نساء البحرين ودورهن في الانتفاضة

2012-11-07 - 9:02 ص


جين مارلو: شاهد البحرين 
ترجمة: مرآة البحرين

امرأة أسميتها م  تخطو بسرعة على الطريق الرئيسي لقريتها وهي ترتدي البرقع وقد لفت كتفيها بالعلم البحريني، الذي راح يرفرف بقوة عندما يهب النسيم، بلونيه الأحمر والأبيض. تحمل لافتة وقد ألصقت عليها أربع دمى بلاستيكية صغيرة. واحدة من الدمى، ملفوفة بكفن أبيض وقد وضعتها داخل صندوق أصفر صغير. وغطت الدميتين الأخريين بغطاء للرأس أسود أسدل على الرأس والوجه، واحدة من تلك الدميتين المغطاة الرأس كانت معلقة من قدميها. وأذرع الآخريات قيدت خلف ظهورهن. الدمية البلاستيكية الرابعة كانت مسجونة خلف أشرطة سوداء بجوارها بعض الطلقات المطاطية وأسطوانة بلاستيكية صغيرة.

"يقتلون أطفالنا"، أوضحت لي في اشارة إلى قوات الأمن في المملكة. " يخنقونهم. يستخدمون جميع أنواع الأسلحة"، واضعة يدها على الرصاص المطاطي وأسطوانات الغاز المسيل للدموع. الدمى المقيدة والمغطاة الرأس كانت في وضع سيء بحيث لم يتطلب الأمرالكثير من التفسير، أكدت لي كيف أن كلا  من الذكور والإناث يتعرضون للتعذيب في السجون البحرينية.

قلبت م اللافتة.، فظهرت ثلاث قطع سوداء لشخصيات تتدلى من مشانق وقد غطيت رؤوسها  بأكياس ورقية كتب عليها من الاعلى بالعربية بالخط الاسود العريض "لن نقبل إلا بحكم الإعدام". التعرف على الدمى كان بكتابة الأسماء من الأسفل : سلمان، خليفة، حمد، ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء، وملك البحرين. وأصرت،" اعدموهم".

كنت قد وصلت إلى البحرين منذ خمسة أيام خلت من خلال "شاهد البحرين"-- مبادرة تتألف من مراقبين دوليين لإعداد التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام البحريني منذ ثمانية عشر شهر من بدء الاحتجاجات.

في 14 شباط/فبراير 2011،  دعا مجموعة من الشباب المجهولين -- مستلهمين من أحداث تونس ومصر--  إلى تجمع في دوار اللؤلؤة في العاصمة البحرينية المنامة. داعين إلى الإصلاحات السياسية، والتركيز على إقامة نظام ملكي دستوري ونبذ التمييز الذي يواجهه الأغلبية الشيعية على أيدي النظام الملكي السني.

رد النظام بعنف، مسفرا عن مقتل أحد المتظاهرين. تزايدت وتيرة المظاهرات، ردت قوات الأمن بمزيد من العنف.  طرد المتظاهرون، الذين استولوا وعادوا إلى دوار اللؤلؤة، من خيامهم التي نصبوها هناك بوصول 1500 جندي من السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى البحرين لدعمها وبدعم ضمني من واشنطن. تم تدمير وإخلاء دوار اللؤلؤة-- رمز الانتفاضة-- من المتظاهرين. وأعلن الملك حمد حالة الطوارئ. وتم استهداف جميع من شارك في المظاهرات. كان هناك فصل جماعي من الوظائف الحكومية، وآلاف المسجونين، والمئات من حالات التعذيب الشديد وعشرات القتلى.

واليوم، تتميز الانتفاضة بمظاهرات شبه يومية في القرى في جميع أنحاء البحرين، حيث يواجه المتظاهرون السلميون بوابل من الغازات والشوزن. وأما اقتحام المنازل والاعتقالات فتجري في كل ليلة.

التقيت بالسيدة م في واحدة من الاحتجاجات، ويبدو أن مشاعرها المتشددة أصبحت عادية.  الصبيان وقد قاموا بجر  حاويات النفايات وجذوع شجر النخيل وقطع الإسمنت إلى منتصف الطريق، في محاولة لهم لإحباط دخول شرطة مكافحة الشغب إلى القرية، وقد أخبرتني امرأة أخرى أن الحل الوحيد للبحرين هو الإطاحة بعائلة آل خليفة الحاكمة.

سألتها " ألا تؤمنيين بالإصلاحات؟".

هزت رأسها أن لا، " نسمع بالإصلاحات منذ أيام أجدادنا."

وبعد ذلك بدأ الاحتجاج، بشعارات (على طريقة النداء والرد):

"يا سجناء البلد..."

"رؤوسكم مرفوعة!"

"على الرغم من الصعوبات المتزايدة..."

"رؤوسكم مرفوعة !"

النسوة، يلوحن بالأعلام البحرينية ويسرن وراء الرجال، يشكلن ما يقرب من 50 في المئة من المظاهرة. وعندما تطلق الشرطة الغازات والشوزن يدخلن إلى البيوت القريبة، ولكن سرعان ما تتراجع الشرطة، فيلبسن أحذيتهن مجددا ويرجعن إلى وسط القرية لاستئناف احتجاجاتهن.

"المرأة هي شريك بارز في ثورة الدوار"، أخبرتني جيهان كازيروني، وهي عضو في مركز البحرين لحقوق الإنسان ونائب رئيس منظمة تأهيل البحرين ومناهضة العنف (برافو)، في اليوم التالي وهي تسكب كوبين من الشاي المحلى بالسكر والحليب "يشاركن في كل حدث. يمكنك العثورعليهن في الاحتجاجات. يمكنك العثور عليهن كطبيبات وممرضات يعالجن المتظاهرين. يمكنك العثور عليهن بالتوثيق. هن ناشطات في مجال حقوق الإنسان، ومصورات ومحاميات. النسوة هن قوة ثورتنا".

سألت كازيروني عن النسوة اللواتي يلعبن دورا مركزيا في الربيع العربي البحريني، ما هو تفسيرها؟

"النسوة ضحية "، ردت كازيروني. وأضافت : "لقد تعرضن للتعذيب، والاعتقال، والفصل [من الوظيفة]. هن أمهات الشهداء وأخوات الأسرى... ولهذا السبب وجدن أنفسهن في وضع، مثل وضعي، حيث يجب أن يفعلن شيئا. " خلال أيام دوار اللؤلؤة، تحدثت المرأة علنا عن رؤيتها لهذا البلد. كانت هناك خيمة في الدوار نصبت خصيصا للنساء لمناقشة حقوقهن ومطالبهن.

" هناك المزيد من الوعي بين النساء بشأن الحاجة إلى الحرية والديمقراطية، والمساواة"، قالت كازيروني. "والآن، بدلا من التسوق في المراكز التجارية، يمكنك مشاهدتهن في الاحتجاجات للمطالبة بحقوقهن".

 بروز المرأة في انتفاضة البحرين لا يخلو من النضال. في البداية، الناشطة النارية في مجال حقوق الإنسان  زينب الخواجة قالت لي، إن الشباب حاولوا إجبارها للوقوف في الجزء الخلفي من الاحتجاجات، لحمايتها، وأصروا. وعندما أدركوا أنها ابنة عبد الهادي الخواجة السجين السياسي الشهير، توقفوا عن إصرارهم. قبل فترة طويلة، شكرها بعضهم لكسر تلك الحواجز بين الجنسين وكانوا يعبرون عن دعمهم للنساء في طليعة الثورة.

من قبل، قالت كازيروني "لم يكن الرجل يعتقد بأن المرأة قوية وقادرة".

ولكن التقدم لم يكن بشكل متزايد. نقلت كازروني حادثة مثيرة للقلق، حيث تم توبيخها بشكل مقتضب في مسيرة من قبل عضو في حزب المعارضة الرئيسي لعبورها الخط الفاصل بين الجنسين من أجل أن تسأل أحد المنظمين سؤالا. ورجعت بذاكرتي إلى الحشد الجماهيري الكبير الذي كنت قد حضرته ذات مرة. فقد كان الرجال والنساء يجلسون منفصلين. الأهم من ذلك،  كل المتحدثين كانوا من الرجال.

نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، يرى أن نضال المرأة من أجل المساواة الكاملة سيستمر. المفتاح، كما قال لي، يتمثل بالمكاسب التي أحرزتها المرأة خلال الانتفاضة  هل ستظل عندما تنتهي الثورة؟

أخذتني كازيروني إلى جميع أنحاء البحرين لمراقبة النساء في عملهن. شاهدت امرأة وهي تقوم بمفردها بأنشطة للأطفال المصابين بصدمات نفسية من أبناء الشهداء والسجناء.
رافقت طبيبتين من "أطباء من أجل حقوق الإنسان" وهما تتنقلان من منزل إلى آخر لتوثيق الآثار الطويلة الأجل للتعرض المستمر للغازات.

وقفت بجوار امرأة شابة شجاعة كانت قد صورت شرطة مكافحة الشغب وهم يهاجمون المحتجين بالغاز المسيل للدموع.

قابلت طالبة جامعية جريئة بعد ساعات من إطلاق سراحها من السجن، حيث تعرضت للاعتداء الجنسي.

رأيت صورا دموية لساق زينب الخواجة بعد إصابتها من مسافة قريبة  بأسطوانة غاز مسيل للدموع. (ومنذ ذلك الحين وزينب في السجن).

صورت صمود زوجة نبيل رجب وابنته- 10 سنوات- وشرطة مكافحة الشغب تحاصر منزلهم، تدخل إلى المنزل، وتقود نبيل إلى السجن لثلاثة أشهر بجرم تغريدة كان قد كتبها. (ومنذ ذلك الحين ورجب في السجن وقد حوكم بثلاث سنوات لدعوته وحضوره  مظاهرة غير قانونية).
هناك كانت كازيروني التي يتعذر قمعها، ترصد بشكل مستمر وتفضح انتهاكات حقوق الإنسان عبر تويتر، وسكايب، والهاتف النقال.

وذات ليلة، وفي وقت متأخر، أتت بي كازروني لمقابلة "زينة"-- مدرسة ثلاثينية تنسق لعيادة سرية في قريتها.

"في أيام الأحداث، عندما أتوقع وجود عسكري كبير، فهو يعني أنه سيكون هناك إطلاق نار، سيكون هناك جرحى"، قالت لي زينة. "ولذلك نهيء المكان الآمن لنقل جرحى الاشتباكات. أنا حلقة في سلسلة من يأتي بالجرحى إلى الوحدة. أرى أنه واجب. هكذا أخدم الثورة".

وصلت أنا وكازيروني إلى عيادة سرية لقرية أخرى (غرفة جلوس في شقة إحدى الأسر)، كانت هناك اثنتان من الممرضات وقد تهيأتا لتقطيب رأس صبي في الثالثة عشرة من عمره، كان قد أصيب بقنبلة غازية. كان الصبي يجلس على حصيرة رقيقة على الأرض، وقد دفن رأسه بين ركبتيه، والنسوة يجلسن القرفصاء إلى جواره، والشاش، وكرات القطن، والمرهم، والقفازات المطاطية متناثرة على الأرض.

يمكنني أن أصور فيلما، على حد قولهم، شريطة أن لا أظهر وجه أحد. يمكن اعتقال الصبي لمشاركته في احتجاج، ويخشى على الممرضات أن يسجن ويعذبن لعلاجه.

بأدوات بدائية وأصابع ماهرة ولطيفة، خاطت النسوة جرح الصبي الغائر، وتمتمن بكلمات هدأته بدلا من التخدير وهو مسمر وجهه كي لا يتألم.

"علينا أن نفعل شيئا"، قالت لي إحدى الممرضات، وهي تضمد رأس الصبي  بالشاش. "عندما أرى هذا، وخاصة للأطفال، لا أستطيع أن أكتفي بالجلوس ولا أبادر بعمل ما".

هل تستطيعين قول ذلك على الكاميرا، ووجهك مغطى؟

ابتسمت الممرضة وهزت رأسها لا. " لقد ألقي القبض علي من قبل، وهم يعرفون صوتي"، "إنها مخاطرة كبيرة جدا". أرتني عظمة في جسمها وقد تعرضت للكسر من جراء التعذيب خلال سجنها.

"النسوة لن يتوقفن"، قالت لي كازيروني بثقة ونحن نسير "أنا متأكدة أنه سيكون لهن دور ومكان في المستقبل."

باعتقادي، لا أزال أرى م وغيرها من النسوة يُعِدن تجميع صفوفهن في قريتها، مستعدات لمواجهة الغاز المسيل للدموع والشوزن مرة أخرى.

"يسقط حمد! " رددت النسوة بتحد تحت إشراف طائرات الهليكوبترالتابعة لوزارة الداخلية، والأيدي ارتفعت باشارات V  التي تدل على النصر والصمود.

وعندما بدأت الجولة الثانية من المسيرة، لمحت  م وهي ترفع اللافتة التي ألصقت عليها دمى المعذبين، والمسجونين،  والشهداء، والعلم البحريني يلف كتفيها وتطايره الرياح.

*جين مارلو هي كاتبة من ولاية سياتل الأمريكية، وهي مخرجة أفلام وثائقية، وناشط في مجال حقوق الإنسان، ومؤسسة لمشاريع دونكيسادل. المجالات التي تعطيها الأهمية الأكبرهي فلسطين، السودان، البحرين، وعقوبة الإعدام في الولايات المتحدة. موقعها على الانترنت ويمكنكم متابعتها عبر حسابها على تويتر
 
25 تشرين الأول/أكتوبر 2012 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus