أم علي عباس رضي شهيد الصلاة تروي لحظات الفقد: مستعجلٌ لا تغادره الابتسامة

2012-11-22 - 12:20 م


مرآة البحرين (خاص): "أماه.. مستعجل مستعجل مستعجل".. قالها وهو يودع والدته خارجاً من المنزل، للحاق بالصلاة. اليوم هو الجمعة 9 نوفمبر 2012، أُعلنت عن صلاة مركزية خلف الشيخ قاسم بالدراز تضامناً معه ضد حملة الاستهداف الموجّهة، التي قصدت النيل منه مؤخراً. 

مستعجل في الابتسام..

كان الشهيد علي عباس رضي ذو ال 16 ربيعاً مستعجلاً دائماً. مستعجلٌ وهو يغادر البيت ليُدرك الصلاة التي لم يُدركها والتي سُمي شهيدها: شهيد الصلاة. مستعجلٌ وهو يغادر الحياة التي لم يدخلها بعد. مستعجلٌ وهو يؤكد لأهله في كل مرة: أنا الشهيد التالي وينتظر. مستعجلٌ وقد نضج عقله قبل عمره، فصار محل ثقة أمه ومطرح سرّها واستشارتها كما تروي عنه. كان علي مستعجلاً حتى في العبور من بوابة الدنيا إلى بوابة الآخرة، عبرها خفيفاً على جناح ملاك، لقد عبرها شهيداً..

 
أيضاً، كان الشهيد علي عباس رضي باسماً دائماً، لا تكاد ترى له صورة، إلا وتشقها ابتسامته المشرقة، تحتضن نظرته البعيدة، وكأنه يرى ما تطويه له المسافة المستعجلة إليه. 

هل أخذ علي هذه الابتسامة من والدته التي فاجأت الجميع بصورتها وهي ترفع علامة النصر، والابتسامة تعلو وجهها، بينما الناس في لجة حزنهم على فقد علي؟ وكأنها كانت ترد على ابتسامة ولدها بابتسامة تَطمئِن بها. ربما هذا ما عنته حين قالت لمرآة البحرين: كنت في مقدمه تشييع ولدي علي، منهارٌ كلي، حتى مرّت أمامي صورة كبيرة لعلي يحملها أحدهم، لقد كان يبتسم في وجهي، شعرت به يلوّح لي، يودعني فرحاً، يقول لي لقد فزت بالشهادة يا أمي، فأشرق وجهي، ابتسمت له، فجاءتني القوة، وأكملت المسير حتى المقبرة".

تحت جنح دعائي..

كيف كانت لحظاتها الأخيرة معه، وكيف تلقت أم الشهيد علي نبأ ابنها؟

تروي لمرآة البحرين: استيقظ يومها من نومه بعجالة، رأيته يهم بالخروج بسرعة لم أعهدها من قبل، تعجبت وسألته عن سرّ نشاط ذلك اليوم فقال: أماه مستعجل مستعجل مستعجل!! لا أريد أن تفوتني صلاة الجمعة خلف الشيخ عيسى قاسم أصدقائي ينتظروني بالخارج، غادر تحت جنح دعائي. 

قرابة الحادية عشرة والنصف، بعد أقل من ساعة من خروجه، يرن هاتف زوجي، المتصل هو ابن أخيه، يسأله عن علي هل هو في البيت أم لا، يردّ عليه زوجي أن علياً خرج للصلاة مع أصدقائه، سمعته بعدها يتمتم: ارفق بي، أنت تقول لي خبرا سيئا!! 

 
تغيرت ملامح الأب، خرج مسرعاً دون أن ينطق حرفاً، كان يتهيأ قبلها للذهاب للعمل، لكنه هذه المرة سلك غير الطريق التي يسلكها في العادة. كل ما فهمته أن هناك حادث سيارة فقط دون أن أعرف من الذي تعرض للحادث. كنت خائفة، وقلقة لكني لم أجرؤ على الاتصال بزوجي، خرجت إلى الطريق فلم أشاهد أحداً، عدت محتارة لا أعرف ماذا أفعل، بعد إلحاح ابنتي الصغيرة قمت بالاتصال بزوجي، كانت المفاجأة أن من أجابني هي ابنة أخيه، استغربت كثيرا وبادرتها: هل زوجي عندكم بالبيت؟ ولماذا لم يرد هو على اتصالي؟؟ هل حدث لكم شيء؟ أخبروني!! أجابتني: لا أعلم ما الذي حدث، إذا عرفت سأخبرك!!

هذا هو ابنك..

القلق صار يتقافز حولي، لماذا لم يجب زوجي؟ وجدت نفسي أتصفح (الفيس بوك) لعلي أقرأ شيئاً، كان أول خبر قرأته من صوت سماهيج هو استشهاد شاب دهسا بعجلات قوات الأمن وهو في طريقه إلى الصلاة، لم أكمل قراءة الخبر، لم يدر بخلدي أن هذا الشاب هو ابني. لكن قلبي لم يكن يسكن في مكانه، خرجت إلى الشارع علني أسمع شيئاً، كان مقفراً وخالياً، عدت أدراجي، رفعت الهاتف وعاودت الاتصال بابنة أخ زوجي، لم ترفع الهاتف، بعد عدة محاولات فعلت، سألتها بلهفة: أخبريني أرجوك ما الذي حدث؟ ولماذا زوجي معكم؟ وما هذه الأصوات حولكم؟ أجابتني: لا تخافي يا زوجة عمي لا تخافي!! وأثناء ذلك سمعت صوت والدتها تصرخ: كفاكم، أنا سأخبرها، ألا ترون القلق يذبحها، وجاءني صوتها على الهاتف: هنيئا لك يا أم علي، لقد استشهد ولدك علي.. خرجت صرخة عالية من أعماقي.

وكمن ضاع منه الوعي بكل شيء، ناديت أطفالي وأجلستهم حولي، ثم اتصلت بخالتي: يقولون أن ابني علي استشهد. أغلقت الهاتف. جلست وفي حجري أطفالي. عيني معلّقة صوب الباب، انتظر من يكذّب الخبر لا من يؤكده. دخلت إحدى نساء الحي: لا تصدقي كل ما يقال في الفيس بوك، ربما يكون الخبر غير صحيح. تلتها ثانية وقالت كما الأولى، لكن الثالثة سألتني عما يرتديه علي، أجبتها قبل أن تصرخ قائلة: هذا هو هذا هو ولدك.. هنيئا لك استشهاده، دارت الدنيا من حولي.

محتضنة القميص..

حينها شعرت بأن أذني قد صُمّت وعيناي لم تعودان تريان شيئاً، كأنه الغياب عن كل شيء. ركضت مسرعة إلى الخارج وإذا بجمع كبير أمام منزلنا، لحظات وإذا بقوات الأمن تصل لتطلق علينا غازاتها الخانقة، لم ينج من الاختناق من كان خارج البيت ولا من كان بداخله.

بتُّ ليلتها محتضنة قميص ولدي علي، انتظر بزوغ فجر السبت لكي أراه، لم أصدّق أنه من يتحدثون عنه، ولن أصدّق حتى أراه. لم يسمحوا لي بالذهاب إلى المستشفى، ذهب عمه وابن عمه فقط. هناك أُخبرا أن شاباً قد تعرّض لحادث سير وتوفّي، يعتقد أنه آسيوي. دخلا، كشفا عن وجه المُتوفّى، أنزلا رأسيهما بأسى اليائس، خرجا ليؤكدا الخبر المفجع.

تقبّل قربان الوطن..

 
عند باب المغتسل استقبلني والدي، أحاول أن أتمالك نفسي، بأي صورة سأرى علي، كل شيء يدور من حولي، دخلت وطلبوا مني عدم الإمساك برأسه، ارتجفت أكثر، لماذا؟ أريد تقبيل رأس ابني، قالوا لي أنهم يخافون أن يعاود الرأس النزيف. قبّلت كتفه. قلت له سامحني يا ولدي. بعدها غاب عني الوعي. 

أخرجوني من المغتسل، استعدت وعيي وطلبت منهم أن يعيدوني إليه، أريد أن ألقي عليه نظرة أخيرة، دخل زوجي معي، هذه المرة قبّلت خده ورفعت يدي إلى السماء: اللهم تقبل هذا القربان، هنيئا لك يا ولدي الشهادة كما طلبتها في سبيل الوطن. 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus