التاريخ الذي غيّرته صفعة

أنور الرشيد - 2012-12-25 - 5:49 م


أنور الرشيد*

عندما ثار محمد البوعزيزي وغيّر التاريخ بثورته، لم تكن ثورته على الفقر أو الجوع أو المطالبة بسكن، وإنما جاءت ثورته ردًّا على انتهاك كرامته، التي أُهدرت بشكل غير إنساني، وبحقارة ما بعدها حقارة، حتى وجد نفسه تحثّه على حرق نفسه، لكي يشعر بأنه استرجع كرامته التي أهدرت. وهذا ما حصل، وأرجع البوعزيزي معه كرامة أمّة كاملة. ولكن مع الأسف الشديد أعداء الحرية والديمقراطية، ومنتهكو الكرامة الإنسانية، نجحوا بصدّ رياح التغيير، حتى هذه اللحظة، بمعنى أنهم كسبوا جولة، ولكنهم لم يكسبوا المعركة، التي لا زالت جارية ولن تتوقف حتى الساعة.

الفيديو، الذي انتشر يوم أمس، للشرطي الذي يعتدي على شاب بحريني، وهو يحمل ابنه، بدون مبرر ولا داعٍ، هذا الفيديو سيخلده التاريخ بلا شك، ويُعتبر من الأدلة الدامغة على أنه لازال الإنسان العربي بلا قيمة عند حكامنا، سواءً الجدد منهم، أو الذين لازالوا يرزحون على صدور شعوبهم منذ عقود طويلة، ويقهرونهم وينهبونهم ويستبدون بهم. 

عندما شاهدتُ ذلك الفيديو، شعرتُ بمهانةٍ كبيرة و قاسية، وأصابني اكتئاب وشعور بالمذلة والمهانة، فالشاب لم يكن حاملًا مولتوف، ولم يكن حاملًا عصا أو سلاح، وإنما كان يحمل ابنه على كتفه، وكان يسأل ويحاور بشكلٍ حضاري، ولكن عقلية الاستبداد تغلغلت وأصبحت جزءًا من تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا وتاريخنا، الذي لم تمر عليه فترة حقيقية موثقة عاش بها الشعب بكرامة وعزة، فتاريخنا مع الأسف مليء بالطغاة والمتجبرين والسفاحين، وتاريخٌ بهذا الشكل لا يمكن أن يُنتج لنا نظمًا ديمقراطية حقيقية تحترم كرامة الإنسان وتضعها على سلم أولوياتها. لذلك، وبصفعة ذلك الشاب، من المؤكد بأن ذلك العسكري سيُكرم، ويُرفع، وتُجزل له العطايا. 

حتى الأصوات التي ظهرت على شاشة التويتر، التي طالبت بالتحقيق، سرعان ما رد عليهم البعض: أي لجنة تحقيق تتحدثون عنها؟ بشكلٍ ساخر واستنكاري، لقناعتهم بأن هذه الحادثة منهج، وليست حادثًا عابرًا لن يتكرر، لا بل تكرر وسيتكرر اليوم وغدًا.

لا شك بأن هذه الصفعة سيكون لها أثر بالغ في نفس كل من شاهدها، فعندما تُهدر كرامة إنسان بدون مبرر، انتظروا ما سيأتيكم في المستقبل، ومن المؤكد بأن المستقبل كتب له تاريخ  يوم أمس. ومنظومة بهذا الشكل وهذه العقلية وهذه السياسة، لن يُكتب لها الاستمرار، وستسقط حتمًا طال الزمن أو قصر، ولا أحد يضمن استمرار موازين القوى على ما هي عليه، وستتغير بين لحظة وأخرى، وبعدها لا ينفع النواح، وتصبح تلك اللحظة هي اللحظة التاريخية التي تُعض بها أصابع الندم، وفقدان المُلك والعز والجاه، وستصبحون مشردين بين دولة وأخرى، ومطاردين، كاستحقاقٍ طبيعي لما اقترفتموه، وما ارتكبتموه من موبقات بحق شعبٍ مسالم، وستأتي تلك اللحظة، ولن تطول بلا شك، طالما أن هذه العقلية لا تريد أن تستوعب أن التاريخ غيرته صفعة.


* الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني.

** ينشر بالتزامن مع موقع منتدى حوار الخليج.




التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus