أكبر 3 أخطاء ارتكبها «تجمع الوحدة الوطنية» منذ تأسيسه

2012-11-21 - 7:19 ص


مرآة البحرين (خاص): ما من شك، أن «تجمع الوحدة الوطنية» مصدوم من حجم حضوره في شارع «الفاتح».  وإن أحداً ما في مكان ما لابد أن تساءل عن السر في أن الفعاليات التي يدعو لها ما عادت تستجلب أحداً، سوى العشرات، وبعض البسطاء من الجالية الآسيوية. كما رأينا في «الوقفة الصامتة»  التي دعى لها «التجمع» في جامع الفاتح مؤخراً، إضافة إلى عديد من «الوقفات السابقة».

المعلومات تفيد أن «التجمع» صار يتعامل مع تآكل حضوره بشكل جدي، وهو من المزمع أن يطلق خلال أيام ورشة داخلية للحوار مع أجنحته المتصارعة بشأن كل ذلك. فيما يلي - نهديه من الموقع المعارض! - أهم أكبر 3 أخطاء قام بها منذ تأسيسه في العام الماضي 2011، والمرشحة لأن تقف حجر عثرة أمام كل جهود «اللملمة» التي يسعى لها. وهي ليست كل أخطائه على أية حال.

أ. تسرّع «تجمع الوحدة الوطنية» كثيراً في استبعاد منافسيه من جمعيتي «المنبر» (إخوان) و«الأصالة» (سلف). في التاريخ المعاصر للبحرين، هناك تجربتان لبناء تيارات موحّدة من مجموعة تنظيمات متنابذة، لكن داخل الحقل الرمزي الواحد، تستحقان الدراسة، وهما: تجربة التيار الديمقراطي، بتلويناته، يسار قومي ويسار ماركسي وقوميين وبعثيين. وتجربة التيار الشيعي، بتلويناته، دعوة وشيرازيين ومستقلين. 

في تجربة التيار الديمقراطي، متمثلاً في جمعية العمل، جرى تعميق الفروقات مبكراً؛ حيث لم تُراعَ الحساسيات التنظيمية لأحزاب عائدة من العمل السري، فانفجرت، لتنتهي إلى ما انتهى إليه التيار الديمقراطي من انقسام وتشظي، لما يزل يعاني من تأثيراته إلى اليوم. وفي التيار الشيعي، متمثلاً في جمعية «الوفاق»، أديرت  الفروقات بشكل أكثر حنكة، فجرت عمليات الانشقاق «تدرجية»، أي على مراحل. لقد حافظ على وهج التأسيس، وعمل أمين عام الجمعية الشيخ علي سلمان، بشخصيته التي تجمع بين القدرة على الدخول في تسويات «مرحلية» واستيعاب المختلفين «مؤقتاً» دوراً حاسماً.

لقد شهدت «الوفاق» أكثر عمليات الانقسام، وأوجعها، بدءاً بجماعة الشيرازيين الذين شكلوا «أمل»، ثم نائب رئيس الجمعية حسن مشيمع وعبدالجليل السنقيس اللذان شكلا حركة «حق»، فعبدالوهاب حسين الذي شكل تيار «الوفاء»، وأخيراً نزار البحارنة والشيخ عبدالنبي الدرازي اللذان سعياً إلى تشكيل حركة «العدالة»، ثم باءت المحاولة بالفشل.  ووصل الأمر إلى قيام بعض المؤسسين بطلب شطب أسمائهم من قائمة المؤسسين (ضياء الموسوي).

لكن رغم ذلك، فقد حافظت الجمعية على تماسكها، ووهج الحضور في شارعها؛ حتى مع كم النقد الذي يصل حدّ التقريع لها. أحد أسباب ذلك، أن عمليات الانشقاق هذه، لم تتم مرّة واحدة، بل تمت على مراحل، استطاعت الجمعية  من جرائها تجاوز لحظة التأسيس، بقدر لا بأس به من التماسك، ثم سمحت بعمليات الانقسام في فترات لاحقة، اختلافاً على برامج وسياسات. من الواضح أن «تجمع الوحدة الوطنية»، الذي حاول بناء تنظيم يستوعب الشارع السني في البحرين، لم يدرس هاتين التجربتين جيداً، فذهب إلى استبعاد الإخوان والسلف مبكراً، ليعيد بذلك استنساخ مأزق التيار الديمقراطي: الإجهاز على المختلفين من التيارات الأخرى، بالضربة القاضية، ومنذ البداية. حتى مع وجود خلافات كبيرة، كان عليه أن يستوعب لفترة لا بأس بها، رمزيات بارزة من هذين التنظيمين ضمن أطره، بحيث يعبر بهما مرحلة التأسيس بسلام، ثم يتيح المجال أمام انشقاقها في فترات لاحقة. لكن هذا لم يحصل.

ب. مارس نوعاً من الخديعة إزاء جمهوره وفقاً لنموذج «ذرائعي» افتقر فيه خطابه إلى الانسجام. إن أهمّ عامل في بناء أحزاب قوية، هو قيامها على أهداف واضحة، وهو ما لم يتحلّ به «تجمع الوحدة الوطنية». إن هذا كلام يهجس به حدّ الشكوى المرّة، أنصار «التجمع» نفسه، بما يستتبع ذلك من تبكيت وجلد للذات: ماذا نفعل؟ ماذا نريد؟ شاهدوهم كيف يخططون! تستطيع «الوفاق» بأن تجادل أن المطالب التي ترفعها اليوم، بما فيها الحكومة المنتخبة، كانت مذيلة في قانونها الأساسي منذ وهلة التأسيس. كما تستطيع المجادلة، بأن مطلبها في تداول السلطة سابق على 14 فبراير/ شباط، ويعود إلى وقت أبكر، حيث عبرت عنه في مؤتمراتها العامة السابقة، التي أثارت زوبعة لدى طرحها أول مرة.

بل وصل الأمر إلى إغلاق إحدى الصالات التي أقامت فيها مؤتمرها بسبب طرحها مطلب تداول السلطة (صالة طيران الخليج). بغض النظر عن الإسلوب الدعائي المستبطن في هذا النوع من المجادلة، لكن أحداً لا يستطيع القيام بالمثل في حال «تجمع الوحدة الوطنية». فهو لا يستطيع إقامة مجادلة، معضّدة بالتماسك، بأن الخطاب الذي يقدم نفسه من خلاله الآن، وما يتضمنه من برنامج ومطالبات، هو نفسه الخطاب الذي جمع من حوله الناس في «الفاتح» في فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011. هذا الكلام لا يقوله معارضون، بل تقوله فوزية رشيد، إحدى عضوات الهيئة المركزية لـ«التجمع» نفسه. وقد دونت ذلك في سلسلة مقالات نقدية، أعقبت طرحه لبرنامجه السياسي قبل أشهر، والذي أثار كثيراً من الضجيج. حدّ وصفها له بالانسياق وراء الطرح الذي تقول به المعارضة؛ بل أنها اتهمت بصراحة واضع البرنامج باختراقه من قبل «الوفاق». ثمة حكمة فلسفية تقول «النهايات تعود إلى البدايات»، ومن المؤكد أن النهاية، كما نشهدها في اللحظة الماثلة لـ«التجمع» الآن، ليست هي البداية التي شهدناها له لحظة ظهوره في «الفاتح».

إن البرنامج الذي جمع من حوله أهل الفاتح عند وهلة التأسيس، هو برنامج يقوم على ركيزتين، طائفيتين للأسف، مهما طوّحت الادعاءات: إرهاب السنة عبر خلق استيهامات أن وجودهم في البحرين مهدد، وصياغة خطاب يحاكي الحسّ الغريزي الجمعي كي «يفزعوا» لحماية هذا الوجود. مع ما تتطلبه هاتان الركيزتان، من محض ولاء أعمى إلى بيت الحكم، آل خليفة، باعتباره «وتد الخيمة» الذي يجب أن  تدور حوله السياسية، إذا شيء لها أن تدور. إن هذا هو البرنامج الفعلي الذي جمع حوله كل المتنافرات في بيئة الفاتح، من سلفيين وإخوان وحكوميين ومستقلين، واستقطب الكمّ الأكبر من الحشد، الذي يفاخر به اليوم. إن هذا ما توافقوا عليه، ضمناً، في لحظة حاسمة من تاريخ البحرين. غير أن استدراك ذلك، أو المداورة عليه، برفع الكليشيه الذي يفيد «لسنا موالين بل معارضة الآن»، يستدعي بناء توافق آخر عليه، في بيئة الفاتح. أي التفكير في «بداية جديدة»، وليس «العوة إلى البدايات» التي تستوجب العودة إلى البرنامج السابق الذي رافق عملية ظهوره. إن البداية الجديدة، كما يمكن أن يكون حاملاً لها البرنامج السياسي الذي طرحه «التجمع»، يستوجب أهدافاً واضحة، والاستغناء عن التشبيح بتمثيل «تيار الفاتح»، أي التواضع بتمثيل عضوياته، فقط. كما يستوجب تبني خيار «التغيير» لمن لايقعون ضمن إطار عضويته، وهو خيار صعب يستدعي الكفّ عن الاقتيات من الكتف الجاهزة.

ج. أعاد تعريف نفسه لكن من غير أن يغيّر أرضه التي يقف عليها ويمتح منها خطابه. فقد أراد ممارسة المعارضة، أو جناح فيه، من على أرضية السلطة. وهذا غير ممكن. إن ذلك جعله مثاراً للضحك. ولعلّ أكثر توصيف يشرح  لنا هذه المعضلة، هو ما قاله أحد المؤسسين الذين استقالوا منه، وهو عادل عبدالله «لا هو مقاتل ولا هو وسيط». وهو توصيف دقيق إلى حدّ بعيد. يمكن التساؤل هنا، بالبناء على ذلك، إذا كانت لدى التجمع المطالب تلك، التي ذيّلها في برنامجه السياسي، وهي مطالب وطنية معقولة، لماذا لا يقاتل من أجلها؟ قتاله ذاك، المستشرس إزاء كل ما يتصل بالمعارضة؛ حتى وجد من يسميه بـ«معارضة المعارضة»!

ويمكن معرفة ذلك، بجردة إحصائية بسيطة، لكمّ البيانات والخطابات و«الوقفات» التي أصدرها أو دعا لها، التي تستوحي مواقف «مناكفة» للمعارضة، مقارنة بتلك التي تذهب إلى تثبيت مطالبه، وجعلها سلعة رائجة في الخطاب السياسي. لكن إذا لم يكن مقاتلاً، أو لا يقوى على ذلك، لعوامل مختلفة، لماذا لا يتخذ دور الوسيط؟ وهو دور يتطلب مسافة معقولة من الطرفين، من السلطة (التي لا يزال يقف على أرضها)، والمعارضة (التي يتخصص في مناكفتها). ومرّة أخرى، يمكن أخذ مثال هنا، من إحدى جمعيات التيار الديمقراطي، وهي «المنبر التقدمي». نعرف الآن، أن الجمعية أعادت تموضعها بعد ضربة 16 مارس/ آذار، وأبعدت نفسها تقريباً عن كل فعاليات الجمعيات المعارضة،  وهي تطرح نفسها اليوم، وسيطاً مثالياً، نتيجة لمسافتها من السلطة، وتكوينها الوطني «غير الطائفي». 

حتى الآن، «التقدمي» ليست ناجحة في ذلك، لأسباب ليس هنا مقام ذكرها، لكنّ هذا هو الخيار. هي ليست مقاتلة الآن، لكنها تريد القيام بدور الوسيط. الحال، فإن «تجمع الوحدة الوطنية»، وكما سبق لعضو هيئته المركزية المستقيل أن عبر، لا هو هذا ولا هو ذاك. إنه «معارضة» فقط، كما يعرّف نفسه، لكن كيف! لا أحد يدري. وهو «معارضة»، لكن كل ردات الفعل التي تعبّر عنها بياناته أو صانعو خطاباته، تقوم على إعادة إنتاج ألاعيب الحكم، وتسويق «فبركاته». على الرغم من كمّ الكذب الذي كشف عنه تقرير «بسيوني». إن القول بـ«المعارضة» تستوجب الوقوف على أرض تليق بمعارضة، لها لغتها ومفرداتها وسلوكها على الأرض. وليس فقط، إطلاق «التشبيحات» التي لا تفعل شيئاً، سوى جعله أضحوكة!


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus