التعليق السياسي: لماذا كان شيخ علي سلمان ليلة العاشر؟

2012-11-27 - 6:46 م


"لم نخرج أشرين ولا ظالمين ولا مفسدين، وانما خرجنا نحن المواطنين في البحرين لطلب الإصلاح في شؤون بلادنا واستعادة حقوقنا"
شيخ علي سلمان


مرآة البحرين (خاص): كلمة الشيخ علي سلمان، كانت مفاجئة للجمهور الذي اعتاد أن ينتظر كلمة الشيخ عيسى قاسم ليلة العاشر من محرم، يبدو أن المعارضة اختارات أن تختم ليالي عاشوراء برسالة واضحة الدلالة تؤكد فيها فشل السلطة في حملتها المكارثية (التخويف والتفتيش ومحاسبة الناس على أفكارهم وضمائرهم)  على هذه المناسبة. 

جاء خطاب شيخ علي ممثلاً ليس للطائفة التي تحيي هذه المناسبة، بل ممثلاً للجمعيات السياسية وخطابها المعارض المتوافق عليه، وبما وجد فيها كثيرون بياناً سياسيا لا يتناسب مع حرارة الواقعة في نفوس الناس في هذه الليلة. لكنها في العمق تحمل العناد على الموقف الذي ارتبط بصاحب المناسبة.
 
سعت السلطات البحرينية خلال عاشوراء هذا العام إلى تطويق عاشوراء: تفريغها من قيمتها الثورية والسياسية، وحصرها في البكائيات فقط. استعرضت عضلاتها التهويشية منذ البداية، استدعت عدداً من الخطباء والوراديد الحسينيين وأصحاب المآتم منذ اليوم الأول، حققت معهم فيما طرحوه في مجلسهم العاشورائي الأول واعتقلت بعضهم، هدّدت الباقين من مغبّة أي طرح سياسي صريح أو ملمز، وإلا سينالهم المصير ذاته، وأكدت أنها لن تبالي بالضرب بيد من حديد على من تسوّل له نفسه استغلال (الحدث الديني) لصالح السياسي وفق زعمها، ظنّت أن ذلك سيكون رادعاً، وفق سياسة اضرب البعض من البداية بقوة ليرتدع الباقون، لكنها فشلت بالقوة ذاتها التي أرادت الضرب بها.

فشلت لأسباب كثيرة، بعضها بتعلق بالمناسبة العاشورائية نفسها، وبعضها بتكوين الشارع نفسه، وبعضها بالوضع البحريني نفسه.

فشلت السلطة فيما أرادته من تطويق عاشوراء، لأنه من السذاجة بمكان، التفكير في فصل ممكن، بين ثورة الحسين وثورة البحرين أو أية ثورة أخرى، فكل حديث عن الأولى هو حديث ضمني عن الثانية. فالهدف السياسي لقيام الثورة ذاته (الإصلاح)، والحكم الفاسد ذاته، والاستبداد السياسي ذاته، والبطش المنزوع الأخلاق ذاته، ومحاولة تركيع الناس بالإذلال والقتل ذاته، والمحاصرة ذاتها، والترويع ذاته، والانتهاك المفرط ذاته، والتضييق على العيش ذاته، ومنع الماء (أو الرزق) ذاته، والقتل والتعذيب ذاته، باختلاف تفاصيل كل منهما وزمانها. 

الثورة تحضر في أشكال مختلفة، ومعنى واحد. ومع ثورة الحسين تحضر الشعارات التي تناغي وجدان هذا الشارع الثائر، وتزيد من إصراره وتحديه وصلادته: "هيهات منا الذلة"، "لا أعطي بيد إعطاء الذليل"، "كونوا أحراراً في دنياكم"، "مثلي لا يبايع مثله". 

لهذا لم يفلح المخبرون المندسون في المآتم وبين حلقات العزاء، في التمييز بين التاريخ والحاضر، بين حكم يزيد وحكم القبيلة، بين ازدراء يزيد وازدراء النظام، فكل ما يقال عن الأول ينطبق على الثاني، لهذا كانت التهمة الجديدة والمضحكة التي تم التحقيق فيها مع الخطباء والرواديد الذين تم استدعاؤهم لمراكز الأمن: إزدراء الدولة الأموية، ازدراء النظام. وضع النظام نفسه مدافعاً عن نظام يزيد، وأكد للناس ما كان يقوله آباؤهم عن العائلة التي تمسك بالنظام "بنو أميه"

أيضاً، فشلت السلطة فيما أرادته من تطويق عاشوراء، لأن أيام عاشوراء بالذات، تشكل للشخصية الشيعية فرزاً حاسماً بين اختيار واحد من اثنين: إما السلّة وإما الذلّة. وهو اختيار يصوغ وعي الشخصية الشيعية التي تجدّد عهدها كل عام: هيهات منا الذلة. 

هذا العهد، يبلغ قمة تأججه في أيام عاشوراء، وكأنه يجيب به على سؤال النصرة: لو كان الحسين حياً هل ستنصره أم ستخضع؟ الخضوع أو الخوف أو التخاذل يعني بالنسبة إلى التكوين الشيعي خذلان للحسين الذي ضحى من أجل عدم الخضوع للظلم. لهذا فإن ترهيب الشارع الشيعي في هذا الوقت بالذات، يجعله يستبسل أكثر في عدم الرضوخ، وأن لا يُعطي بيده إعطاء الذليل، وإلا اعتبر نفسه كمن خذل الحسين من أهل الكوفة خوفاً أو طمعاً.

أيضاً، فشلت السلطة فيما أرادته من تطويق عاشوراء، لأن الشارع ليس ملكاً لأحد، ليس ملكاً لمأتم أو خطيب أو رادود، هو ملك للعامة، والشباب الذي افتتح ثورة 14 فبراير لم ينتظر إشارة البدء من أحد، هذا الشباب كان حاضراً بقوة خلال عاشوراء، فاجأ الجميع بمسيراته المنظمة التي كانت تخرج من بين ثنايا مواكب العزاء (قريبا مما كانت حلقة الشهيد تفعله في الثمانينيات) كانت المسيرات التي نظمها شباب الائتلاف تخرج في أوقات مختلفة كل ليلة، صفوف منظمة وشباب منتظمون يغطون وجوههم ويربطون عصابات صفراء أو حمراء أو خضراء على رؤوسهم ويرتدون الأكفان ويرفعون قبضاتهم عالياً: "هيهات منا الذلة"، و" بالروح بالدم نفديك يا شهيد"، ويرثون الشهداء"يمه ذكريني من تمر زفة شباب". ولم يفتهم أن يلقوا بياناتهم الخاصة بهم، وأن يقيموا فعالية خاصة في ليلة العاشر من محرم باستضافة متحدثين من أهالي الشهداء والناشطين، تتقدمهم بزخم عال زوجة الشهيد كريم فخراوي (كبرى حميدي).

الشباب لفتوا الأنظار بحضورهم في ليالي عاشوراء المنامة، أدهشوا الجميع بحركتهم السريعة وهم يعلقون اللافتات برشاقة في كل مكان ثم يختفون في لمح البصر. الشوارع التي تمر عليها مواكب العزاء امتلأت بصور الشهداء والمعتقلين والشعارات الثورية. في النهار يأتي رجال الأمن لينزعوها، وفي كل ليلة، ثمة لافتات أخرى لدى شباب الائتلاف ليضعوها من جديد.

فشلت السلطة في إحكام طوقها على عاشوراء بكل الطرق، وفشلت في إحكام طوقها على الشارع والمآتم والخطب ومواكب العزاء، وكان آخر كسر لطوق السلطة الفاشل، ما حدث اليوم في عزاء الحادي عشر من محرم في منطقة اليه، تحول الحدث إلى تظاهرة سياسية مشحونة بالتاريخ الممتد في الحاضر، فتوجه الناس إلى ميدانهم اليوتوبي ميدان الشهداء (دوار اللؤلؤة) وكأنهم يريدون أن يعيدوا مسرحة واقعة كربلاء هناك.

كل عام والسلطة يزيد والناس الحسين.. 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus