الطاقة الرخيصة المستخرجة من الصخر الزيتي كيف ستحجم دور أميركا في العالم

2012-11-19 - 12:26 م


جوليان بورجر ولاري إليوت: الغاردين
ترجمة: مرآة البحرين

بعد سقوط جدار برلين، وصعود الصين والربيع العربي، يبدو من المرجح أن يثير الاستقلال الأمريكي في مجال الطاقة تحولًا جيوسياسيًا كبيرًا في العالم الحديث.

فاعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج— وما يترتب على ذلك من حاجتها إلى الحفاظ على وجودها كمهيمن في الشرق الأوسط للحفاظ على تدفق النفط-- كان واحدا من ثوابت الوضع الراهن ما بعد عام 1945. والذي يمكن أن ينقلب رأسا على عقب.

كانت تسمى "العودة للوطن". بعد عقود من تفريغ الصناعة الأميركية والتي أرخها بروس سبرينغستين في مرثاة ذوي الياقات الزرقاء، حيث ينظر إلى الطاقة الرخيصة وكأنها فجر عصر ذهبي جديد للاقتصاد الأكبر في العالم.

والسبب بسيط. الولايات المتحدة هي موطن النفط الصخري الهائل ومستودع الغاز والذي يجعله ذا جدوى تجارية هي التحسينات التقنية التي ترجع إلى 200عام والتي تسمى التكسير وبالتكلفة العالية وبلا هوادة  للنفط الخام.

استغلال حقول في ولايات الأبلاش مثل ولاية فرجينيا الغربية وبنسلفانيا، وإلى الغرب في ولاية داكوتا الشمالية، قد حولت توقعات طاقة الولايات المتحدة إلى حد كبير بين عشية وضحاها. وقال البروفيسور ديتر هيلم، خبير الطاقة في جامعة أوكسفورد: "لم يكن الغاز الصخري في الولايات المتحدة موجودا في عام 2004 والآن يمثل 30٪ من السوق".

فإذا تم تطوير كل موارد الغاز الصخري المعروف لإمكاناتهم التجارية في أمريكا الشمالية وحقول جديدة أخرى، فيمكن إنتاج أكثر من أربعة أضعاف على مدى العقدين المقبلين، وتمثل أكثر من نصف إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي في أوائل 2030، وفقا لدراسة حديثة لمركز كينيدي بجامعة هارفارد بيلفر. 

بنسلفانيا - حيث تم حفر بئر النفط الأول عام 1859 - أنتجت حوالي 30 مترًا مكعبًا (1 مليار قدم مكعب) من الغاز الطبيعي في عام 2008. وبحلول عام 2010، كانت الولاية تنتج 11 مليار قدم مكعب، والذي يساعد على وضع الولايات المتحدة في مسار لتكون أكبر مورّد للنفط والغاز في العالم في غضون عقد من الزمن.

الاكتفاء الذاتي الذي يلوح في الأفق في مجال الطاقة لديه ثلاث فوائد اقتصادية للولايات المتحدة. الأول هو التأثير المباشر على الإنتاج والعمالة في هذا القطاع، مع ما أشار له باراك أوباما في ولايته لهذا العام في خطاب الاتحاد أن من المرجح أن يدعم التكسير  600 ألف فرصة عمل بحلول نهاية العقد، وأن الولايات المتحدة لديها الآن ما يكفي من الغاز ليبقى موفورا لـ 100 سنة مقبلة إذا تمت المحافظة على أنماط الاستهلاك الحالية.

نظام الإجهاد

يصعب التنبؤ بالعواقب البعيدة المدى بالنسبة لبقية العالم ولكن ربما يمكن الاطمئنان بالقول إن العديد من الأنظمة التي يعتمد دورها العالمي فقط على الهيدروكربونات من المرجح أن تضعف بشكل كبير، إن لم تكتسح.

وهذا يشتمل على الملكيات التي صمدت حتى الآن أمام الربيع العربي. ويعتمد استمرارها على أساس سعر النفط المرتفع تاريخيا والدعم الغربي غير المشروط. كل هذه الظروف هي الآن قيد البحث.

قال شاشانك جوشي، وهو زميل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: "إن النظام السياسي لدول الخليج تقريبا في فترة ما بعد الحرب كلها قد يتوقف على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة".

" فالملكيات بقت لفترة طويلة جدا ليس بسبب أي نوع من الشرعية الشعبية ولكن لأنها تعتمد على الدعم الخارجي الهائل. تلك الأنظمة، التي اضطرت إلى التعامل بدرجة عالية من التعبئة المحلية ستكون تحت ضغط لا يطاق ولا يمكنها البقاء على قيد الحياة بدون الاستفادة من تقنية الأسلحة الغربية ".

عدد قليل يتوقع أن يحزم الأسطول الخامس الأمريكي أمتعته والإبحار إلى موطنه في المستقبل القريب، لمجرد ان أمريكا قد وجدت ما يكفي من النفط والغاز لتلبية احتياجاتها في حديقتها الخلفية. التغيير الجيوسياسي يميل إلى التخلف عقدًا أو عقدين من الزمن وراء التغيير الاقتصادي، ولكن كما أن الولايات المتحدة تجد نفسها أقل اعتمادا على الأنظمة التي لديها القليل من القواسم المشتركة معها، سيكون هناك ضغط قوي على وزارة الدفاع الأمريكية للبدء في إعادة قواتها ومعداتها إلى موطنها.

إن سرعة فك ارتباط الولايات المتحدة يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان البديل هو الفراغ وعدم الاستقرار، ومجموعة متنوعة من القوى الدينية والقبلية تتنافس في وراثة ممالك الخليج. ومن المرجح أن يكون دور إيران، الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على مبيعات النفط التي تواجه بالفعل نقصًا شديدًا في الميزانية بسبب العقوبات، حاسما. إن استجابتها للأزمة بالتعاون أو المواجهة مع خصومها التقليديين في الخليج سوف يشكل مستقبل المنطقة.

وهناك الكثير يعتمد أيضا على ما إذا كان أكبر الزبائن الجدد لنفط الخليج على استعداد لأخذ مكان أميركا في القيام بحراسة طرق الناقلات.

وقال جوشي: "هناك عدم تطابق بين اعتماد الصين والهند على نفط الشرق الأوسط وما يوفرونه لأمنه. الهند سيكون لها ثلاث ناقلات وكل من الصين والهند يقومان ببناء قوات بحرية  (عابرة للمحيطات).  ومن الممكن إرغامهما  للمشاركة إذا ما ابتعدت الولايات المتحدة".

نيكولاس ريدمان، زميل بارز" في المخاطر الجيوسياسية والأمن الاقتصادي" في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لديه شكوك في أن تتنازل الولايات المتحدة، حتى لو تحررت من الاعتماد على النفط الخليجي، عن المساحة لمنافسيها الهندي أو الصيني.

وأضاف ريدمان:"إذا فقد الخليج صوابه، فهناك تأثير تحول في الاقتصاد، سواء حصل ذلك الاقتصاد على نفطه من هناك أم لا".

سلطة النفط 

من المرجح أن يظل وبشكل كبير تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل مقاومًا لأي تغير. فكما أظهرت الانتخابات الرئاسية، أنها أصبحت بندًا من بنود العقيدة في السياسة الأمنية لكلا الحزبين الأمريكيين - وهذه حقيقة مستقلة إلى حد كبير عن الجغرافيا السياسية للنفط.

الخليج ليس المساحة الوحيدة حيث السلطة النفطية المعترف بها معرضة لخطر الانهيار. فمن المرجح أن يكون  فلاديمير بوتين الرئيس الروسي الخاسر الأكبر، النظام الذي يعتمد إلى حد كبير على ارتفاع أسعار الطاقة والسوق المقيدة مع عدم وجود خطة بديلة حقيقية.

روسيا تشعر بالفعل بالتأثير المباشر لعصر جديد من الغاز. فتطوير حقل شتوكمان الخاص بها تحت أعماق بحر بارنتش – والذي يعتقد أن يكون واحدا من أكبر حقول الغاز في العالم - قد وضع على الرف، لأن زبونها المستهدف، الولايات المتحدة، لديه مصادره الخاصة من الغاز الطبيعي.

روسيا هي الأكثر ضعفا في الواقع- البترولي الحالي بسبب دور الغاز المركزي في موقفها الدولي. نفوذ موسكو في شرق ووسط أوروبا يعتمد على شركة غازبروم، التي استخدمت هيمنتها لوضع شروط مواتية، وبيع عقود طويلة الأجل مرتبطة بسعر النفط.

والآن، المزيد والمزيد من الغاز الطبيعي المسال المعد سابقا للولايات المتحدة يجد طريقه إلى السوق الغربية، وسعر الغاز يأتي بفارق سعر النفط والأوروبيون لديهم خيارات جديدة، والتي سوف تقلل من الاعتماد على بائع مهيمن وحيد.

"روسيا ترى أن تطلعات سوقها تختفي. وأن الولايات المتحدة هي بالفعل منتجة للغاز أكثر من روسيا"، قال ريدمان.

وأشار إلى أن هناك عقبات عميقة - بيئية واقتصادية - على نطاق واسع من الاستغلال الأوروبي لمواردها النفطية الحجرية، لكن الواردات من الولايات المتحدة وغيرها يمكن أن تستمر في تحويل العلاقة المضطربة للقارة مع موسكو.

"أوروبا لا تريد أن تعتمد بعمق على روسيا. إنها تبحث عن خيارات أخرى مثل: هل يمكنك نقل الغاز من أماكن مثل  تركمانستان؟ إذا أصبح استيراد الغاز الطبيعي المسال من أمريكا خيارا خطيرا في شمال أوروبا، فإنه من الممكن أن يكون لديه آثار مثيرة جدا للاهتمام".

وقد حاولت روسيا أن تنظر شرقا، ولكن الصين تفضل أن تبقى مصادر الطاقة الخاصة بها منتشرة في جميع أنحاء العالم – على سبيل المثال  منتجو الغاز الطبيعي المسال البارزون مثل قطر وأستراليا ودول غرب أفريقيا.

حكومة بوتين تحدثت كثيرا عن تنويع الاقتصاد الروسي، ولكن القليل جدا حدث في هذا الاتجاه. وتبقى أساسا دولة  نفطية تعتمد على سعر النفط 120 دولارا لموازنة ميزانيتها. ومع سعر حالي بالغ 109 دولارا، موسكو تواجه بالفعل نقصا خطيرا، والذي ليس من المرجح أن ينمو في عصر وفرة الطاقة وتعميق مشاكلها الطويلة الأمد وتضييق قدرتها على التنويع.

وقال ديفيد كلارك، رئيس مؤسسة روسيا: "روسيا تحتاج إلى 200 مليار دولار  [ 125 مليار يورو] سنويا في الاستثمار على مدى السنوات الـ 20 المقبلة، لفتح مجالات جديدة وتحديث بنيتها التحتية ولكنها تواجه  60 – 80 مليار دولار من هروب رؤوس الأموال سنويا. ولا يمكنها أن تلبي متطلباتها".

العواقب ستضعف الكرملين كثيرا، سواء في العلاقة مع مناطق روسيا  الخاصة وبقية العالم. إذا أدارت موسكو منابعها المتدنية، يمكن أن يكون لها آثار إيجابية في تعاون متعدد الأقطاب. ويمكن ان يجد أوباما أن لديه شريكًا في مسعاه لإجراء تخفيضات كبيرة في الترسانتين النوويتن الأكبر في العالم، وأنه يمكن أن يكون هناك جو أكثر تعاونا في مجلس الأمن للأمم المتحدة بشأن قضايا مثل سوريا.

الجغرافيا السياسية للطاقة الفائضة في العالم ستكون غير مألوفة تماما. فأستراليا تميل في الظهور كلاعب رئيسي ينافس قطر -- مصدر الغاز الطبيعي المسال الأكبر في العالم بحلول عام 2030. كمنطقة، من المرجح ان تبرز  غرب أفريقيا كمركز رئيسي، إلى جانب الأرجنتين. ويمكن القول، إنه سيكون الكوكب الأكثر إثارة والأكثر تعددا للاقطاب.

وما إذا سيكون أفضل كوكب ذلك يعتمد إلى حد كبير على كيفية إدارة التحول من العالم القديم إلى العالم الجديد.

لماذا الآن؟

• الغاز الصخري هو غاز طبيعي - غاز الميثان - الذي تكون من تعفن ملايين الغابات منذ سنوات، وهو الآن يتكون ضمن التشكيلات الجيولوجية العميقة من الصخور الكثيفة.

• نسف هذه الصخرة يتطلب قوة عظيمة - فاستخراج الماء والرمل والمواد الكيميائية من التكوينات الصخرية تحتاج إلى ضغط شديد – وقد طورت التكنولوجيا التي تقوم بهذا ببطء شديد منذ 1950.

• والأهم من ذلك، الحفر التقليدي لآبار النفط والغاز قد اشتملت على آبار نفط عمودية تفتح حقول النفط، وهي تلفظ محتوياتها إلى السطح، حيث يمكن التقاطها.

تحرير الغاز الصخري مختلف تماما، فهو يتطلب نسف الصخور عبر مسافات شاسعة في أماكن قريبة، مما يجعل الآبار العمودية عديمة الفائدة.

إلا أنها كانت فقط في أوائل 2000 حيث تم تحسين تقنيات الحفر الأفقي اللازمة.

•  يتم حفر الآبار الآن على 5 -7 ألاف قدم، ثم يتم تحويلها في زوايا قائمة لإنتاج الأنفاق  بطول 5- 8 آلاف قدم. وهذا يسمح بنسف الصخور بعيدا من مسافات كبيرة.
 
15 تشرين الثاني/أكتوبر 2012 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus