السيد كامل الهاشمي.. البحثُ عن الحَسْم في المنطقةِ الوسطى

2012-11-20 - 2:50 م


مرآة البحرين (خاص): اخترق السّيد كامل الهاشمي (مواليد البحرين 1962م) المعيشة الهانئة التي نشأ فيها وترعرع. لم يكن "التّحرّر" من انتسابه إلى أحد كبار تجّار المنامة؛ عملاً سهلاً، لاسيما في ظلّ الخيارات المفتوحة التي كانت تُحيط به. احتاج إلى عزْم لاجتياز هذه المسرّات الفاحشة. عرجَ إلى قم المقدّسة فور تخرّجه من الثّانوية العامة، منطلقاً في رحاب العلوم الدّينيّة التي توفّرها الحوزة للطّلبة الذين يشدّهم التّوق إلى الانضمام في ركب المؤسّسة الدّينيّة، وتأدية الأدوار "الرّسوليّة".

حلّ في إيران/ الثورة، وفي ربيعها الأول. عاشَ في تلك الأجواء "الكلاسيكية" التي تميّز الأرضَ الملتهبة، في ظاهرها وباطنها. أطلّ على روح الله الخميني في أكثر تمظهرات الأخير السّاحقة. تعرّف عن قُرب على عرفانه، وسياساته، فكان جديراً في الكتابة عن مشروعه التغييري، لا ليعكس ولعه في الترويج المتحزّب، ولكن ليُقدّم المعرفة، تلك المعرفة التي ضاعت بين صراع التّيارات الملتهبة، وأوجعتها الجهالات والتّجاهلات. لم ينتظر الهاشمي كثيراً حتى يكوّن وجهه الدّيني المختلف، غير الغارق في الرّسوليّات، والتباشير المؤدلجة. لقد عاينَ إيران/ الدّولة، وأدرك كيف تتمطّى الثّورة في خصام السّياسيين.
 
تخصّص في الفلسفة الإسلامية التقليدية، ولكنه لم ينغلق في برجٍ عاجي. تتبّع تفاصيل الواقع المتعرّج، ولامسَ الأفكار الجديدة بروح النّاقد الذي يعرف من أين تتولّد الأفكار، وكيف تُصرف. حدّد الهاشمي هويّته منذ البدء، فهو إسلامي يعرف المناورة وهو يُحدّد حلمه في ''عودة الإسلام'' إلى واقع الحياة، وابتداءً من ''أسلمة الذات''. وبين الواقع والحلم ثمة ''معاص'' في حياتنا الإنسانية، ومشاكل معقدة تضج بها حياة ''شبابنا'' التائه بين ''المطارحات'' و''الإشراقات''. في هذه المحطّات، كتبَ الهاشمي، وكان بذلك من أبرز جيله إنتاجاً وبحثاً.

وسط ذلك، لم يغفل الهاشمي أن يضمّ إلى اندفاعه "الإيماني" تعميق معرفته بالآخر: بالإشكالات، والألغام، والتحديات.. والأسئلة المسكوت عنها.
 
خاضَ الهاشمي، وهو في بدايات النّضج الدّيني، تجربة الكتابة. إنه إيذانٌ متقدمٌ بالحاجة المستديمة للوعي الديني. الإيمانُ ضرورةٌ ثابتة، بيد أنه يُصبح وعاءً للخرافات ما لم يُحصن بالمعرفة، والكتابُ أول مصادرها. استل الهاشمي قلمه الحُر مساهِماً في التنوير الثقافي والمجتمعي والسياسي، مخفّفاً عن روحه وعقله سطوة القيود، واستلاب الرمزيات لهما. اعتماداً على المعقولية والتفكير المنطقي والتحليل التركيبي، يُقدم الهاشمي أفكاره الحاسمة، وبأقل الأضرار. إنه لا يغادر المنطقة الوسطى حتى وهو يُحوّل أفكاره الحاسمة إلى حسام قاطع، لا يعرف المداهنة والمواربة: الاستبداد السياسي، أوهام التميز، غرور النخبة، نقد الرموز والقيادات، والمنطق الجمعي. يمارس الهاشمي دوره من خارج قلب المؤسسة الدينية، ولكن ليس خارج حدودها.

يستلهم الهاشمي المجدّدين الكبار، ويُضيف إليهم مسحات من نبض معاناة المحلّي. يتقدّم، مع قلة استثنائية من المحلّيين، إلى موقع المفكّر، القادر على إنتاج المفهوميّات. يُنتِج أفكاره، ويُبدِع في بناء المفاهيم والتراكيب، مع "ضيق" متفاوت في القوالب والصياغات. لا يقع في التصنيف، ويشدّ الرحال حيثما يُسعفه تقديم المعرفة. هكذا كان الهاشمي من أبرز، وأوسع، المتحدّثين البحرينيين في المنتديات والاحتفالات. عنى ذلك أن الأسيجة لم تفلح في محاصرته، وعنى ذلك أيضاً؛ أن قوة الفكرة، وسلاسة الطرح، ومصداقية الموقف.. خيرٌ وأبقى.

في السّياسة، كان منذ البدء غير راغبٍ في الانخراط "المبتذل" مع ما يُسمّى بالمشروع الإصلاحي. أكّد حدود "الرّافضة" مع انسجامه الذّهني والفكري والخطابي مع قوى الممانعة. نظّرَ لأهم المشاريع التي ميّزت الأجواء والبرامج والملفّات "الثّوريّة" التي تولّدت في رحابها حركة "حق"، وتيار "الوفاء" لاحقاً. لم يشأ أن يكون "عضواً عاملاً" في أيّ من التّشكيلات الجديدة، ولكنه كان أبرز الشّخصيّات الفكريّة التي قدّمت خلاصة ذهنها التّحليلي، وتضامنها العملي مع بيئة الممانعة وواجهاتها.

 استهداف الهاشمي الأخير يجيء تعبيراً عن عجْزٍ فادح يعانيه النّظام. هذا النّظام الذي بات قديماً، عاطلاً عن العمل، كما قال لمحقّقيه الذين لا يفقهون شيئاً.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus