» رأي
الجنسية وتوتر الأنظمة الخليجية
إيمان شمس الدين - 2012-11-13 - 10:14 ص
إيمان شمس الدين*
الجنسية وثيقة رسمية لضبط حالة الانتماء لحدود جغرافية لدولة ما، ومن خلال هذه الهوية تُقر للمنتمي لهذه الدولة مجموعة حقوق له من السلطة، ومجموعة واجبات عليه للوطن، أي كامل حقوق المواطنة.
وقد سبقت البحرين دولة الإمارات في سياسة سحب الجنسية، كوسيلة للضغط على القوى المعارضة للنظام، وإسقاط كل متعلقات المواطنة عنهم، وبالتالي سحب كل المميزات، إن وُجدت. واليوم تأتي البحرين، رغم مخالفة هذه الخطوة للمواثيق الدولية، لتعمد إلى سحب جنسيات رموز من المعارضة والناشطين والأكادميين، لا لشيء إلا لأنهم معارضين للسلطة سلميًا. فالسحب تم من نُخب المجتمع البحريني المؤثرة في الحراك وفي وعي الجماهير البحرينية، بينما نجدها تجنّس مجموعاتٍ غريبة وبعيدة جغرافيًا وثقافيًا وبيئيًا عن المجتمع البحريني، بل بمستوى وعي متدنٍ لدرجة الجهل لدى بعض الفئات المجنسة، وهو ما يعكس رغبة السلطة في تشكيل شعبٍ جديد وفق مواصفات، أهمّها الجهل، وبالتالي التَبَعية العمياء لها كنظامٍ حاكم.
وقد جاءت خطوة الحكومة البحرينية بعد إعلان قوى المعارضة وثيقتها لرفض العنف وتثبيت المنهج السلمي للمعارضة، مما حدا بالسلطة للجوء لحركات بهلوانية بسحب الجنسيات، للإيعاز بأنّ هؤلاء، كمعارضين، هدّدوا أمن البحرين، مما يُسقط عنهم حق المواطنة. إضافةً للنجاح الذي أثبتته المعارضة في مقاضاة النظام البحريني في ساحات المنظمات الحقوقية الدولية المؤثرة في العالم، وخاصةً بعد اجتماع جنيف الأخير، الذي وضّح تورّط الحكومة البحرينية في انتهاكات واقعية بحق المعارضين والشعب البحريني، بما يخالف المواثيق الدولية التي التزمت بها البحرين كدولة وحوّلتها لقوانين. هذا النجاح حدا بالنظام لإسقاط حق المواطَنة عن هؤلاء المعارضين البارزين، كي لا تلتزم بعد ذلك أمام هذه المنظمات بأي التزامات، كونهم ليسوا مواطنين بحرينيين، بالتالي فإنّ أي ممارسة ضدهم سوف لن تتم ملاحقتها حقوقيًا وقانونيًا من قبل المنظّمات الناشطة في الداخل البحريني.
وما قامت به الإمارات، وبعدها البحرين تجاه المعارضين لأنظمة الحكم، يُخشى أن يكون سياسةً تم الاتفاق عليها ضمن خطة التنسيق الأمني بين أنظمة الخليج، كوسيلةٍ رادعة لأيّ حراك مطلبي ضدّ هذه الأنظمة. وهو أسلوب ليس بجديد، إذ تم اللجوء إليه في الكويت والسعودية في ثمانينيات القرن الماضي، لكنّ الفرق أنه في ذلك الوقت كانت هذه الممارسات بعيدةً عن الإعلام وعن نشاط المنظّمات الحقوقية، نتيجة التعتيم وسياسة تزوير الحقائق، أمّا اليوم فالوضع مختلف في عالمٍ تتحكم في مفاصله الصوت والصورة ووسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت تتناقل الخبر موثّقًا خلال وقتٍ زمنيٍ قياسي اختصر الزمان والحدود الجغرافية، وهذا يجعل إعادة التجربة في هذا الزمن مُعرّضةً لعوامل تعرية الشعوب والأنظمة الحقوقية، ويحوِّل القبضة الأمنية من وسيلة قديمة لتمكين وجود هذه الأنظمة، إلى وسيلة لتقويض وجودها مع مرور الزمن، حيث باتت القبضة الأمنية غير مجدية في ردع الشعوب عن تحقيق مطالبها، حتى أنها تجاوزت حاجز الموت كرادعٍ لحراكها.
لذلك، فإنّ اعتماد منهج سحب الجنسية وإسقاط حقوق المواطنة سيفشل كغيره من وسائل الضغط السياسي على حراك المعارضين، بل سيجعل المعارضة أكثر إصرارًا على تحقيق مطالبها في قيام دولة مدنية تُحقّق العدالة والمساواة الاجتماعية، في قبال هذا التعسّف السياسي السلطوي تجاه مطالب سلمية هي حقٌّ للشعوب، وواجبٌ تحقيقها على الأنظمة.
*كاتبة من الكويت.