من المنامة إلى غزة : التضامن بين البحرين وفلسطين

2012-12-23 - 10:18 ص


يزن السعدي: جريدة الأخبار
ترجمة: مرآة البحرين

وكما يسعى النظام الملكي البحريني بلهفة لإقامة علاقات صداقة مع إسرائيل، اتخذ مواطنو البحرين طريقا مختلفا، فنشاهد أوجه تشابه بين نضالهم ونضال الشعب الفلسطيني ضد القمع. رحلة تضامنية حديثة إلى غزة من قبل أطباء بحرينيين هي شهادة على الروابط التي لا يمكن للحكومات وضع عقبة في طريقها.

"الفلسطينيون في قلوبنا منذ الولادة. هي في قلب كل البحرينيين. هي القضية المركزية لجميع العرب والمسلمين - إلى حد أننا [على استعداد] لنكون شهداء من أجل فلسطين"، يقول الدكتور نبيل تمّام لجريدة الاخبار.

تمّام هو جراح واستشاري بحريني بارز في الأذن والأنف والحنجرة. إلى جانب خبرته الطبية الشهيرة، هو معروف بنشاطه السياسي المعارض لنظام الحكم في البحرين، فهو عضو في الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) - أكبر حزب سياسي يساري في البلد.

عمله في المجال الحقوقي والسياسي أتى بمخاطر كبيرة. فقد اعتقل تمام جنبا إلى جنب مع مئات المهنيين الطبيين الآخرين في البحرين وتعرض للتعذيب، وأدين كجزء من سياسة العقاب الشاملة للحكومة البحرينية ضد أولئك الذين تجرأوا على دعم الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت في شباط/فبراير 2011. 

منذ أن تلقى حكما بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، أمضى تمّام معظم وقته بين ممارسته الطبية ورفع مستوى الوعي حول القمع الذي يتعرض له المسعفون والبحرينيون بشكل عام. ورغم تعهدات السلطات في تنفيذ توصيات الإصلاح التي وضعتها لجنة البحرين المستقلة لتقصي الحقائق لا يزال هذا القمع  مستمرا.

منذ فترة، نظم وشارك تمّام ومجموعة من الأطباء البحرينيين في زيارة طبية استغرقت ثلاثة أيام  إلى قطاع غزة المحاصر للتعبير عن التضامن والدعم للشعب الفلسطيني.

هذه الرحلة التي أتت في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر  تمثل واحدة من أمثلة تاريخ التضامن والتعاون الغني بين البحرينيين والفلسطينيين، الذين يتقاسمون فهما معينا للحياة في ظل القمع. إنها الرابط لهذه القوى التي تشتبك مباشرة مع التحالف المتنامي بين إسرائيل والنظام الملكي البحريني.

الرحلة الطبية عام 2012

تمّام لديه تاريخ طويل في دعم القضية الفلسطينية. فهو عضو مجلس إدارة الجمعية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني، وكان واحدا من مؤسسي الرحلات الطبية البحرينية إلى غزة، التي بدأت في عام  2009 بعد الاعتداء الإسرائيلي الوحشي الذي دام  لثلاثة أسابيع على القطاع المحاصر المكتظ بالسكان.

رحلة عام 2009  انتهت بتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون المتبادل بين الأطباء البحرينيين الزائرين والمنظمات الطبية الفلسطينية التي شملت تبرعات الأجهزة والأدوية، وكذلك التخطيط لنشاطات تضامن مشتركة بين الطرفين.

الهدف من رحلة هذا العام، أوضح تمّام في مراسلات البريد الإلكتروني مع صحيفة الاخبار، كان لاتخاذ "موقف إنساني" ردا على المجزرة الإسرائيلية الأخيرة ضد الفلسطينيين في غزة.

وكتب : "الرحلة بأكملها كانت على نفقتنا الشخصية (تذاكر السفر، والسكن، وتكاليف النقل) وكانت كلها مواقف تضامن، في اليوم الأول الذي وصلنا فيه إلى غزة بدأ إعلان وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين وإسرائيل".

أمضى الفريق الطبي ثلاثة أيام في غزة، زاروا خلالها في الدرجة الأولى المباني الطبية مثل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ومستشفى الشفاء، والمستشفى الأوروبي في خان يونس، ووزارة الصحة، ومؤسسات أخرى.

وأشار تمام لصحيفة الاخبار : " الدمار والخراب الذي لحق بالمباني والإنشاءات والمرافق كان واضحا جدا نتيجة للقصف الإسرائيلي. جميع الحالات [الطبية] الخطيرة تم نقلها  إلى مصر لتلقي الرعاية الطبية المشددة. فقط الحالات الخفيفة والمتوسطة بقيت في المستشفيات المحلية لمتابعة العلاج ".
رحلة عام 2012 سعت أيضا إلى توسيع "مشروع التوأمة" التي طرحت في عام 2009. ويهدف "مشروع التوأمة"  إلى تعزيز عمل تعاوني أكبر في التخصصات الطبية المختلفة، وشملت إنشاء دورات تدريبية بين الطواقم الطبية الفلسطينية والبحرينية لحالات الحرب الشديدة، وكذلك عرض من جانب الفريق الطبي البحريني لتوفير العلاج للفلسطينيين عند الحاجة.

كما في العام 2009، لم تتم عرقلة الرحلة هذا العام من قبل السلطات فحسب، بل إنها لم توفر لها إجازة رسمية أيضا.

" [حاولت] الحصول على إذن من سفارة البحرين في القاهرة لدخول غزة "، أوضح تمّام. وأضاف : "ذهبت إلى هناك للقاء السفير وبعد فترة طويلة من الانتظار لم أستطع مقابلته أو حتى الحصول على رد".

لأن السلطات البحرينية لم تكن ترغب في التورط، والمنظمون اعتمدوا على اتصالات نقابة الصيادلة وزملاء آخرين في غزة، ونسقوا مع المسؤولين الفلسطينيين والمصريين لترتيب وتنفيذ هذه الرحلة.

إغفال الدعم الرسمي لا ينبغي له أن يأتي بشكل مفاجئ عند النظر في موقف النظام الملكي البحريني تجاه فلسطين وإسرائيل خلال العقدين الماضيين.

التحالفات المتعارضة

في ذروة الهجوم الإسرائيلي على غزة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، رفضت وزارة الداخلية البحرينية طلبات عدة لمجموعات عديدة من أجل تنظيم مسيرة مؤيدة لغزة في البلاد، وسمحت فقط بالاعتصامات داخل المباني الرسمية. وبررت الوزارة الحظر بأنه كان ضروريا  "من أجل الحفاظ على الأمن بتنفيذ القرار وحظر التظاهرات والتجمعات".

وكانت السلطات قبل شهر من الإعلان، قد نفذت فرض حظر كامل على جميع الاحتجاجات والتجمعات في محاولة للقضاء على المعارضة الجماعية المستمرة. وحتى الآن، قتل أكثر من مئة بحريني منذ اندلاع الانتفاضة، معظمهم  قتلوا على أيدي قوات الأمن، بينما اصيب المئات في أعمال القمع اللاحقة.

من البداية، حاول النظام الملكي البحريني نزع الشرعية عن الاحتجاجات من خلال وصفها بأنها نموذج طائفي وأنها نتيجة مؤامرة تقودها أيادٍ إيرانية، رغم وجود أدلة على عكس ذلك. وباستحضار الشبح الإيراني، اعتمدت السلطات البحرينية على التدخل العسكري من قبل جيرانها الخليجيين ودعم حلفائها الغربيين للنجاة من موجة السخط المتصاعدة.

وعلى طول الخط نفسه، دفع التهديد الإيراني المتصور، الشيء الذي شكل السياسة الداخلية والخارجية لنظام الحكم على مدى عقود، النظام الملكي البحريني ليطمع بتوثيق العلاقات مع إسرائيل، التي تنظر أيضا إلى الجمهورية الإسلامية على أنها العدو الاكبر في المنطقة.

هذا التحالف بين إسرائيل والبحرين نشأ رسميا في أوائل عام 1990 بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ويزداد تشددا في السنوات الأخيرة بعد أن انسحبت البحرين من مقاطعة جامعة الدول العربية في عام 2005.

وثائق البرقيات الدبلوماسية الأمريكية المختلفة التي كشفت عنها ويكيليكس أظهرت عمق العلاقات هذه بين البحرين وإسرائيل. في إحدى الوثائق، أعلن مسؤولون بحرينيون بارزون سرا استعدادهم لقاء مسؤولين اسرائيليين في عدد من المناسبات، ويذهبون إلى حد الإشارة على موافقتهم على المواقف الإسرائيلية حول القضايا الخلافية الأساسية مثل حرمان الفلسطينيين من حقهم في العودة.

أكثر من ذلك، إحدى البرقيات الدبلوماسية المسربة تظهر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وهو يفصح للسفير الأمريكي في البحرين في ذلك الوقت، وليام مونرو، أنه كان هناك بالفعل "اتصالات مع اسرائيل على المستوى المخابراتي / والأمني" وأضاف ملك البحرين أن "البحرين ستكون على استعداد للمضي قدما في مجالات أخرى".

ولكن المواقف والتصريحات التي كانت على المستوى السياسي الكبير لا تمثل الشعب البحريني عامة، فهناك الكثير ممن يعارضون بشدة أي نوع من العلاقة الإيجابية مع إسرائيل، كما أظهرعدد كبير من الاشخاص طوال الوقت.

في إحدى الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس، اشار مسؤولون أمريكيون أن وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة اجتمع في عام 2007 مع تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت، مما أثار غضب معظم المجتمع البحريني. 

وبالمثل، برقية أخرى أرسلها مسؤولون أمريكيون تروي كيف أنه تم بشدة انتقاد مقال في صحيفة واشنطن بوست كتبه ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، يدعو فيه إلى تعزيز "الحوار" مع إسرائيل.

إلى جانب البرقيات، هناك أمثلة أخرى من نشاطات التضامن المدني والاجتماعي في البحرين لدعم الفلسطينيين وهي تتناقض مع موقف النظام الملكي البحريني. وتتراوح بين مقاطعة المدافعة عن حقوق الإنسان مريم الخواجة مؤتمر اليونسكو لحقوق الإنسان الذي يكرم والدها، السجين السياسي عبد الهادي الخواجة، وذلك لأن الحدث نفسه كان يكرم الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، في مشهد درامي لمشرّع بحريني يحرق علما إسرائيليا خلال جلسة برلمانية قبل بضعة أسابيع.

والتضامن لا يكون ببساطة من جانب واحد.

الاعتراف المتبادل بالقمع

"نعم، الفلسطينيون كانوا على علم بالقضية برمتها مع صورة واضحة عن الوضع في البحرين. فقد كانوا داعمين للحركة المؤيدة للديمقراطية. ولم تظهر تصورات خاطئة فيما يتعلق بالحالة في البحرين،" تمام حافظ على الآراء الفلسطينية اتجاه الانتفاضة في البحرين التي عبرها خلال زيارته الأخيرة.

في الواقع، تصريحه يتضمن دعوة حق عندما لمح بشكل عابر كيف أن مواقع وسائل الاعلام الفلسطينية تقوم بتأطير الانتفاضة بالمقارنة مع اعتماد الوكالات الإعلامية الأخرى في المنطقة على السرد الطائفي وإعادة توجيه القضايا  لتسلط ضوء أكثر تعاطفا لصالح النظام الملكي البحريني.

لكن الانعكاس الواضح لهذا الاعتراف بين التجربة الفلسطينية في ظل الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي مع تجربة الظلم البحريني في ظل النظام الملكي لآل خليفة ظهر في رسالة كتبها أمير مخول، وهو سجين فلسطيني يقبع في أحد السجون الإسرائيلية، مهداة إلى السجين السياسي البحريني عبد الهادي الخواجة، والتي تحمل عنوان "حريتك هي حريتنا وحريتنا هي حريتك".  في الرسالة كتب مخول :

عندما تكون الارادة حرة والقضية عادلة، وأنت تجسد الاثنين، الإنسان يكون قادرا على صنع المعجزات، فلا نظام مستبد وظالم وقاتل يمكنه أن يضر بها، ولا النظام البحريني، المرهون للامبريالية الاستعمارية الأمريكية، أو نظام الاستعمار الإسرائيلي في فلسطين. إنه نظام الاستعمار وأنظمته العميلة التي فقدت كل الشرعية، في حين أن الشعب يملك الشرعية ومصدرها.

وكما أن تحالف النظام الملكي في البحرين مع إسرائيل يتطور، فلا شك أنه سيُقابل وينكشف بالتضامن المتزايد  للبحرينيين والفلسطينيين المؤيدين للديمقراطية. الآنف الذكر يُحرّك بحفظ الذات والحسابات السياسية للمسؤولين، في حين أن هذا الأخير هو تحالف يُحكم بالاعتراف المتبادل بمعاناة شعبهم وحقوقهم المستحقة.

16 كانون الأول/ديسمبر 2012 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus