راغبة في الحوار مع المتظاهرين. كلا الطرفين يتهم الآخر بإغلاق سبل الحوار.

وقال آل خليفة أن عنف الشارع الليلي هو "تهديد لأمننا القومي"، بتحريض من الثوار المدعومين إيرانيًا، والذين، بحسب قوله، يريدون تحويل البحرين إلى دولة شيعية يحكمها رجال الدين، وهو اتهام ينفيه المحافظة وآخرون. وقال وزير العدل إن الحكومة ستستخدم "كل الوسائل اللازمة" لإيقاف العنف، ولن تتنحى العائلة الحاكمة أبدًا. "سنبقى هنا، سنعيش هنا، وسنموت هنا".

ولادة محرِّضٍ سياسي

لم يبدأ المحافظة حياته كمحرضٍ سياسي. أبوه وإخوته مصرفيون، وهو كان راضيًا بعمله كمندوب مبيعات تأمين. لكن في العام 2007، عندما كان عمره 25 عامًا، ذهب مع صديقٍ له لحضور ورشة عمل في حقوق الإنسان، سمع فيها حديث سجناء سابقين، بعضهم من النساء، يروون قصص التعذيب التي مروا بها في السجون البحرينية.

"تساءلتْ، أيحدث هذا في بلادي؟ لم أستطع النوم طوال الليل".

التقى المحافظة نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان وقائد المدافعين عن حقوق الإنسان في الجزيرة. وظّف رجب المحافظة لإنشاء حسابات (فيسبوك) و (تويتر)، والبدء بنشر مقاطع الڤديو على (يوتيوب)، والصور على (فليكر).  

تم اعتقال رجب مراتٍ عدة لقيادته التظاهرات، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات في أغسطس/ آب، في عقابٍ أثار حيوية التظاهرات. وقد دعت جماعات حقوقية، بالإضافة إلى وزارة الداخلية إلى إطلاق سراح رجب. 

نشاطات المحافظة المناهضة للحكومة أدت إلى طرده من وظيفته. هو وزوجته يعتمدون على راتبها كمدرسة لإعالة طفلتيه. 

المحافظة يعمل في "مكتبين": مقعد القيادة في سيارته الـ(شفروليه)، والمقعد الجلدي الوثير في واحدٍ من مقاهي مجمعات البحرين المتعددة. في يومه الاعتيادي، يجري المحافظة مقابلات بلا توقف على وسائل الإعلام عن طريق الهاتف وبرنامج (سكايب)، ويلتقي بنشطاء آخرين، ويقوم بزيارة الجرحى من المتظاهرين. 

من خلال شبكة من المتطوعين المساعدين في 25 قرية، يُعتبر المحافظة مركزًا لتبادل المعلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان. يقول المحافظة إنه لا ينظم الاحتجاجات. يتم ذلك عادةً بواسطة الجمعيات السياسية، خاصّةً الوفاق، كبرى الجمعيات الشيعية في البحرين.

يحضر المحافظة أكثر عددٍ ممكنٍ من التظاهرات، ويوثق تصرّفات الشرطة.

في أحد مساءات الجمعة القريبة، يوم عطلة المسلمين، تمت الدعوة لمسيرة كبيرة أخرى في منطقة التسوق في العاصمة (السوق القديم).

بحلول الظهر، كانت المحال التجارية والمقاهي المجاورة ملأى بالناس المنتظرين لكلمة من المنظمين عن طريق (تويتر) للنزول للشوارع.

قال المحافظة إن التظاهرة تم تنظيمها من قبل مجموعة ائتلاف الرابع عشر من فبراير، التي تطالب بإسقاط النظام الملكي- وهو اتجاه أكثر تطرفًا من الذي يدعمه المحافظة (المحافظة يدعم خيار حكومة منتخبة مع مملكة دستورية).

"لدينا ملك يقتل ويعذب شعبه" تقول زينب الخواجة، 28 عامًا، مؤيدة رئيسية لمجموعة ائتلاف 14 فبراير، والتي تم الإفراج عنها مؤخرًا من السجن بعدما قضت حكمًا بالسجن لشهرين لتمزيقها صورةً للملك. "يجب أن يكون لنا الحق بالاحتجاج ضد ذلك".

هي والمحافظة قالا إن سياسة الولايات المتحدة تجاه البحرين دفعت بالأمور نحو الأسوأ. قالا بأنه منذ خطاب أوباما في مايو 2011، الذي انتقد فيه استخدام البحرين "المفرط للقوة"، التزمت الولايات المتحدة الصمت تجاه شعب هذه الجزيرة.

" الحكومة الأمريكية تهتم بمصالحها السياسية أكثر من اهتمامها بالحرية والديمقراطية" قالت الخواجة، الحاصلة على الباكلوريوس من كلية بيلويت في ولاية ويسكونسن. "بدعمهم للديكتاتورية هنا، يجعلون الناس يشعرون أنهم بلا أمل".

وأشار المحافظة إلى أن الحكومة الأمريكية وافقت، في شهر مايو/ أيار، على بيع الحكومة البحرينية ما قيمته عشرات ملايين الدولارات من منظومات الصواريخ والأسلحة الأخرى، التي جمدت بيعها إدارة أوباما العام الماضي، بسبب مخاوف من قمع الجزيرة لمتظاهري الربيع العربي.

وقال بوزنر إنه زار البحرين خمس مرات منذ اندلاع في العنف العام الماضي، لتعزيز التحالف الأمني وللدعوة لإنهاء العنف وانتهاكات حقوق الإنسان من الشرطة والمتظاهرين على حد سواء.  لكنه قال إن "كلا الطرفين متسمك بموقفه" ويشعر بـ "تزايد الاستقطاب" في المجتمع بدون أمل سريع في التفاوض.

وقال : "البحرينيون أنفسهم سوف يقومون بحل الجمود السياسي"، وأضاف":"نحن نحثهم على الحوار، لكننا لا نستطيع أن نجبرهم على ذلك".  

التغيير قادم

الثالثة وبضع دقائق بعد الظهر في تلك الجمعة، كانت الهواتف تضيء بالتغريدات. مشى المحافظة إلى الخارج، حيث كانت قوات مكافحة الشغب بدروعها، وعصيّها، ومسدسات الغازات المسيلة للدموع، تملأ كل زاوية.

مجموعات صغيرة من الناس كانت تحاول الالتحام استعدادًا للتحرك، لكن مجموعاتٍ من الشرطة كانت تتدخل كلما ازدادت أعداد المتظاهرين. فاقت أعداد المتظاهرين، الذين أصبحوا بالمئات، أفراد الشرطة، الذين كانوا بالعشرات، وبدأت الصرخات تتعالى بالشعارات المناوئة للحكومة.

ألقت الشرطة بالقنابل الصوتية التي انفجرت في ضجيج يصمُّ الآذان. وتفرقت الحشود هاربةً في الأزقة الضيقة، مع ملاحقة رجال الشرطة لهم وإطلاق الغاز المسيل للدموع. دفع رجال الشرطة، المحتمين بالدروع والخوذات، الرجال والنساء ورشوهم بمسحوق الفلفل.

كان المحافظة يشاهدهم من جانب الطريق، مغطيًا فمه. أخذ صورًا لاعتقال المتظاهرين ونشرها على (تويتر)، في حين أخذ رجال شرطة مدنيون صورًا ومقاطع فيديو له.

في الصباح التالي، كان المحافظة جالسًا في "مكتبه" في المقهى، حينما ألقى حمد خطابًا انتقد فيه "التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية"، في إشارة واضحة لإيران، وأشار إلى "التصعيد الخطير" للعنف في الآونة الأخيرة. دعى إلى حوار لكنه حذر أيضًا من أن الحكومة سوف "تجرّم أي شيء يحاول اختراق وحدة الأمّة".

"يقولون دائمًا إننا جواسيس لإيران أو عملاء لأمريكا- سيقولون أي شيء"، قال المحافظة. "ربما يعتقلونني في اعتقادهم أنه لن يوجد أحد ليتكلم عن حقوق الإنسان لكن ناشطًا آخر سيأتي بعدي. التغيير آتٍ، ولا يستطيعون إخراسه".


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus